أوباما يكشف حقيقة موقفه من ثورة يناير: تفاصيل تنشر لأول مرة في كتابه الجديد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:54 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوباما يكشف حقيقة موقفه من ثورة يناير: تفاصيل تنشر لأول مرة في كتابه الجديد

مبارك وأوباما
مبارك وأوباما
خاص «الشروق»:
نشر في: الخميس 19 نوفمبر 2020 - 5:50 م | آخر تحديث: الأحد 22 نوفمبر 2020 - 5:49 م

*سألت مبارك عن احتمال امتداد المظاهرات الغاضبة من تونس لمصر فقال «مصر ليست تونس»
*الفلسفة الأصولية لجماعة الإخوان تجعلها غير جديرة بالثقة كوصى على التعددية الديمقراطية وتمثل إشكالية محتملة للعلاقات الأمريكية المصرية
*فريق الأمن القومى انقسم على أساس عمرى.. بايدن وهيلارى أيدا استمرار مبارك مع الإصلاحات
*قررت أن أفضل ما يمكن فعله هو إقناع مبارك بتبنى سلسلة من الإصلاحات الجوهرية
*طرحت على مبارك فكرة اتخاذ قرارات إصلاحية أكثر جرأة «فأصبح أسلوبه هجوميا ووصف المتظاهرين بأنهم إخوان»
*أعطيت تعليمات واضحة لويزنر بـ«أن يكون جريئا»
*أردنا دفع مبارك لإعلان التنحى وإجراء انتخابات جديدة لمنح المحتجين الثقة فى أن التغيير قادم حقا
*نتنياهو حذرنى من تحول مصر لـ«إيران أخرى فى ثانيتين».. وعبدالله بن عبدالعزيز قال إن أربع جهات تقف خلف المظاهرات هى: الإخوان وحزب الله والقاعدة وحماس
*محمد بن زايد انتقد بيانى وقال لى: إذا انهارت مصر وتولى الإخوان الحكم فسيسقط ثمانية قادة عرب آخرون
*قلت لمبارك: إذا بقيت فى منصبك وتأخرت العملية الانتقالية فإن الاحتجاجات ستستمر
*نصحت مبارك بالتنحي الفوري لضمان انتخاب حكومة لا يهيمن عليها الإخوان
*مبارك رد علىّ قائلا: «أنا أعرف شعبى، إنهم أناس عاطفيون، سأتحدث معك بعد فترة، وسأخبرك أننى كنت على حق»
*كنت واقعيًا بما يكفى لأفترض أنه لولا الإصرار العنيد لشباب ميدان التحرير لكنت عملت مع مبارك لبقية فترة رئاستى


فى كتابه الجديد «أرض موعودة» يخصص الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما قسما كبيرا لرواية ذكرياته عن أحداث ثورة 25 يناير 2011 وتواصله المتكرر مع الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك فى ذلك الوقت، ورؤى شخصيات الإدارة الأمريكية وقادة الشرق الأوسط للأحداث، بداية من اندلاعها وحتى تنحى مبارك، مرورا بمطالبة أوباما له بالتخلى عن السلطة.

وتعرض "الشروق" لقرائها في السطور القادمة ترجمة خاصة لمقتطفات كاملة تحمل أهم التفاصيل التي يرويها أوباما في كتابه عن مقاربته لأحداث ثورة 25 يناير، بتعليقاته وتحليله الشخصي.

يقول أوباما فى الكتاب الذى صدر رسميا يوم الثلاثاء الماضى:
تحدثت مع مبارك هاتفيا قبل أسبوع من اندلاع المظاهرات فى الخامس والعشرين من يناير، وتناقشنا حول سبل إعادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات، والموقف المحلى فى أعقاب تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، وعندما طرحت عليه احتمالية امتداد المظاهرات الغاضبة من تونس إلى مصر، قلل مبارك من شأن ذلك وتجاهله، شارحا ذلك بقوله «مصر ليست تونس» مؤكدا أن أى مظاهرات يمكن أن تندلع ضد حكمه سوف تنتهى سريعا.

وأنا أستمع إلى صوته، تخيلت مبارك جالسا فى إحدى الغرف «الكهفية» المزينة بالزخارف فى قصر الرئاسة ــ حيث التقينا أول مرة ــ جالسا على كرسى مرتفع الظهر، وحوله عدد محدود من المساعدين يدونون الملاحظات أو يحدقون فيه فقط، بينما الستائر منسدلة.
كنت أعتقد تماما أن مبارك كان معزولا، يرى ويسمع ما يريد أن يراه ويسمعه فقط، ولم يكن هذا يبشر بالخير.

بعد أيام؛ عرضت قنوات الأخبار صورا من ميدان التحرير، حيث المظاهرات التى كانت تضم فى الأيام الأولى وجوها شابة وعلمانية، ليست مثل الطلاب والنشطاء الذين حضروا خطابى فى جامعة القاهرة فى يونيو 2009، وفى المقابلات كانوا يبدون مستنيرين ومتعلمين مصرين على سلمية تحركهم، ورغبتهم فى التعددية الديمقراطية، وسيادة القانون، واقتصاد حديث ومبتكر يمكن أن يوفر وظائف ومستوى معيشة أفضل.

هؤلاء الشباب بمثاليتهم وشجاعتهم فى تحدى نظام قمعى، لم يكونوا مختلفين عن الشباب الذين ساعدوا فى هدم جدار برلين أو وقفوا أمام الدبابات فى الميدان السماوى ببكين، ولم يكونوا مختلفين أيضًا عن الشباب الذين ساعدونى فى حملتى الانتخابية.


قلت ذات مرة لبن رودس (عضو الفريق الرئاسي ومستشار ومساعد أوباما): «لو كنت مصريا فى العشرينيات، لكنت فى الغالب مع هؤلاء المتظاهرين ضد مبارك» لكنى بالطبع لم أكن كذلك، بل كنت رئيس الولايات المتحدة.

وبقدر ما كان هؤلاء الشباب مقنعين ومثيرين للإعجاب، كان على أن أذكر نفسى بأنهم مع الأكاديميين ونشطاء حقوق الإنسان وأحزاب المعارضة العلمانية والنقابيين وغيرهم فى الخطوط الأمامية للاحتجاجات، يمثلون جزءًا بسيطًا من المصريين، فإذا تنحى مبارك وخلّف فراغا مفاجئا فى السلطة فلن يكون هؤلاء الأقرب لملء هذا الفراغ.

وهذه كانت إحدى مآسى عهد مبارك الديكتاتورى أنه أعاق تطور المؤسسات والتقاليد التى قد تساعد مصر على الانتقال إلى الديمقراطية بشكل فعال، مثل الأحزاب السياسية القوية، والقضاء المستقل والإعلام، وتوفير رقابة محايدة للانتخابات، وجمعيات مدنية ذات قاعدة عريضة، وخدمة مدنية فعالة، واحترام حقوق الأقليات.

وبعيدا عن الجيش، كان أقوى تنظيم متماسك فى البلاد هو جماعة الإخوان المسلمين، وهى منظمة إسلامية سنية كان هدفها الأساسى أن تحكم الشريعة الإسلامية مصر والعالم العربى كله، وبفضل تنظيمها وتركيزها على العمل الخيرى كانت تتفاخر بعدد كبير من الأعضاء، رغم كونها محظورة رسميا.

وتبعا لذلك؛ يصف أوباما جماعة الإخوان فى ذلك الوقت بأنها «التيار المرجح فوزه فى أى انتخابات حرة نزيهة» ومع ذلك «فإن العديد من الدول فى المنطقة اعتبرتهم خطرا داهما، كما أن فلسفتها الأصولية تجعلها غير جديرة بالثقة كوصى على التعددية الديمقراطية، وتمثل إشكالية محتملة للعلاقات الأمريكية المصرية».

ويستطرد أوباما: فى ميدان التحرير استمرت المظاهرات فى الاتساع، وكذلك الاشتباكات العنيفة بين المتظاهرين والشرطة. ويبدو أن مبارك استيقظ من سباته وأعلن فى خطابه الأول أنه سيعين حكومة جديدة، لكنه لم يبد أى إشارة إلى اعتزامه الاستجابة لمطالب الإصلاح الأوسع.
ونظرا لاقتناعى بأن الأزمة لن تضع أوزارها، استشرت فريق الأمن القومى الخاص بى لمحاولة الخروج برد فعال، فانقسمت المجموعة بصورة شبه كاملة على أساس عمرى.

حيث نصح الأعضاء الأكبر سنًا والأكبر فى فريقى وهم: جو بايدن وهيلارى كلينتون وجيتس وبانيتا ــ بالحذر، فهم جميعًا يعرفون مبارك وعملوا معه لسنوات، وركزوا على الدور الذى لعبه منذ فترة طويلة فى حفظ السلام مع إسرائيل ومحاربة الإرهاب والشراكة مع الولايات المتحدة فى مجموعة من القضايا الإقليمية الأخرى، وبينما أقروا بضرورة الضغط عليه من أجل الإصلاح، حذروا من أنه لا توجد طريقة لمعرفة من أو من يحل محله.

فى المقابل كان الأعضاء الأصغر سنا، ومستشار جو بايدن للأمن القومى تونى بلينكين، مقتنعين بأن مبارك قد فقد شرعيته بشكل كامل ولا يمكن استمراره على رأس الشعب المصرى، وكانت رؤيتهم أنه بدلا من إبقاء عربتنا مرتبطة بنظام استبدادى فاسد على وشك الانهيار فإن من الحكمة من الناحية الاستراتيجية ومن الصواب الأخلاقى أن تنحاز حكومة الولايات المتحدة إلى قوى التغيير.

جمعت بين آمال مستشارى الأصغر سنًا ومخاوف أعضائى الأكبر سنا، فقررت أن أفضل ما يمكن فعله هو معرفة ما إذا كان بإمكاننا إقناع مبارك بتبنى سلسلة من الإصلاحات الجوهرية، بما فى ذلك إنهاء حالة الطوارئ، وإطلاق الحريات السياسية والإعلامية، وتحديد موعد لإجراء انتخابات وطنية حرة ونزيهة.

مثل هذا «الانتقال المنظم« ــ كما وصفته هيلارى ــ من شأنه منح الأحزاب السياسية المعارضة والمرشحين المحتملين للرئاسة الوقت الكافى لبناء قاعدة جماهيرية وتطوير برامج جادة للحكم، كما سيسمح لمبارك بالتقاعد كرجل دولة طاعن فى السن، مما قد يساعد فى تخفيف وطأة التصورات المنتشرة فى المنطقة بأننا كنا على استعداد للتخلى عن الحلفاء القدامى عند تعرضهم لأدنى قدر من المتاعب.

ويذكر أوباما أنه اتصل بمبارك مرة أخرى بعد مناقشة غرفة العمليات، وبمجرد أن طرح عليه فكرة اتخاذ قرارات إصلاحية أكثر جرأة «أصبح أسلوبه هجوميا على الفور، ووصف المتظاهرين بأنهم من الإخوان، وأصر على أن الوضع سيعود إلى طبيعته قريبا» ومع ذلك وافق مبارك على طلب أوباما بإرسال مبعوث هو السفير الأمريكى الأسبق فى مصر فرانك ويزنر، لإجراء المزيد من المشاورات الخاصة والمكثفة.

ويروى أوباما أن الاستعانة بويزنر فى توجيه نداء مباشر لمبارك، وجها لوجه «كان فكرة هيلارى» وأنه اقتنع بمنطقية الاختيار «لأن ويزنر سليل مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، فكان والده قائدا مشهودا خلال سنوات تأسيس وكالة المخابرات المركزية، وكان شخصا يعرفه مبارك جيدا ويثق به. وفى نفس الوقت؛ رأيت أن تاريخ ويزنر مع مبارك وأسلوبه الدبلوماسى الأمريكى القديم قد يجعله متحفظا فى طرح أفكار التغيير، ولذلك فقبل أن يغادر اتصلت به مع تعليمات واضحة بـ«أن يكون جريئا»: أردت منه أن يدفع مبارك ليعلن أنه سيتنحى بعد إجراء انتخابات جديدة ــ وهى لفتة كنت آمل أن تكون درامية ومحددة بما يكفى لمنح المحتجين الثقة فى أن التغيير قادم حقا.


ويواصل أوباما سرده كاتبا: بينما كنا ننتظر نتيجة مهمة ويزنر، أصبحت وسائل الإعلام أكثر تركيزًا على رد فعل إدارتى على الأزمة، وبشكل أكثر تحديدًا، وإلى أى جانب ننحاز. وحتى ذلك الوقت كنا أصدرنا «ما يزيد قليلا عن بيانات عامة فى محاولة لكسب الوقت لأنفسنا» لكن مراسلى واشنطن الذين وجد العديد منهم بوضوح أن قضية المتظاهرين الشباب مقنعة بدأوا يضغطون بشأن سبب عدم وقوفنا بشكل واضح مع قوى الديمقراطية.

وفى المقابل؛ أراد قادة المنطقة معرفة سبب عدم دعمنا لمبارك بقوة أكبر، حيث أصر «بيبى» نتنياهو (استخدم أوباما لقب التدليل لرئيس الوزراء الإسرائيلى) على أن الحفاظ على النظام والاستقرار فى مصر مهم قبل كل شىء، وحذرنى من أن «مصر ستتحول إلى إيران أخرى فى ثانيتين».
وكان العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز أكثر انزعاجا، حيث كان انتشار الاحتجاجات فى المنطقة تهديدًا وجوديًا للنظام الملكى، واعتبر أن هناك أربع جهات تقف خلف المظاهرات هى: الإخوان المسلمون وحزب الله والقاعدة وحماس.

ويعتبر أوباما فى كتابه أن التدقيق أثبت عدم صحة تحليل نتنياهو والملك عبدالله، كاتبا: «لم يكن السنة الذين يشكلون الغالبية العظمى من المصريين (وجميع الإخوان المسلمين) عرضة لتأثير إيران الشيعية وحزب الله، ولم يكن هناك أى دليل على الإطلاق على أن القاعدة أو حماس كانت وراء المظاهرات فى أى دولة».

وبالعودة لمهمة ويزنر، يروى أوباما أن مبعوثه أرسل تقريرا مفاده أن مبارك سيلتزم علنا بعدم الترشح لولاية أخرى لكنه لم يصل إلى حد تعليق حالة الطوارئ أو الموافقة على دعم انتقال سلمى للسلطة، مما أدى فقط إلى توسيع الانقسام داخل فريق الأمن القومى الخاص بالرئيس الأمريكى، حيث رأى الأعضاء الكبار أن هذا التنازل من مبارك مبرر كاف للبقاء معه، بينما اعتبر الأصغر سنًا هذه الخطوة ــ مثل قرار تعيين رئيس المخابرات عمر سليمان نائبا للرئيس ــ ليست أكثر من تحرك تكتيكى، وسيفشل فى تهدئة المتظاهرين.

ونظرا لاتساع هوة الخلاف داخل فريق أوباما؛ يذكر أنه أجرى زيارة مفاجئة إلى اجتماع لجنة رؤساء مجلس الأمن القومى فى غرفة العمليات فى وقت متأخر من بعد ظهر يوم 1 فبراير 2011 وكانت المناقشة قد بدأت بالكاد عندما أخبره أحد المساعدين بأن مبارك يدلى بخطاب للشعب المصرى.

يستطرد أوباما: استدرنا لمشاهدة التلفزيون.. بدا أن مبارك يفى بوعده لويزنر، فقال إنه لم يكن ينوى أبدًا ترشيح نفسه لولاية أخرى كرئيس وأعلن أنه سيدعو البرلمان المصرى ــ الذى يسيطر عليه بالكامل ــ لمناقشة تسريع جدول زمنى لانتخابات جديدة. لكن شروط النقل الفعلى للسلطة كانت غامضة للغاية لدرجة أن أى مراقب مصرى سيستنتج أن أى وعود يقدمها مبارك الآن يمكن أن تذهب أدراج الرياح، فى اللحظة التى تخمد فيها الاحتجاجات.

والواقع أن الرئيس المصرى خصص الجزء الأكبر من خطابه لاتهام محرضين وقوى سياسية لم يسمها باختطاف الاحتجاجات لزعزعة أمن الوطن واستقراره، وأصر على أنه سيستمر فى الوفاء بمسئوليته كشخص «لم يبحث أبدًا عن السلطة» لحماية مصر من عملاء الفوضى والعنف.
عندما أنهى الخطاب، قام أحد الحضور فى الغرفة بإغلاق الشاشة، ورجعت بظهرى إلى الخلف وذراعى ممدودة خلف رأسى، وقلت: «هذا لن يوقفها» (يقصد المظاهرات).

كنت أرغب فى اتخاذ خطوة أخيرة لإقناع مبارك بالبدء فى انتقال حقيقى.

بالعودة إلى المكتب البيضاوى، أجريت مكالمة معه، وفعّلت مكبر الصوت ليتمكن مستشارىّ المجتمعون من الاستماع.
بدأت بالثناء على مبارك لقراره عدم الترشح مرة أخرى. ولا يمكنني إلا أن أتخيل مدى صعوبة سماع مبارك لما قلته بعد ذلك، وهو الشخص الذى تولى السلطة لأول مرة عندما كنت فى الكلية وصمد بعد أربعة من أسلافى.

قلت له: «الآن بعد أن اتخذت هذا القرار التاريخى لانتقال السلطة، أريد أن أناقش معك كيف سيحدث هذا.. أقول هذا بأقصى درجات الاحترام... أريد أن أشارك تقييمى الصادق حول ما أعتقد أنه سيحقق أهدافك».

ثم واصلت: «إذا بقيت فى منصبك وأدى هذا إلى تأخير العملية الانتقالية، كما أعتقد، فإن الاحتجاجات ستستمر وربما تخرج عن السيطرة. وإذا كنت تريد ضمان انتخاب حكومة مسئولة لا يهيمن عليها الإخوان المسلمون، فقد حان الوقت للتنحى فورا واستخدام مكانتك وراء الكواليس للمساعدة فى تشكيل حكومة مصرية جديدة».

وعلى الرغم من أننى كنت أتحدث مع مبارك عادة باللغة الإنجليزية، فقد اختار هذه المرة التحدث إلى باللغة العربية، ولم أكن بحاجة إلى المترجم لالتقاط واستيعاب الانفعالات الغاضبة فى صوته.

قال مبارك بصوت مرتفع: «أنت لا تفهم ثقافة الشعب المصرى.. الرئيس أوباما، إذا مضيت إلى مرحلة الانتقال بهذه الطريقة، فسيكون ذلك أخطر شىء بالنسبة لمصر».

اعترفت له بأننى لم أكن أعرف الثقافة المصرية بالطريقة التى يعرفها، وأنه كان يعمل فى السياسة لفترة أطول بكثير مما كنت أعرفه، وزدت: «لكن هناك لحظات فى التاريخ لا يعنى فيها مجرد أن الأمور كانت على حالها فى الماضى أنها ستكون بنفس الطريقة فى المستقبل. لقد خدمت بلدك جيدًا لأكثر من ثلاثين عامًا. أريد أن أتأكد من أنك تغتنم هذه اللحظة التاريخية بطريقة تترك لك إرثًا عظيمًا».

تحدثنا مرارا على هذا النحو لعدة دقائق أخرى، مع إصرار مبارك على ضرورة بقائه فى مكانه، وكرر أن الاحتجاجات ستنتهى قريبًا، وأضاف قرب نهاية المكالمة: «أنا أعرف شعبى، إنهم أناس عاطفيون، سأتحدث معك بعد فترة، وسأخبرك أننى كنت على حق».


أغلقت الهاتف وكل العيون فى الغرفة مركزة على وجهى، لقد أعطيت مبارك أفضل نصيحة، وكنت قد عرضت عليه خطة لخروج مشرف. عرفت أن أى زعيم يحل محله قد ينتهى به الأمر ليكون شريكا أسوأ للولايات المتحدة ــ وربما أسوأ بالنسبة للشعب المصرى، والحقيقة أنه كان بإمكانى أن أتعايش مع أى خطة انتقال حقيقية يقدمها، حتى لو حافظت على قسم كبير من شبكة نظامه.

لقد كنت واقعيًا كفاية لأفترض أنه لولا الإصرار العنيد لهؤلاء الشباب فى ميدان التحرير، لكنت عملت مع مبارك لبقية فترة رئاستى.

ويردف أوباما فى تحليله لمقومات موقفه بعد إصرار المتظاهرين فى التحرير على رحيل مبارك قائلا: «قد لا أكون قادرًا على منع الصين أو روسيا من سحق المعارضين بهما، لكن نظام مبارك تلقى مليارات الدولارات من دافعى الضرائب الأمريكيين، زودناهم بالأسلحة، وتبادلنا المعلومات، وساعدنا فى تدريب ضباطهم، وبالنسبة لى فإن السماح لمتلقى تلك المساعدات ــ وهو شخص نسميه حليفًا ــ بارتكاب أعمال عنف غاشمة ضد المتظاهرين السلميين، هو خطأ لم أرغب فى السكوت عليه. وسوف يؤدي سماحنا بذلك إلى ضرر كبير بفكرة أمريكا، ومن شأن هذا إلحاق الكثير من الضرر بى أيضا.

قلت لفريقى: «دعونا نعد بيانًا. ندعو مبارك للتنحى الآن».

ويكتب أوباما تعليقا على هذا التطور فى موقفه من الأزمة فى مصر: على عكس معتقدات الكثيرين فى العالم العربى وعدد ليس بالقليل من المراسلين الأمريكيين، فإن الولايات المتحدة ليست محرك عرائس، تمسك دائما بخيوط البلدان التى تتعامل معها وتتحكم فيها، حتى الحكومات التى تعتمد على مساعداتنا العسكرية والاقتصادية تفكر أولا وقبل كل شىء فى بقائها، ولم يكن نظام مبارك استثناءً عن هذه القاعدة.

وبعد أن أعلنت علنًا عن اقتناعى بأن الوقت قد حان لمصر لبدء انتقال سريع إلى حكومة جديدة، ظل مبارك مصرا على التحدى، واختبر المدى الذى يمكن أن يذهب إليه فى تخويف المحتجين.

ويروى أوباما أن موقفه وجه ببعض الممانعة من وزيرة خارجيته هيلارى كلينتون وفرانك ويزنر وغيرهما، فكتب:
التحدى الأكبر الذى واجهنى خلال تلك الأيام العديدة المتوترة هو إبقاء الجميع فى إدارتى على نفس الوتيرة، فكانت الرسالة التى خرجت من البيت الأبيض واضحة، وعندما سُئل روبرت (السكرتير الصحفى ​​جيبس) عما قصدته عندما قلت إن الانتقال فى مصر يجب أن يبدأ «الآن» قال ببساطة: «الآن يعنى أمس».

كما نجحنا أيضًا فى جعل حلفائنا الأوروبيين يصدرون بيانًا مشتركًا يعكس روح بيانى.

وعلى الرغم من ذلك، ظهرت هيلارى فى مؤتمر أمنى فى ميونخ وبدا أنها بذلت قصارى جهدها للتحذير من مخاطر أى تحول سريع فى مصر، وفى نفس المؤتمر، أعرب فرانك ويزنر ــ الذى لم يعد له دور رسمى فى الإدارة وادعى أنه يتحدث فقط كمواطن عادى ــ عن رأي مفاده أن مبارك يجب أن يظل فى السلطة خلال أى فترة انتقالية.

عند سماعي هذا الكلام، طلبت الاتصال بوزيرة خارجيتى، وعندما حدثتها على الهاتف، لم أخف استيائي مما قالته.

قلت: «أتفهم جيدًا المشاكل المحتملة مع أى ابتعاد عن مبارك، لكننى اتخذت قرارًا، ولا يمكننى الحصول على مجموعة من الرسائل المختلطة فى الوقت الحالى».

وقبل أن تتمكن هيلارى من الرد، أضفت: «أخبرى ويزنر بأننى لا أبالى بشأن القدرة التى يتحدث بها، يجب أن يهدأ».

ويوضح أوباما أن التواصل العسكرى والاستخباراتى بين واشنطن والقاهرة كان قائما، وكان المعنى الضمنى له واضحًا وهو أن التعاون الأمريكى المصرى، والمساعدات التى جاءت معه، لم تكن تعتمد على بقاء مبارك فى السلطة، لذلك قد يرغب القادة الأمنيون المصريون فى التفكير بعناية فى الإجراءات الأفضل، والحفاظ على مصالحهم المؤسسية.


ويضيف أوباما: بدا أن رسالتنا قد نجحت، فبحلول مساء يوم 3 فبراير تمركزت قوات الجيش المصرى لإبقاء القوات الموالية لمبارك منفصلة عن المحتجين، وتراجعت اعتقالات الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان المصريين، وتدفق المزيد من المتظاهرين بسلام إلى الميدان.

وفى 11 فبراير بعد أسبوعين ونصف فقط من أول احتجاج كبير فى ميدان التحرير، ظهر نائب الرئيس عمر سليمان الذى بدا عليه الإرهاق على شاشة التلفزيون المصرى ليعلن أن مبارك ترك منصبه وأن حكومة تصريف الأعمال بقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ستبدأ عملية الانتخابات الجديدة.

ويستطرد أوباما: فى البيت الأبيض، شاهدنا قناة CNN وهى تبث لقطات من الحشد فى ميدان التحرير وهو ينفجر احتفالا، كان العديد من الموظفين مبتهجين. أرسلت لى سامانثا (باور، عضوة فريقه الرئاسى) رسالة تقول فيها كم كانت فخورة بكونها جزءًا من الإدارة. وأثناء سيره فى صف الأعمدة فى طريقنا إلى بيانى الصحفى للصحفيين، لم يستطع بن (رودس، عضو الفريق الرئاسى) إخفاء الابتسامة عن وجهه. وقال: «إنه لأمر مدهش حقًا أن تكون جزءًا من التاريخ من هذا القبيل». وطبعت كاتى صورة ووضعتها على مكتبى، تظهر مجموعة من المتظاهرين الشباب فى ميدان التحرير وقد رفعوا لافتة مكتوب عليها «نعم نستطيع» (الشعار الانتخابى لحملة أوباما).

شعرت بالارتياح والتفاؤل الحذر، ومع ذلك أجد نفسى أفكر أحيانًا فى مبارك، الذى كان ضيفى قبل بضعة أشهر فقط فى غرفة طعام العائلة القديمة. وبدلا من الفرار من البلاد، كان الزعيم المسن قد اتخذ على ما يبدو مسكنًا فى مجمعه الخاص فى شرم الشيخ. تخيلته هناك جالسًا فى مكان فخم، ضوء خافت يلقى بظلاله على وجهه، وحيدًا بأفكاره.

ويعود أوباما ليذكر رد فعل عربيا بارزا على مطالبته مبارك بالتنحى، متمثلا فى الشيخ محمد بن زايد، ولى عهد أبو ظبى، الذى يصفه بأنه «شاب، متطور، وربما أكثر القادة ذكاء فى الخليج».

فيقول: أخبرنى محمد بن زايد أن التصريحات الأمريكية بشأن مصر تثير قلقا متزايدا فى الخليج، متسائلا: ماذا سيحدث إذا دعا المتظاهرون فى البحرين الملك حمد إلى التنحى؟ هل ستصدر الولايات المتحدة نفس النوع من التصريحات التى كانت لدينا بشأن مصر؟
أخبرته أننى آمل أن أعمل معه ومع آخرين لتجنب الاضطرار إلى الاختيار بين الإخوان المسلمين والاشتباكات العنيفة بين الحكومات وشعوبها.

لكن بن زايد أجاب: «الرسالة العامة لا تؤثر على مبارك، كما ترى، لكنها تؤثر على المنطقة». وأشار إلى أنه إذا انهارت مصر وتولى الإخوان المسلمون زمام الأمور، فسيسقط ثمانية قادة عرب آخرون، ولهذا السبب انتقد بيانى.

واعتبر بن زايد فى تلك المحادثة أن «الولايات المتحدة ليست شريكا يمكن الاعتماد عليه على المدى الطويل» قالها بصوت هادئ وبارد، وأدركت ــ والكلام لأوباما ــ أنه كان تحذيرا أكثر من كونه طلبا للمساعدة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك