حكايات القصور.. الحلقة الثالثة: أول لقاء بين «مبارك» و«هيكل» بعد اغتيال «السادات» - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 11:00 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكايات القصور.. الحلقة الثالثة: أول لقاء بين «مبارك» و«هيكل» بعد اغتيال «السادات»

كتب- حسام شورى
نشر في: السبت 19 مايو 2018 - 3:20 م | آخر تحديث: السبت 19 مايو 2018 - 3:45 م

تواصل «بوابة الشروق» نشر حلقات مسلسلة تروي طرائف ولطائف من حياة حكام مصر في العصر الحديث، من واقع حكايات موثقة كتبها أشخاص معاصرون لهم في مذكراتهم أو كتبهم السياسية، أو رواها الحكام عن أنفسهم.

ولا ترتبط «حكايات القصور» بأحداث خاصة بشهر رمضان، وإن كان بعضها كذلك، كما لا تقتصر «الحكايات» على القصص ذات الطابع الفكاهي، أو المفارقات التي تعكس جوانب خفية في كل شخص، بل يرتبط بعضها بأحداث سياسية واجتماعية مهمة في تاريخ مصر.

وإلى الحكاية الثالثة:
------------------
في سبتمبر 1981 اعتقل الرئيس محمد أنور السادات، ما يزيد على 1500 شخصية من قيادات المعارضة، والرموز السياسية والصحفية من التيارات المختلفة، وألغى التراخيص الممنوحة بإصدار بعض الصحف والمطبوعات مع التحفظ على أموالها، وكان من بين المعتقلين الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، والذي طلب الرئيس الجديد آنذاك، محمد حسني مبارك، لقاؤه منفردًا عقب الإفراج عنه إلى جانب باقي المعتقلين بـ5 أيام.

اتصل مكتب الرئيس بهيكل يوم 3 ديسمبر 1981، وأبلغه سكرتير مبارك الخاص وقتها، جمال عبد العزيز، بأن الرئيس يدعوه إلى الإفطار معه في الساعة الثامنة صباحا، وقد اختار موعدا مبكرا لأن معلوماته عن «هيكل» أنه يستيقظ مبكرًا، وكذلك «مبارك»، مؤكدا أن الرئيس يدعوه للإفطار معه بمفرده، وليس هناك آخرون في اللقاء.

وفي يوم السبت 5 من ديسمبر كان اللقاء ووصل «هيكل» في موعده المحدد، وعبر باب البيت إلى صالون في صحبة ضابط برتبة عميد، ودخل «مبارك»، بعد دقيقة من وصول «هيكل»، مادا يده ومرحّبا بابتسامة طيبة وملامح تعكس حيوية شباب وطاقة، وقال على الفور وهو ما زال واقفا: «لابد أنك جائع فأنا أعرف أنك تستيقظ مبكرا».

ولكن أبلغه «هيكل»: «بصراحة ــ سيادة الرئيس ــ إنني أفطرت فعلا، ولكني سوف أجلس معك وأنت تتناول إفطارك»، وضحك «مبارك» قائلا: «الحقيقة إنني أيضا أكلت شيئا خفيفا»، وفرد «هيكل» عليه: «إذن فلا داعى لإضاعة وقت على مائدة الإفطار، فلدي الكثير أريد أن أسمعه منك»، وأبدى «مبارك» موافقته بعد تكرار سؤاله عما إذا كان «هيكل» لا يريد آكل أي شيء مما تم تجهيزه، وكرر «هيكل» الشكر، فقال «مبارك»: «إذن نطلب فنجانين من القهوة ونجلس».

نظرة «مبارك» للصحافة

قال «هيكل» لمبارك فور جلوسهما إنه فكر بالأمس أن يطلب الرئاسة، راجيا تغيير موعدنا، لأنه قرأ في الصحف عن مشاورات يجريها «مبارك» لتعديل وزاري أعلن عنه، وخطر إلى «هيكل»، أن موعده معه الرئيس قد يُحدث التباسا وخلطا لا ضرورة له، بين لقاءاته فى إطار التعديل الوزارى، وبين لقاءاته العادية الأخرى وضمنها موعده، وأول الضحايا في هذا الخلط والالتباس سوف يكون فريق الصحفيين الذين يغطون أخبار رئاسة الجمهورية.

ورد «مبارك» وهو يبتسم بومضة شقاوة في عينيه: «وماذا يضايقك في ذلك.."اتركهم يغلطوا"!».

وأضاف «مبارك» قاصدا الصحفيين: «دول عالم "لَبَطْ"، اتركهم يغلطوا حتى يتأكد الناس أنهم لا يعرفون شيئا، إن الصحفيين يدَّعون أنهم يعرفون كل شيء، وأنهم "فالحين قوي"، والأفضل أن ينكشفوا أمام الناس على حقيقتهم، وأنهم "هجاصين" لا يعرفون شيئا».

فرد عليه «هيكل»، قائلًا: «ولكن سيادة الرئيس هذه صحافتك، أقصد "صحافة البلد"، ومن المفيد أن تحتفظ لها بمصداقيتها، ولا بأس هنا من جهد لإبقاء الصحفيين على صلة بالأخبار ومصادرها».

ورد بقوله: «الدكتور فؤاد، "يقصد رئيس وزارته وقتها فؤاد محيى الدين"، يقابل الصحفيين باستمرار، ويطلعهم على الحقائق، لكن بلا فائدة، هم يخبطوا على مزاجهم ولا يسألون أحدا!».

فعقب هيكل: «إنه ليس هناك صحفي يحترم نفسه تصل إليه أخبار حقيقية ويتردد في نشرها»، وظل «مبارك» على رأيه: «المسألة أنهم لا ينشرون، إما أن لهم مصالح خاصة، وإما أنهم لا يفهمون».

وقاطعه «مبارك» قائلا: «محمد بيه، أنت تقيس الصحفيين الحاليين بتجربة زمن مضى، ليس هناك صحفي الآن له علاقة خاصة بالرئيس، فأخبره هيكل بأن جمال عبدالناصر كان متصلا بكثيرين من الصحفيين، ثم إن هذا لا يمنع قيام صداقة مع أحدهم بالذات، ولكن المهم أن يكون أصبع رئيس الدولة على نبض الرأي العام طول الوقت».

فرد عليه «مبارك»، في دهشة، قائلا: «على فكرة نحن كنا نتصور أنك تجلس على حِجْر "جمال"، لكنه ظهر أنه كان هو الذي يجلس على حِجْرك، ولم أكن أعرف أن العلاقة بينكما إلى هذا الحد حتى شرحها لي الأستاذ أنيس منصور».

فرد عليه «هيكل»: سيادة الرئيس أرجوك لا تكرر مثل هذا الكلام أمام أحد، ولا حتى أمام نفسك، أولا لأنه ليس صحيحا، وثانيا لأنه يسىء إلى رجل كان وسوف يظل في اعتقادي واعتقاد كثيرين في مصر وفي الإقليم وفي العالم قائدا ورمزا لمرحلة "مهمة" في التاريخ العربي».

وقاطعه «مبارك»، ليخبره إنه يحترم جمال عبد الناصر، ولكنه يقصد أن «هيكل»، كان صديقا له وقريبا منه، وأنه يعرف كل شيء، «بينما الصحفيون الآن لا يعرفون»، فرد عليه هيكل ليخبره إن علاقة مبارك بالصحفيين من اختياره، وتمنى لو استطاع الرئيس أن يسهِّل على الصحافة أن تعرف أكثر، لأن تلك مصلحة الجميع، وأولهم هيكل شخصيا.

وظل مبارك على رأيه لم يغيره قائلا: «إنه إذا عرف الصحفيون أكثر، فسوف يتلاعبون بي».

فرد عليه «هيكل» في شبه احتجاج: «سيادة الرئيس أنت تسىء الظن بإعلامك، وأنا أعرف بعضا من شيوخ المهنة وشبابها، وأثق أنهم لن يتلاعبوا في أخبار، فضلا عن أسرار».

وقال «مبارك»، ضاحكا: «لا تزعل يا محمد بيه، إذا قلت لك إنني لم أكن أقرأ مقالاتك رغم إنني أسمع أن كثيرين يقرأونها، ولا أخفى عليك أننى كنت أمنع ضباط (الطيران) من قراءتها»، وتسأل «هيكل» عن سبب ذلك فرد عليه «مبارك» قائلًا: «ما كان يحدث أن مقالك "بصراحة" يُنشر في "الأهرام" يوم الجمعة، ثم يجىء الضباط يوم السبت وقد قرأوه، وكلهم متحفزون لمناقشته، وكثيرا ما كانوا "يتخانقون"، وأنا لا أريد في السلاح "خناقات" ولا سياسة».

وأضاف «مبارك»: «أما عني أنا، فقد كنت لا أقرأ مقالاتك لأني عندما حاولت، لم أفهم ماذا تريد أن تقول في نهاية المقال، ومقالك دائما ينتهي دون أن "نرسى على بر"».

فأخبره «هيكل»، أن: «واجب الكاتب أن يعرض معلومات صحيحة، واجتهادات في التحليل واسعة، واختيارات في المسالك المتاحة للحل مفتوحة، ثم يكون للقارئ أن يختار ما يقنعه، وأفضل أن أترك للقارئ حريته، بمعنى أن تبدأ علاقته بالمقال بعد أن ينتهي من قراءته، وليس حين يهم بقراءته، لأن هدفي تحريضه على التفكير وهو يقرأ، ورجائي أن يصل بتفكيره إلى حيث يقتنع».

فقال «مبارك»: «"يا عم" ما الفائدة إذن أن يقرأ الناس لكاتب كبير؟!، لابد أن "يرسيهم على بر"، وقلت: أنا أريد للقارئ أن يرسو على "بره هو"، وليس على "بري أنا"، وعلق بابتسامة مرة أخرى قائلا: «يعنى عاوز تدوخ الناس يا أخي، قل لهم وريحهم».

- المصدر: محمد حسنين هيكل، مبارك وزمانه من المنصة إلي الميدان ، دار الشروق



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك