كان وأصبح (13): السيرك المصري من الأزبكية إلى العجوزة - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:50 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كان وأصبح (13): السيرك المصري من الأزبكية إلى العجوزة

إنجي عبدالوهاب
نشر في: السبت 18 مايو 2019 - 10:28 م | آخر تحديث: السبت 18 مايو 2019 - 10:28 م

لا ينفصل تاريخ الفنون عمارة وتصويرًا ونحتًا عن السياسة والاجتماع والاقتصاد، ولا تقتصر قيمته على الجمال والإبداع والاحتراف، بل هي شهادة حية على أيام خلت وأحداث مضت وشخصيات كان يمكن أن تتوه في غياهب النسيان.

وفي سلسلتنا الجديدة «كان وأصبح» التي ننشر حلقاتها على مدار شهر رمضان، نعرض نماذج لحكايات منشآت معمارية أو قطع آثرية مصرية تنتمي لعصور مختلفة، تسببت التحولات السياسية والاجتماعية في تغيير تاريخها، أو إخفاء معالمها، أو تدميرها بالكامل، لتخبو بعدما كانت ملء السمع والبصر.
وتنشر الحلقة الجديدة من هذه السلسلة يومياً في الثامنة مساءً بتوقيت القاهرة.

تجربة السيرك المصري عمرها قرن ونصف من الزمان.. نستعرض في هذه الحلقة كيف بدا أول سيرك مصري وكيف أصبح.

أطلق على أول سيرك مصري اسم "ملعب البهلوان" وكان يقع على مقربة من دار الأوبرا الخديوية في الجهة المقابلة من حديقة الأزبكية.
فقبيل افتتاح دار الأوبرا الخديوية بخمسة أيام، وعلى بعد أمتار منها افتتح الخديو إسماعيل سيرك الأزبكية في 25 أكتوبر 1869 في تمام الساعة الثامنة مساءً، على هامش احتفالات افتتاح قناة السويس التي وصفها المؤرخون بالأسطورية.
لم يورد المؤرخون أية وثيقة لإظهار الشكل الخارجي لمبنى "ملعب البهلوان" لكن الصحف المصرية وثقت العديد من التفاصيل المتعلقة به، إذ أدار "ملعب البهلوان" الفرنسي تيودور رانسي، بالأمر المباشر من الخديو إسماعيل الذي عرف عنه إعجابه بالتجربة الفرنسية، ومزجت العروض المقدمة على خشبته "الطابعين الفرنسي والمصري، فكان إلى جانب الفرق البهلوانية وفرق التمثيل الصامت "البانتومايم" الفرنسية، فرق مصرية تؤدي رقصات شعبية تراثية كالرقصات الفلاحية باستخدام الخيول، وهو ما ورد في إعلان عن برنامج السيرك نشر على الغلاف الأخير لمجلة «وادي النيل» 23 في العدد الصادر 3 ديسمبر 1869، وهي مجلة سياسية أدبية وثقافية أنشأها الخديو إسماعيل عام 1866، بحسبما أوردته مدونة «هنداوي» في دراسة عن تاريخ المسرح المصري.

ظل "ملعب البهلوان" يفتح أبوابه للجمهور يوميًا، ويخصص حفلات مسائية تبدأ في تمام الثامنة، كما كان يخصص في يومي الأحد والخميس حفلات نهارية للعائلات تبدأ اعتبارًا من الثالثة عصرًا، أما أسعار تذاكر حضور الحفلات فكانت تتراوح بين فرنك وصولًا إلى 5 فرنك بحسب درجة المقعد، فكان المقعد المخصوص مقابل 5 أفرنك، ومقاعد الدرجة الأولى مقابل 3 أفرنك، أما الدرجة الثانية فكانت تكلفة المقعد بها فرنك واحد.

لم تقتصر حفلات السيرك على العروض البهلوانية المضحكة وفرق الجمباز الفرنسية فحسب، بل قدم مزيجًا من الفنون الغربية إلى جانب الرقصات الشعبية التراثية، لكن المفاجأة أن مسرح سيرك الأزبكية شهد عروض فن التمثيل الإيمائي الصامت "البانتومايم" قدمتها فرق فرنسية منذ العام 1869، ووثقت الصحف المصرية بعض أسمائهم بوصفهم أعلاما لفن التمثيل الإيمائي الصامت "البانتومايم" في العالم وكان منهم " فلسبي وفرسدريق وكريويست سالون والآنسة آنا"
وإلى جانب فرق البانتومايم الفرنسية برع بعض الفنانين المصريين والعرب في فن التمثيل الإيمائي الصامت أيضًا، وعلى رأسهم الممثل السوري أبو خليل القباني (1833: 1902 ) فهو أول من قدًم مشاهد للتمثيل الإيمائي الصامت "البانتومايم" أمام الجمهور المصري على خشبة سيرك الأزبكية بحسب مدونة "الهيئة العربية للمسرح"

حقق سيرك الأزبكية أو ما عُرف بـ"مسرح البهلوان" نجاحًا كبيرًا في عامه الأول، لكنه تعرض إلى خسارة فادحة في ثاني أعوامه نتيجة لتكاليف جلب الفرق الأجنبية ومديرين أجانب، لكن الخديو إسماعيل أصر على استمراره رغم الخسائر؛ فأصدر أمرًا إلى نظارة المالية بتحمل خسائر السيرك، ثم تطور برنامجه في العام 1872، بتعيين ميسو دافيد جيليوم، الذي صرفت له نظارة المالية إعانة قدرها 42 ألف و500 فرنك فرنسي، على 3 دفعات وهو ما ورد في مرسوم موثق في دفاتر المعية السنية بدار الكتب والوثائق القومية.
كان الخديو إسماعيل على صلة مباشرة بإدارة السيرك؛ لدرجة أنه استقدم في يناير 1872 فرقة بهلوانية من الأساتانة (اسطنبول حاليًا)، بالأمر المباشر الموجه من المعية السنية الخديوية، وكانت الفرقة تحوي 36 فردًا بينهم لاعبي جمباز وعازفيين وراقصين 26
لكن رغم التطوير ورغم رعاية الخديو المباشرة لأول سيرك مصري إلا أنه حقق خسائر فادحة نتيجة غرقه في الديون، مما أدى إلى إهماله منذ العام 1874، لتختفى أخبار السيرك تمامًا من الصحف المحلية، كما أن موقعه الحالي لا يمكن لأحد تأكيده، لكن البعض يرجح أنه كان يقع مكان مبنى بريد العتبة الحالي.

لم يتجاوز عمر تجربة "ملعب البهلوان" كأول سيرك مصري 4 أعوام، لكنها أضافت الكثير إلى التجربة الفنية المصرية، كما تمخض عنه ظهور عدة تجارب محلية صارت على نهجها في تقديم الألعاب البهلوانية والتمثيل المسرحي.

فبعد مرور عقدين نشرت صحيفة القاهرة في عددها الصادر 3 يناير 1889 إعلان افتتاح أول تجربة سيرك محلية خالصة، وهي «تياترو الحاج علي الحلو » الذي أسسه محمد علي الحلو وعائلته محاكيًا لتجربة "ملعب البهلوان" الذي سبقه بنحو عقدين، إذ قدم ألعاب بهلوانية وأخرى نارية إلى جانب العروض التمثيلية، وكان نص الإعلان الوارد بجريدة القاهرة كالتالي: «يشتمل هذا التياترو المستكمل أنواع المحاسن على ما يستوجب سرور من يشرفونه بالحضور لرؤية ألعابه المتعددة المتنوعة الأساليب، وهو مؤلَّف من رجال بارعين في فن التشخيصات والألعاب الحديثة ويختم بفصل هزلي عجيب جدًّا، ومن ألعابه المشهورة المشي في الهواء بأسرع حركة وتلفف الكل ومشاعل النيران أثناء ذلك ومن تشخيصاته البديعة حروب السودان الأولى ووقائع سواكن السالفة.
وفي جميع الفصول تصدح الموسيقى بأطرب الألحان بإدارة حضرة البارع المتفنن الشهير محمود أفندي أحمد المشهور بالصول، وقد انحاز إليه فريق من المغاربة المشهورين بخفة الحركات ودقة الألعاب، ومقر هذا التياترو في المولد الحسيني بجوار جامع الشنواني".

شاعت تجربة السيرك بعد النجاح الذي حققته عائلة الحلو التي اشتهرت بترويض الحيوانات المفترسة، وظلت تجوب المحافظات بعروضها حتى لفتت أنظار الملك فاروق في ثلاثينات القرن الماضي، وأنشأوا سيرك في منطقة عابدين بعدما طلب الملك فاروق مشاهدتهم.

وانتقلت تجربة السيرك المحلي إلى المحافظات فظهر سيرك عاكف في محافظة طنطا عام 1912، الذي أخرج فتاة السيرك الأشهر عربيًا نعيمة عاكف، وصولًا إلى تجربة السيرك التي أسسها الرئيس السابق جمال عبدالناصر مستعينًا بخبرات السوفييت، وتم افتتاحها عام 1966 تحت مسمى"السيرك القومي" ومقره الآن في العجوزة.

وغدًا حلقة جديدة



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك