قصور منسية.. أيقونات العصور الذهبية لفنون العمارة لم تسلم من الصراعات والإهمال - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 11:05 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قصور منسية.. أيقونات العصور الذهبية لفنون العمارة لم تسلم من الصراعات والإهمال

قصر محمد علي
قصر محمد علي
منال الوراقي
نشر في: الخميس 19 يناير 2023 - 11:28 ص | آخر تحديث: الخميس 19 يناير 2023 - 11:29 ص

القصور التاريخية في مصر ليست مجرد أمكنة وجدران وشوارع، إنما هي تاريخ لا يزال حيا، سجل يُخلد أسماء وأشخاصا وأحداثا، رمز لنمط عمارة ساد، وظروف عصر خال، وثقافة مجتمع تقلبت عليها السنوات، لكنها ظلت تحمل شيئا من توقيعه، لا يزال محفورا في ومضة هنا أو أخرى هناك.

تلك القصور ما هي إلا تاريخ لم تطوه كتب أو مجلدات، فلا يزال حيا نابضا يثبت أنه أقوى من كل محاولات العبث التي بدأت بعشوائية المصادرات ومحو أسماء أصحاب القصور من فوق قصورهم، ولافتات الشوارع التي حملت يوما أسماءهم تخليدا لدور قدموه للوطن أو خدمة جليلة قاموا بها لنهضة مجتمعهم.

في كتابها «قصور مصر»، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والذي اطلعنا على نسخة منه، أرسلتها لنا مؤلفته سهير عبد الحميد، أشارت الباحثة إلى أن معظم ثروة مصر من القصور التاريخية وقعت ضحية للصراعات السياسية والإهمال المتعمد على مر القرون، حينما أثبت المصريون أن جينات الوراثة تمتد لسابع جد، فقد فعلوا ما فعله أجدادهم الفراعنة عندما كان الفرد منهم يمحو ما فعله سلفه من نقش المعبد والمقبرة ليضع اسمه بدلا عنه.

حدث هذا كثيرا فى مختلف الحقب الفرعونية ومنها ما حدث في منف عندما قامت الثورة في أعقاب الأسرة السادسة وهـو ما عرف بـ(عصر الاضمحلال الأول) حينما محى الحكام اسم كل من سبقهــم، على حد تعبير الحكيم (ابييـوور) الذي قال: “تبادلوا القصــور. تبـادلـوا القبـــور، وتسابقوا في تحطيم تماثيل من قبلهم لوضع تماثيلهم بدالً منها”.

وبعد أن نجحت حركة يوليو في التحكم في مقاليد الأمور بالبلاد، تبرع من عرفوا بـ“ترزية التاريخ” لتعديل وقص تاريخ مصر الحديث الذي لعبت فيه الأسرة العلوية دور البطولة، كل ذلك ابتغاء مرضاة السلطة.

وتجاوز العبث إلى حد انتهاك القصور التي تعد بتراثها المعماري، جزءا من التراث المصري الذي لم يكن من حق أحد العبث به، فضاع ذلك التراث وانتهك بتحويل بعض تلك القصور إلى مبان مدرسية أو مقار حكومية، ولم ينج من المذبحة إلا تلك القصور التي شاء لها القدر أن تتحول إلى متاحف منها قصر الأمير عمرو إبراهيم “متحف الخزف” وقصر الأمير محمد علي “متحف المنيل” الذي ترك وصية بتحويل قصره أو مجمع الفنون الإسلامية الرائع الذي تركه إلى متحف يسر الزائرين.

وإذا عدنا إلى جذور العمارة في مصر عبر المراحل التاريخية المختلفة، في محاولة لرصد الأسس الفنية التي قامت عليها نهضة القصور في البلاد، سنجد أنه كان بالقاهرة قبيل تولي محمد علي الحكم عدد من القصور التي عني المسلمون بتشييدها كما في كل بقاع العالم الإسلامي، وكانت تلك القصور حتى القرن الرابع عشر تتركز في القاهرة الفاطمية قبل أن تتحول إلى مركز تجاري؛ فشيد المماليك قصورهم ودورهم حول برك القاهرة، حين كانت بركة الفيل مقصد الصفوة من الأمراء، وبركة الأزبكية قبلة البرجوازية القاهرية.

وكانت من أهم الدور التي شيدت منذ الفتح الإسلامي في مصر دار عمرو بن العاص بمدينة الفسطاط، وكانت تقع على بعد حوالي أربعة أمتار من الجانب الشمالي الشرقي لجامعه، تلاها دار عبد العزيز بن مروان الذي كان أميرا على مصر من قبل أخيه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، التي أطلق عليها اسم (القصر الذهبي) وأصبحت دارا للإمارة حتى دمرها الحريق الذي سببه مروان الثاني أثناء هروبه وتلاها العديد من القصور التي شيدت في هذه العصور وما بعدها.

كانت القصور حتى القرن الرابع عشر تتركز داخل القاهرة الفاطمية، إلا أن تلك المدينة تحولت إلى مركز تجاري هائل فلم تعد تصلح للسكن فما كان من سلاطين المماليك الذين كان عهدهم هو العصر الذهبي للفنون والعمارة الإسلامية، إلا أن ذهبوا إلى شواطئ البرك ليقيموا فيها قصورهم ومنازلهم الشامخة.

وقد كانت القاهرة تمتلئ بالبرك التي تنتعش بالمياه عندما يرتفع منسوب نهر النيل، فذكر المقريزي من هذه البرك: بركة قارون بالقرب من حي ابن طولون وبركة الجيش شمال الفسطاط وبركة الناصرية جنوب باب اللوق وكانت قرب ميدان الظوغلي وعندما ردمت بنى محلها إسماعيل باشا صديق المفتش قصره المهيب وبركة الشقاف في باب اللوق وبركة الفيل أنشأها رجل يدعى الفيل، وكان من أصدقاء أحمد بن طولون، وكانت توجد بين الفسطاط وقاهرة المعز، وبنيت حولها القصور، وكانت البركة ذات مساحة كبيرة تمر بمناطق باب الخلق والحلمية الجديدة والسيوفية والحوض المرصود والصليبة حتى تصل إلى ميدان القلعة، وغربًا إلى شارع الخليج.

وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر، كانت القصور تكشف عن حياة سكان القاهرة الميسرة، فكانت عبارة عن تحف زخارف تضفي الجمال والرونق على العاصمة، فمن أمثلة القصور المملوكية التي لا تزال قائمة بالقاهرة: قصر الأمير يشبك وقصر الأمير بشتاك وقصر الأمير طاز وقصر السلطان قايتباي وقصر الأمير خير بك وبقايا منزل السلطان الغوري.

ومن البيوت الإسلامية الكبيرة التي تخص أعيان ذلك العصر في القرن السابع عشر: منزل محمد ابن الحاج سالم الجزار (بيت الكريتلية) بجوار مسجد أحمد بن طولون، ومنزل جمال الدين الذهبي بشارع حوش قدم بالغورية، ومنزل رضوان بك ويوجد جنوب باب زويلة. ومن القرن الثامن عشر: منزل المفتي أو الشيخ المهدي بشارع الخليج المصري، ومنزل إبراهيم كتخدا السناري بحارة منج بالسيدة زينب، منزل السحيمي، وهو قسمان؛ بنى القسم الأول (الجنوبي) الشيخ عبدالوهاب الطبلاوي، وأنشأ القسم الثاني (الشمالي) الحاج إسماعيل بن شلبي.

معظم تلك المباني والقصور التاريخية تعرضت للكثير من الفقد المأساوي بسبب الصراعات السياسية والإهمال المتعمد على مر القرون، فبعضها راحت طي الإهمال وبعضها طُمست معالمها حين تحولت إلى مدارس أو مقرات لهيئات ووزارات، ورغم ذلك فالقليل الذي نجا منها لا يزال يثير الدهشة بسبب طرزه المعمارية الباهرة وبراعة التصميم، كما أنه يشكل أيقونة لفنون العمارة بوصفها شاهد عيان على عصور كاملة من التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عاشتها البلاد.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك