الدكتور محمود محيي الدين يكتب: الصناديق السيادية في عالم شديد التغير - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:00 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدكتور محمود محيي الدين يكتب: الصناديق السيادية في عالم شديد التغير


نشر في: الأربعاء 20 مايو 2020 - 9:23 م | آخر تحديث: الأربعاء 20 مايو 2020 - 9:23 م

تبدلت ساحة الاقتصاد الدولى بما لم تشهده صناديق الثروة السيادية منذ نشأتها الأولى فى الخمسينيات من القرن الماضى، فقد غيرت الأزمات المصاحبة لوباء كورونا، بآلياتها الكاشفة لأوجه الوهن والقوة، معطيات استقرت فى أساليب العمل والإنتاج والاستثمار، كما أن الصدمات المترتبة على هذه الأزمات عجلت ببزوغ ظواهر ومستجدات اقتصادية واجتماعية وسياسية حول العالم وانضواء أخرى، ولم تزد فقط هذه الأزمات من درجات المخاطرة، لكنها ضخمت أيضا من حالة عدم اليقين التى اكتنفت العالم منذ سنوات سابقة على اجتياح الوباء ربوع العالم، وما شهده من أزمة فى الثقة بين القوى الدولية التقليدية وتلك الصاعدة، وبين بعضها البعض، فعالم ما قبل «كورونا» كان هشا اقتصاديا ومتوترا سياسيا، وغير مهيأ للتعامل مع مربكات مفاجئة، وهو ما تشهد به حالات الارتباك والفوضى فى التعامل مع الأزمة الصحية التى سببها الفيروس، وآثارها الوخيمة على المجتمع والاقتصاد.

ومع تزايد تكلفة التصدى للأزمات الراهنة وأعبائها على موازنات الدول التى لم تتعاف من آثار الأزمة المالية العالمية التى اندلعت فى عام 2008، وتبعاتها من انخفاض فى معدلات النمو الاقتصادى، وتراجع فى مستويات التجارة والاستثمار التى لم تعد أبدا لمتوسطات ما قبل الأزمة المالية، بات ينظر للصناديق السيادية كمعين للمساندات العاجلة، فوفقا لبيانات معهد صناديق الثروة السيادية، الصادرة فى مارس (آذار) الماضى، هناك 89 صندوقا سياديا حول العالم تستحوذ حاليا على ما يزيد على 8.5 تريليون دولار من الأصول المالية والاستثمارية، بما يقترب من 10 فى المائة من إجمالى الناتج العالمى.

وأطلق مصطلح صناديق الثروة السيادية خبير الاستثمار، أندرو روزانوف، فى مقال نشر عام 2005 عن «من يحتفظ بثروة الأمم»، مميزا لها عن دور البنوك المركزية فى إدارة الاحتياطى من النقد الأجنبى، وتتنوع أهداف هذه الصناديق بين تراكم المدخرات وزيادة الاستثمارات، وتختلف فى استراتيجياتها فى إدارة محافظها ومدى ترجمتها للتوجهات السياسية وفقا لنظم حوكمتها والدول التى تنتمى إليها، وقد أنشئ أول هذه الصناديق فى عام 1953 فى دولة الكويت، ثم تزايدت انتشارا فى العقود الأخيرة لتحتضنها 51 دولة مولتها من فوائضها المتراكمة فى ميزان التجارة الدولية من تصدير سلع أولية كالنفط، أو من فوائض مالية من النقد الأجنبى تتحقق فى الميزان الحالى لميزان المدفوعات، ولا ينبغى الخلط بين الصناديق السيادية ومؤسسات إدارة الأصول المحلية، وإن تسمت باسمها، فلكل أهدافه ومصادر تمويله وأولويات عمله.

وتستثمر هذه الصناديق أموالها فى مجموعة متنوعة من الأصول المالية والاستثمارية كأسهم الشركات والسندات الحكومية، كما أصبحت من الروافد المهمة للاستثمار الأجنبى المباشر والاستثمار المؤسسى طويل الأجل، كما عولت عليها وثيقة تمويل التنمية المستدامة الصادرة فى يوليو (تموز) عام 2015 عن الأمم المتحدة لتمويل برامج التنمية المستدامة، من خلال تخصيص نسبة من محافظها للتمويل طويل الأجل فى مشروعات البنية الأساسية.

ولجأت الدول من قبل لصناديقها السيادية فى أوقات تقلب أسعار السلع الأولية، كما يحدث الآن، مع انخفاض أسعار النفط، لتعين موازنات الدول فى تلبية احتياجات الإنفاق العام العاجل، فوفقا لمجلة «فورتشن»، أعلنت النرويج على سبيل المثال عن سحب 37 مليار دولار من صندوقها السيادى، وهو الصندوق الأكبر عالميا، إذ تتجاوز أصوله تريليون دولار، ويعد هذا الإجراء بالسحب من خلال عملية تسييل أصول لتساند متطلبات التعامل مع تعديات الأزمة الصحة التى تزامن معها انخفاض حاد فى سعر النفط، تسبب فى تراجع تدفقات الدولة النقدية، بما يتجاوز 60 فى المائة، ولم تكف عوائد استثمارات الصندوق وإيرادات الدولة السيادية الأخرى كالضرائب فى سد فجوتها.

وفى ذات الوقت، تجد صناديق سيادية أخرى تنتهز فرصة انخفاض أسعار بعض أسهم الشركات، بفعل الأزمة الحالية، فتستثمر فيها، مستندة إلى تقييماتها وما لديها من إمكانات فى قطاعاتها، فضلا عن تميز منتجاتها وكفاءة إدارتها وقدرتها على النمو والتوسع مستقبلا، فى ظل التغيرات المحتملة؛ فالشركات لا تشترى أسهمها بحكم ما كان لها من اعتبار، بل بما يتوقع أن يكون لها من شأن.

ولا أحسب أن الصناديق السيادية، رغم احتراف وكفاءة القائمين على أكثرها، تسلك اليوم طريقا سهلا، فمصادر تمويلها من فوائض، سواء أكانت من السلع الأولية أم غيرها، تعرضت لصدمات شديدة، وجانبا من أصولها انخفضت تقييماته السوقية، وتقلبت أسعارها بشدة من جراء الأزمات الراهنة، كما أن انخفاض معدلات النمو الاقتصادى العالمية يعوق فرص استثماراتها القطاعية عبر الحدود. ومع هذا التراجع الحاد فى النشاط الاقتصادى، وعدم السيطرة بعد على انتشار فيروس كورونا، فستقل حتما معدلات النمو الاقتصادى العالمى عن سالب 3 فى المائة، وهو الرقم الذى قدره صندوق النقد الدولى فى تقريره الأخير الصادر فى شهر إبريل (نيسان) الماضى.

وفى تقديرى، فإن هناك 5 محددات رئيسية سترسم خطوط عمل الصناديق السيادية مستقبلا...
أولا؛ تزايد دور الدولة فى النشاط الاقتصادى المباشر، بما يتجاوز دورها كمشرع ورقيب؛ ولما كانت هذه الصناديق أحد أذرع الدولة، فسيزيد ذلك من أهميتها فى هذا الشأن، لكن الأجواء الراهنة تشير إلى ارتفاع مستوى الحساسية للاستثمار الخارجى لاعتبارات جيوسياسية، بما سيضطر بعض هذه الصناديق لاقتفاء مساراتها فى الخريطة الاستثمارية العالمية، وفقا لمؤشرات تزيد فى أوزانها اعتبارات المخاطر والاعتبارات السياسية.

ثانيا؛ مع اللجوء إلى إعادة رسم خطوط الإنتاج والإمداد العالمية، فى ظل التوترات والحروب التجارية السابقة على «كورونا»، وتزايد التوجهات الحمائية فى سبيل حركة التجارة بعدها، مع تصاعد المناداة بإجراءات للتوجه نحو الداخل، ولو على حساب اعتبارات التكلفة والكفاءة، استجابة لتوجهات شعبوية، أو تأمينا لسلع رئيسية تنتج محليا أو من قبل دول حليفة، سيزيد الوزن النسبى للموارد الاستثمارية المخصصة محليا بمخاطر أعلى للتركز وإيراد أدنى فى العملات الأجنبية.

ثالثا؛ هناك توقعات شديدة الارتفاع بأن تلتزم الاستثمارات باعتبارات الآثار الاجتماعية والبيئية وضوابط الحوكمة، مع وزن أكبر للوائح والاعتبارات الصحية، وكذلك تغيرات المناخ، بما يتجاوز القواعد التقليدية للتكلفة والعائد. وسيميز هذا بين صندوق استثمارى وآخر ومدى قبوله مجتمعيا ورقابيا، وفقا لتقارير معلنة بشفافية.

رابعا؛ مع ارتفاع حدة البطالة وشدة الركود، ينتظر من هذه الصناديق أن يظهر أثرها التنموى فى مجالات الاستثمار على النمو، وإتاحة فرص العمل اللائق، والالتزام بالحد الأدنى للأجور، والمناخ الآمن للعمل، والضمانات التعاقدية للعاملين.

خامسا؛ مع تزايد ولوج الصناديق السيادية لأسواق الديون الدولية، مقرضة ومقترضة، فإن مشكلات إدارة الديون عالميا وتحدياتها، سواء ما تتحمله الدول أو الشركات، يجب أخذها فى الاعتبار، خاصة مع زيادة احتمالات التعثر وإعادة الجدولة، فى ظل تبعات الأزمة الصحية والركود.

ستظهر هذه المحددات الخمسة، ومدى قدرة الصناديق السيادية على التعامل معها، مسارات مستقبلها واستثماراتها، فى عصر تتعرض فيه الأمم، وليس ثرواتها فحسب، لتحديات غير مسبوقة.

نقلا عن الشرق الأوسط.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك