سيد ضيف الله: «الصندوق» لميسون ملك فيه لذة وألم يلتقيان بذاكرة امرأة تشبه بغداد - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 7:53 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيد ضيف الله: «الصندوق» لميسون ملك فيه لذة وألم يلتقيان بذاكرة امرأة تشبه بغداد

تصوير: زياد أحمد‎
تصوير: زياد أحمد‎
شيماء شناوي
نشر في: الأحد 19 يناير 2020 - 2:14 م | آخر تحديث: الأحد 19 يناير 2020 - 2:14 م

في أمسية ثقافية امتزج فيها السرد القصصي بالنصوص الشعرية والنقد الأدبي، أطلقت «دار الشروق»، حفل توقيع ومناقشة المجموعة القصصية «الصندوق.. وقصص أخرى» للكاتبة والقاصة العراقية ميسون ملك، وذلك بمكتبة ديوان في الزمالك، بحضور كوكبة من أهل الأدب والفن والثقافة والشخصيات العامة المصرية والعراقية البارزة.

أدار اللقاء الناقدة الأدبية اعتدال عثمان، والدكتور سيد ضيف الله، الذي قدم قراءة للمجموعة القصصية، إذ قال إن المجموعة القصصية «الصندوق وقصص أخرى»، هي المؤلف الأول للعراقية ميسون ملك، ولم يسبق المجموعة سوى قصص مفرقة على مجلات وجرائد عربية، الأمر الذي يُدهش القارئ فور الانتهاء من كتاب ميسون الأول.

وأضاف ضيف الله أنه ليس بالكتاب أي علامة من علامات الإصدار الأول، بل فيه من شاعرية اللغة وسلاسة الحكي، وعمق المعرفة بالعالم وتراكم الخبرات الحياتية ورهافة الحس بمشاعر البشر؛ ما يجعل القارئ يُجزم بأن هذا الكتاب سردًا مُعتقًا، فيه لذة وفيه ألم يلتقيان بتجربة استكشاف ذاكرة امرأة عراقية تشبه مدينتها بغداد، فهي ذاكرة الجدة التي تحكي لحفيدتها «فرح» عن الهجرة والنزع من الأوطان، وفي الوقت نفسه ترسم لها وجوها كثيرة للمحبة، لأن ذاكرة المهاجرين ليست كغيرها، فهي قوية، وقوة الذاكرة ليست مجرد علامة على صحة البدن، بل إنها العلامة على صحة الروح وقوة اليقين بالذات.

وأضاف خلال كلمته: «ثمة تداخلا بين أنسجة الذات، بين الراوية وشخوصها النسائية في المجموعة القصصية، ونلحظ أيضًا أن قوة الذاكرة وصحة الروح وامتلاك اليقين بالذات قواسم إنسانية هي نفسها ما يميز منظور الراوية المفارق للمنظور السائد في ثقافتنا العربية، ففي قصة (هي رباب)، ثمة إزاحة واعية لصورة الرجل الصابر على الألم المقدر عليه في الكتب الدينية المختلفة (أيوب)، وفي الوقت نفسه ثمة إحلال لصورة أيوب العراقي في القرن الـ20، لكنه هذه المرة ليس الرجل وإنما المرأة (رباب التي تبكي الوطن بحرقة وهي فيه زائرة بعد سنوات النزع منه، لكنها المرأة التي تمتلك القدرة على التمرد الثقافي، فتكون هي صاحبة المبادرة لبناء علاقة حب مع رجل إيراني تولدت في نفسها مشاعر حب نحوه بعد لقائهما صدفة في شوارع بغداد، ففي القصة تقطف زهرة فل دمشقي من شجيرة على يمينها وتقدمها له) وعندما يتناولها يُحس بقلبه مثل جرّة هشة الجدران، يتدفق فيها الماء بعنف حتى لتكاد تنكسر، ليلتفت إلى رباب قائلًا: لم أحلم بأمسية كهذه، كنت مترددًا في زيارة بغداد خِفت أن تجعل ذكريات الحرب التي نشبت بين بلدينا الناس هنا عدائيين نحوي».

وتابع ضيف الله أن إزاحة أيوب الرجل وإحلال أيوب المرأة محله يتم بوعي شديد بضرورة الوصل بين الشخصي والعام، بين الذات الأنثوية والذات القومية، بحيث لا تكون الأنثى ضحية الخطاب الذكوري المتشدق بمحبة الذات الوطنية أو القومية. فلابد من التئام مشاعر «رباب» الأنثى، وبث الحياة فيها لتبعث مشاعرها تجاه الوطن حية بعد اغتسال صدأ اللوعة بصحبة الحبيب الآخر الإيراني.

وأشار إلى أن عملية إزاحة أيوب الرجل وإحلال أيوب المرأة كانت ضرورة من منظور راوية جسدته رباب التي كانت حكايتها حكاية كل العراقيين، كما جسدته الجدة في قصة «الصندوق»، فمن هذا المنظور تنفجر المفارقة بين واقع مرير تعيشه المرأة في سياقات متشابهة في العراق وفلسطين وأفغانستان والهند وغيرها، وبين خطاب حقوقي مطلوب من تلك المرأة العراقية الموظفة في الأمم المتحدة أن تتبناه وتسوق له بحكم موقعها الوظيفي، مضيفًا: «ومن هذا المنظور تفجر الرواية تساؤلات عن الوطن الذي صار إله الشر على أيدي الحكام المستبدين والرجال المتحولين عن مبادئهم»، حيث جاء نص قصة الصندوق «هل أصبح الوطن آلهة الشر التي تلتهم أولادها ليرحل بموتهم المستقبل ولا يبقى فيه إلا نساء وشيوخ وأطفال ينوحون حول قبور خالية من الجثامين؟».

وأوضح ضيف الله أن صبر أيوب الرجل ليس كصبر أيوب المرأة، ذلك إن وعي الراوية بأسباب تحول الأوطان إلى آلهة للشر يجعل من الأنثى في هذه المجموعة القصصية نبية سلام ومحبة ومقاومة تحمل على ظهرها الخطاب المضاد للاستعمار والاستبداد في آن، ولا فارق هنا في القدرة على حمل هذا الخطاب بين أنثى في مرحلة الشباب وأنثى في مرحلة الشيخوخة، فهو حمل لا يحتاج سوى لبويضات الأنثى الحالمة كي يظهر للوجود عالم أفضل. ففي قصة «جيفارة وموزارت والزلزال»، نجد الأنثى الشابة «سُها» هي القادرة على مناجاة موزارت في وسط الزحام وهي القادرة على الغضب، ومن ثم هي القادرة على أن تجسد الخطاب المضاد للاستعمار، ففي نص «جيفارة وموزارت والزلزال»، تقول الكاتبة: «قٌل لي فأنا لا أجد غيرك أحدثه، كيف لا أغضب من هذا الرجل الذي ذاق شهد المقاومة وعرف جلالها، ثم تحول فجأة إلى انفتاحي يسخر بغلاظة من جيفارة؟»، مضيفًا: «ففي القصة نفسيها نجد (أم سُها)، وقد تخلصت من غضب الشباب لتمتلك يقينًا بالذات يجعل منها جيفارا جيًا وسط أسرتها تجمع أحفادها حولها وتحكي لهم بينما يهرول الناس في القاهرة للشوارع فزعًا من زلزال زلزل الأبنية ولم يزلزل روح المرأة العراقية الواثقة في ذاكرتها المتبقية من سلامة روحها».

وتابع: «أن أيوب القرن العشرين؛ المرأة العراقية حاملة الخطاب المضاد للاستعمار والاستبداد ترفض استعارة (المرأة- الوطن)، وتأبى أن تكون امرأة وحسب وهو ما تصرخ به الجدة في دفترها الخاص في قصة (الصندوق)، حيث قالت (أنا لست العراق. أنا لا أحمل مثله على ظهري آلاف السنين)، وربما لذلك استطاعت الكتابة أن تُعين الجدة على التخلص من المشاعر المكبوتة التي تسمم الحياة، لتكتب رافضة استعارة (المرأة - الوطن)، وتقدم تأويلًا مختلفًا لقصيدة المتنبي التي كتابها في صباه عن العشق، وجاءت أبياتها تقول (أرَقٌ عَلى أرَقٍ وَمِثْلي يَأرَقُ، وَجَوًى يَزيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ، أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ.. أَبَداً غُرابُ البَينِ فيها يَنعَقُ)، هذا النص الشعري مألوف على منابر المساجد للعظة من الموت، لكن من منظور المرأة العراقية أيوب القرن العشرين، يقدم تأويل جديد يجعل من القصيدة خطابًا للاستبداد الذي حول الأوطان آلهة للشر».

وأكد الدكتور سيد ضيف الله، أن الصوت النسوي القادر على تأويل التراث لنقد الاستبداد والقادر على مخالفة أعراف ثقافية سائدة والمبادرة بمد جسور المحبة معه رغم أنه سياسي وثقافي أنه عدو، هو صوت الإحساس بالألم الإنسان سواء كانت امرأة انتزعت من أهلها أو قصة أطفال كما جاء بقصة «أطفال أفغانستان ذوو اللون الأزرق»، حيث يقاومون الجوع بتناول شوربة الأشواك نتيجة بيروقراطية الأمم المتحدة، لكن الصوت الأنثوي لا يكتفي بالتعاطف والإحساس بالألم والصبر على المكاره ونقد الخطابات الاستعمارية والاستبدادية، وإنما هو صوت لذات قادرة على الفعل حيث تجمع التبرعات خروجًا على اللوائح من زملائها موظفي الأمم المتحدة لتوفر طعامًا للأطفال بدلًا من شوربة الأشواك وتنشر بشفافية عن واقع الأفغان؛ مما يزيح ورقة التوت عن عورة المجتمع الدولي.

واختتم كلمته قائلًا: «من وجهة نظري، إزاحة أيوب الرجل وإحلال أيوب المرأة ليست سوى رمز لضرورة إزاحة الخطاب الذكوري وإحلال الخطاب النسوي للوصول من خلاله إلى الإنسان في كل من المرأة والرجل، وهو ما يعني أن الخطاب المضاد للاستعمار لابد وأن يكون بالضرورة مضادًا للاستبداد وللخطاب الذكوري في آن».

شارك في الحضور كوكبة من أهل الأدب والفن والثقافة والشخصيات العامة المصرية والعراقية البارزة، منهم: أميرة أبوالمجد مدير النشر والعضو المنتدب لدار الشروق، والروائية أهداف سويف، والدكتور أنور مغيث رئيس المركز القومي للترجمة، ومنى أنيس رئيس التحرير بدار الشروق، ونادية أبو العلا مدير العلاقات العامة بمكتبات الشروق، والشاعر أحمد حداد، ونانسي حبيب مساعد مدير النشر بدار الشروق.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك