اعتدال عثمان: «الصندوق» لميسون ملك تتناول قضايا ذات أبعاد قومية وفكرية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:25 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اعتدال عثمان: «الصندوق» لميسون ملك تتناول قضايا ذات أبعاد قومية وفكرية

تصوير: زياد أحمد‎
تصوير: زياد أحمد‎
شيماء شناوي:
نشر في: الأحد 19 يناير 2020 - 12:06 م | آخر تحديث: الأحد 19 يناير 2020 - 8:20 م

قالت الكاتبة والناقدة الأدبية اعتدال عثمان، إن المجموعة القصصية "الصندوق.. وقصص أخرى" للكاتبة ميسون ملك، تتناول عدة قضايا ذات أبعاد قومية وفكرية وجودية، على المستويين الجمعي والفردي، فعلى مستوى الفرد تكشف النصوص الصراع النفسي والوجودي بين بنية نفسية قلقة في الغربة، وبنية أخرى تتوُق للتواصل الإنساني الحميم والانفلات من سطوة الواقع الممزق والترسُبات الكامنة في الوعي واللاوعي التي تعوق الإقبال على الحياة.

وأبدت -خلال الحفل الذي نظمته "دار الشروق"؛ لتوقيع ومناقشة المجموعة القصصية "الصندوق.. وقصص أخرى" للكاتبة والقاصة العراقية ميسون ملك، السبت، بمكتبة ديوان في الزمالك- إعجابها الشديد بالمجموعة القصصية قائلة: "إن الصندوق وقصص أخري، للعراقية ميسون ملك، نصًا باذخ الصدق والجمال والعُمق الإنساني، والثقل الفني، أبدعته الكاتبة بأسلوب شاعريًا متدفق بالعاطفة المحكومة بمقتضيات السرد، حيث تبدوا البنية الإبداعية فيه متولدة عن بنية ثقافية ومعرفية عريضة راسخة ومتعددة المكونات، إنطلاقًا من المحلية العراقية، وتمثلًا للثقافة والفنون العربية والعالمية. 


وأضافت من خلال هذه البنية ترسم الكاتبة الإطار الزماني والمكاني المحدد في كل قصة حيث تجمع، داخل كل نص ما بين المعرفي والتاريخي والوجودي والذاتي والموضوعي والجمالي، وصولًا إلى الدلالة الكلية للنصوص، وهذه الدلالة تتفرع عبر السرد تُكيف العلاقات والعلامات النصية لتصبح أشبه بجرعات شعورية ملونة بألوان الحنين إلى الوطن في الغربة وممتزجة بعصارة الذكريات الفياضة للوحشة والشجن والتوقِ إلى استعادة ألفة الوطن بتاريخه العريق ورموزه الأدبية والفنية وعادات وتقاليد أفراح أهله وأحزانهم ومعاناتهم في واقعهم الراهن.

وأوضحت الناقدة الأدبية أن المجموعة القصصية يمتزج فيها النص "المرجعي"؛ المحدد بتواريخ الأحداث الفارقة مثل؛ بداية الحرب العراقية الإيرانية ونهايتها، وغزو الكويت، والهجوم الأمريكي على العراق، مع "التخييل الذاتي"، بحيث تتداخل المعلومات الموثقة التي تحرص الكاتبة على تسجيلها في ثنايا النصوص بسلاسة في النسيج السردي، في تناغم هرموني لا نشاز فيه.

وقالت "عثمان"، إن قصص "الصندوق" تنفتح أيضًا على أزمنة وأمكنة مختلفة، تضم أرجاء مختلفة من الوطن العربي والعالم، كذلك ينفتح السرد فيها عبر التذكُر على فضاءٍ نفسيٍ دال مهيمن يتمثل في قلق الغربة والحنين الذي لا ينقضي إلى ربوع الوطن.

و لافتت إلى أن الكاتبة قدمت من خلال استعانتها بأشكال سردية متنوعة مثل "الرسائل واليوميات والمذكرات" التي تتجلى في الجانب الأخير من المجموعة الذي حمل عنوان «ثلاث حكايات من زمن مهاجرة»، ما يشبه مقتطفات من السيرة الذاتية حيث يُقدم السرد بضمير المتكلم ويحكي عن وقائع وأحداث عاشتها الكاتبة سواً من خلالها عملها في الأمم المتحدة والعمل كمندوبة في أفغانستان، أو في محنة مرض الأخ المحبوب وموته، أو في إضطرار أسرة أختها المغتربة لتحمل غربة مضاعفة بالهجرة إلى كندة.

وأكملت الناقدة الأدبية، "أن ميسون ملك، تبثُ في نسيج السرد قضايا ذات أبعاد قومية وفكرية ووجودية من بينها قضية الهوية، وعلاقتها بالكتابة، فالكتابة في هذا النص تبدوا وسيلة من الوسائل التي يمكن توظيفها فنيًا لاستعادة الماضي والحفاظ على الذاكرة الجمعية والفردية ومقاومة التمزق والضياع الذي يسود الواقع، كذلك تطرح قضايا ذات بُعد تأملي وهو ما يتضح مع تسأول الشخصية الرئيسية النسائية في قصة «هى رباب»، حيث كتبت تقول: «تُرى ما يمثله العراق في جذور الزمن هو السبب القابع في اللاوعي الغربي هو السبب في تدميره"؟!.

وأضافت: "يتضح هذا الصراع النفسي بشدة في قصة (مشهدان من علاقة خطرة)، إذ تبدو البطلة شخصية مركبة ذات ثقافة عميقة متنوعة بين التراثي والحديث؛ فهي شخصية مستقلة صاحبة قرارها تشعر بانجذاب قديم متجدد نحو (غريب) بطل القصة، لكنها تحجم عن البوح، أما هو فمنقسم أيضًا في داخله بين الانجذاب إليها والنفور منها، وربما خشية تأثير شخصيتها القوية، فهو يرى أنها تجمع النقيضين (شجرة الزيتون والأفعى)، مقابل شعور البطلة باستحالة تحقق الحب بينهما على الرغم من عمقه بسبب ظروف كل منهما في الغربة".

وأوضحت اعتدال عثمان، أن الكاتبة تعمد في نصوص المجموعة القصصية "الصندوق" إلى تقنية "تراسُل الحواس"، كما تتراسل الأفكار الفلسفية حول طبيعة الإنسان ومأزقه الوجودي؛ ففي قصة "للمحبة ألف وجهٍ يا فرح"، والتي تصور لقاءً بين رجل وامرأة تجمعهما في الغربة ليلة واحدة في مدينة بحرية، ليغادرناها منفردين في اليوم التالي، وما في هذا اللقاء من شغف حار يتفجر بينهم من ينابيع غير مرئية في أعماق النفس الممتلئة بالغربة والوحشة والتمرد الناعم الساعي للتوحد في لحظات خارج الزمان، تُصور البطلة حين ترفع عينيها إلى الغريب الماثل أمامها تسمع عينيه، وفي قصة أخرى تقول: "يغمرها حزنًا تشمُه كأنه رائحة"، كذلك تتراسل أفكارهما فيما يعبر عنها بطل القصة بقوله "إن الإنسان لا يمسك بالحياة إذا كان يفكر بعقله وحده، ويضيف فقط عندما يفكر العقل والجسد معًا نصل إلى الحقيقة، فالجسد يفكر، يكتشف، يتلقى، يحاول، يفهم، يبدع، ويغير"، وتنتهي القصة باستعارة سرب النوارس الذي شاهده معًا قبل الرحيل متجهًا إلى الغرب بينما ينفصل عن السرب نورسان متجاوران تمامًا صوب الشرق.

وتابعت الناقدة الأدبية أن دُرة هذه المجموعة القصصية هي قصة "الصندوق"، حيث يمثل علامة نصية مهمة ذات طابع مزدوج تراثي شعبي وسردي معًا؛ فهو الصندوق الذي تحفظ فيه الجدات أغلى مقتنياتهن لأولادهن وأحفادهن، كما أنه يحيل إلى النصوص الحكائية القديمة المحفوظة فيه مثل ألف ليلة وليلة، وليس بعيدًا عن ذهن القارئ هنا حضور شهرزاد في قصة "هي رباب"، حيث تخرج عبر التصوير الفانتازي من إهابها الحجري في نهاية القصة لتزرف دمعتين تشبهان لؤلؤتين هائلتين تنحدران من عينيها حزنًا على مقتل رباب العبثي. فالصندوق هنا أيضًا علامة سردية كاشفة عن الباطن الذي لا يظهر للناس وهو العالم السري للجدة الذي تحتفظ فيه بعيدًا عن الأعين بدفاترها الخاصة التي تسجل فيها أشجانها ومواجدها وتبوح فيه بقصة حبها الأول التي لم تكتمل، وتبثُ أحزانها لمقتل ابنتها في حادث، ثم موت حبيبها القديم بعيدًا عنها، فالكتابة في هذه الدفاتر السرية لا تتيح لها التعبير عن مشاعرها الحبيسة فحسب، بل هي سفينة نجاتها في بحر الحياة، لكي تستطيع أن تخرج إلى عالمها اليومي قوية حكيمة، ومتعاطفة مع كل من وما حولها حتى الطيور والزهور.

واستعرصت اعتدال عثمان، النص قائلة: "يبدأ بالطقوس الشعبية والعادات والتقاليد المتوارثة في الأفراح ليتطرق إلى أنواع الطعام والملابس والأغاني الشعبية التي تنطلق جميعا في تناغم تمهيدًل لحفل عرس الحفيدة، الذي يشارك فيه شخصيات ممثلة لشرائح واسعة، خلال استعدادات العرس تظهر الجدة التي لم تكمل تعليمها مثل إلهة سومرية تحفظ شعر أو تمام والمتنبي وتستعيد أغاني أم كلثوم وعبدالوهاب وأشعار مظفر النواب والجواهري، وتدور القصة على خلفية تواريخ عراقية فارقة، حيث تبدأ قبل شهور من بداية الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر 1980، وتتواصل خلال الحرب وبعد توقفها في أغسطس 1988، وتنتهي في أوائل يناير 1991، عقب غزو الكويت وقرار مجلس الأمن باستخدام القوة ضد العراق. أما الحدث نفسه فيتقصى انعكاس الحروب غير المبررة لدى الناس على حيوات الشخوص القصصية وغيرهم من أهالي البلاد وانقلاب أحوالهم إلى الخوف والتوجس ودمار فطرتهم السمحة المحبة وافتقادهم معنى الحياة".

ولفتت الناقدة الأدبية إلى أن السرد في هذه القصة ينقسم بين الجدة والحفيدة سمية التي تصبح مركز السرد بعد وفاة جدتها واكتشافها لمحتويات الصندوق فتعرف أن الجدة كانت نموذجًا إنسانيًا فريدًا، كانت امرأة أكبر من الحياة عندئذ تقرر سمية أن تغير طريقها وتصبح امتدادًا لجدتها، وأن تحتفظ بخصوصيتها في الوقت نفسه لتُعلم الرسم وتنظم معرضًا ناجحًا للوحتها وتنجب بنت تطلق عليها اسم جدتها "عائشة"، متمثلة في سريرتها قول جدتها: "بلدنا مثل النخل اللي رسموه أجدادنا على الحيطان قبل 4 آلاف عام"، هكذا ينتهي النص على الرغم من المخاوف المتجددة والأحزان المتراكمة، برسالة تفائل وأمل مستمدة من عبارة الجدة "لا شيء يضيع حقًا".

واختتمت كلمتها قائلة: "في نصوص ميسون ملك عمق ودفء وحنين وشجن وعطش لا يرتوى إلا بفعل الكتابة، بوصفه فعل الحياة التي تفرض وجودها وتبقى في وجداننا".

أدار اللقاء الدكتور سيد ضيف الله، والكاتبة والناقدة الأدبية اعتدال عثمان، بحضور كل من أميرة أبوالمجد مدير النشر والعضو المنتدب لدار الشروق، والروائية أهداف سويف، والدكتور أنور مغيث رئيس المركز القومي للترجمة، ومنى أنيس رئيس التحرير بدار الشروق، ونادية أبو العلا مدير العلاقات العامة بمكتبات الشروق، والشاعر أحمد حداد، ونانسي حبيب مساعد مدير النشر بدار الشروق.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك