كيف يبدو شكل المدن الكبرى بدون سيارات؟ - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:33 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف يبدو شكل المدن الكبرى بدون سيارات؟


نشر في: الخميس 17 أكتوبر 2019 - 11:28 م | آخر تحديث: الخميس 17 أكتوبر 2019 - 11:28 م

تبذل العاصمة النرويجية أوسلو جهودا للاستغناء عن السيارات في شوارعها الرئيسية
تخيل أطفالا يلعبون الكرة في الطرق الرئيسية بالمدن الكبرى، أو سياحا يقفون وسط الشارع بلا اكتراث لالتقاط الصور، أو مقاعد وطاولات مصطفة خارج المطاعم في الميادين الصغيرة، ولا توجد على امتداد البصر سيارة واحدة أو دراجة بخارية أو حتى حافلة.

هذه الصورة لا تزال عالقة في مخيلتي لمدينة البندقية الخالية من السيارات، منذ أن زرتها في إحدى الإجازات الصيفية عندما كنت طالبا. وتنفرد هذه المدينة الإيطالية بأنها شيدت على مجموعة من الجزر الصغيرة. ولقد كانت تجربة التجول في المدينة دون الهرولة لتفادي السيارات رائعة.

وقد ظلت السيارات طيلة 100 عام تهيمن على المدن، فأجريت أعمال توسعة للشوارع لاستيعابها، وخصصت مساحات شاسعة لأماكن انتظارها.

صحيح أن السيارات أحدثت ثورة في أساليب التنقل والحركة، لكنها تسببت أيضا في مشاكل عديدة للمدن، من تلوث الهواء إلى حوادث الطرق. واليوم تعتزم مدن قليلة، وإن كان عددها يتزايد بمرور الوقت، تصميم شوارع وميادين دون وجود السيارات في الحسبان.

وتصدرت أوسلو في النرويج والعاصمة الإسبانية مدريد عناوين الصحف مؤخرا لاعتزامهما حظر مرور السيارات عبر ميادينهما الرئيسية.

في الوقت نفسه تحاول مدن أخرى فرض قيود للحد من استخدام السيارات في شوارعها، كما هو الحال في لندن التي تفرض رسوما على السيارات التي تمر عبر بعض الشوارع في أوقات الذروة. وطبقت العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي مبادرة تتيح لقائدي السيارات السير في الشوارع في أيام محددة بحسب أرقام لوحات سياراتهم، من حيث إن كانت زوجية أو فردية. وتحظر بلدات إسبانية عديدة استخدام السيارات في شوارعها.

وتقول هنّا ماركوسين، نائبة عمدة مدينة أوسلو للتطوير العمراني، إن الشوارع يفترض بها أن تكون ملتقى للناس، حيث يأكلون في المطاعم المكشوفة ويلعب الأطفال وتُعرض الفنون بأشكالها المختلفة. ولهذا منعت أوسلو دخول السيارات في شوارع معينة في قلب المدينة، وأزالت جميع ساحات الانتظار تقريبا ليحل محلها طرق للدراجات ومقاعد ومتنزهات صغيرة.

ولعبت العوامل الجغرافية دورا كبيرا في هذا القرار، إذ ترتفع نسبة التلوث في أوسلو في فصل الشتاء ويعاني سكانها من مشاكل صحية خطيرة. وأشارت الإحصاءات الحكومية إلى أن العقد الماضي شهد انخفاضا في معدلات تلوث الهواء، بالتزامن مع انخفاض في حركة السيارات، وزيادة الإقبال على المشي أو ركوب الدراجات أو استخدام المواصلات العامة.

ويقول جيه إتش كراوفورد، الذي ألف كتابين عن المدن الخالية من السيارات: "بخلاف مشاكل التلوث والحوادث المرورية، فإن أكبر ضرر تسببه السيارات للمجتمع هو أنها تفسد الفضاءات الاجتماعية".

ويرى كراوفورد أن السيارات تحول دون التفاعل الاجتماعي بين الناس، ولهذا فإن أشهر المناطق في المدن تكون دائما خالية من السيارات، كالمتنزهات والميادين المخصصة للمشاة. ويقول إن مساحات الانتظار تلتهم 70 في المئة من أراضي مدن أمريكية مثل دالاس وهيوستن. ويرى أن حل مشكلة الإسكان يكمن في التخلص من السيارات.

قد تبدو فكرة مدينة بلا سيارات رائعة، لكن هل من الممكن حقا تطبيقها؟ وماذا عن سيارات الإسعاف أو الأشخاص الذي يعانون من صعوبات في الحركة؟ وهل لا تصلح فكرة الاستغناء عن السيارات سوى للموظفين الشباب الذين يرغبون في السكن في مجمعات سكنية متكاملة؟

يقول هيو بلاندن، من اتحاد قائدي السيارات البريطانيين، إن منع الناس من الوصول إلى قلب المدينة سيجعله حتما خاليا من الحركة ومظاهر الحياة. وبهذا تمتلئ الشوارع التجارية بالمدمنين والمخمورين. ويرى أن ازدحام المدن سببه سوء تخطيط شوارعها.

ويقول رانسفورد أشيمبونغ، الباحث في التخطيط العمراني بجامعة مانشستر، إن منع السيارات من المرور في شوارع المدينة سيسهم في الحد من التلوث وفي تحسين الصحة العامة، لكنه يتطلب وضع خطة بديلة للنقل والمواصلات. وحتى في أوروبا التي تحتضن شبكات نقل ومواصلات جيدة نسبيا، فإن الكثيرين لا يمكنهم الاستغناء عن سياراتهم الخاصة للذهاب إلى عملهم وتلبية احتياجاتهم اليومية.

وبينما يرى البعض أن منع شخص من قيادة سيارته ينطوي على تقييد لحريته، فإن ماركوسين تقول إن السماح بمرور السيارات يحد من حرية حركة الآخرين، لأن السيارات تمنع الأطفال من اللعب في الطرقات أو المسنين من عبور الشوارع.

ووضع مخططو مدينة "غريت سيتي"، على مشارف مدينة شنغدو الصينية، في الحسبان تمكين سكانها من قطع جميع المسافات سيرا. إذ تتضمن المدينة عددا كبيرا من تقاطعات الطرق لتسهيل التجول بين جنبات المدينة سيرا أو بالدراجات. وتوجد أيضا جسور بين المباني الشاهقة.

وتبلغ مساحة ضاحية "غريت سيتي" كيلومترا مربعا، وصممت لاستيعاب 100 ألف شخص. ولا يستغرق المشي من مكان لآخر داخل المدينة سوى 10 دقائق.

ورغم أن المشروع لم يدخل بعد حيز التنفيذ، إلا أن مخططات المدينة تثبت أن تصميم أحياء بلا سيارات ليس مستحيلا.

ويقول كريس درو، من شركة "سميث غريل" للتصميم المعماري التي كلفت بتصميم المدينة: "أردنا أن نصمم مدينة ليسكن فيها الناس ويعملون ويذهب الأطفال إلى ساحات اللعب والمدارس دون استخدام السيارات". ويربط هذه الضاحية بمدينة شينغدو خطان سكة حديد.

وشارك درو أيضا في مشروع مدينة مصدر بالإمارات، التي صُممت في البداية لتكون بلا سيارات، رغم أن المركبات الآن تجوب شوارعها.

وشاركت شركة "سميث غيل" أيضا في تصميم خطة الإرث المستدام لمعرض "إكسبو 2020" الذي تستضيفه دبي. إذ من المقرر استغلال أرض المعرض لإقامة منطقة خالية إلى حد كبير من السيارات.

ويقول كراوفورد إنه من البديهي أن المدينة إذا تضمنت شبكة من الشوارع والطرق المتصلة ببعضها، ويضم كل منها محطة قطار (ترام) رئيسية وسط صفوف من المنازل والمتاجر والمكاتب، لن يستغرق المشي فيها أكثر من خمس دقائق من المحطة إلى الوجهة.

لكن من الممكن أيضا تطوير المدن التي نعيش فيها الآن لتصبح بلا سيارات. وتقول ماركوسين إن أوسلو بدأت بمنع مرور السيارات في الشوارع لفترات مؤقتة، ثم طبقت القيود الجديدة تدريجيا. وبعد عام من إغلاق أحد الميادين في أوسلو أمام السيارات تماما، يتساءل الناس كيف كان يسمح بمرور السيارات عبر هذا الميدان.

يقول أشيمبونغ إن الاحصاءات الحالية تشير إلى أن معدلات اقتناء السيارات تراجعت عما كانت عليه سابقا وانخفضت كذلك معدلات قيادة السيارات. ولا يهتم الشباب الآن، على عكس أبناء الجيل السابق، بالتملك والاقتناء. وهذا يدل على أن السيارات قد تختفي تدريجيا من الشوارع.

لكنه أشار أيضا إلى تزايد الطلب على خيارات النقل الملائمة الجديدة، مثل "أوبر" و"ليفت" التي تجعل الناس يعزفون عن المواصلات العامة، فضلا عن ارتفاع معدلات اقتناء السيارات في الكثير من الدول النامية واهتمام الحكومات بالسيارات على حساب وسائل النقل الأخرى.

وقد لا تجد الدول الأوروبية العريقة التي أمضت قرونا من دون سيارات صعوبة في حظر استخدام السيارات في شوارعها، لكن الأمر ليس بهذه السهولة في بعض المدن الأخرى.

وحتى الآن لم تتضح بعد مدى قدرة المدن على حظر مرور السيارات عبر شوارعها. لكني أتذكر أنني عندما تركت جزر البندقية الخالية من السيارات، لم يكن أمامي لكل أكمل رحلتي إلا انتظار سيارة تقلني إلى وجهتي.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك