على مدى التاريخ، بحث البشر عن سر "الشباب الأبدي"، وحاولوا الوصول إلى جميع الوسائل التي من شأنها وقف الشيخوخة والعجز، بداية من العبث بالحمض النووي، إلى عمليات نقل الدم، أو تعاطي المكملات الغذائية، أو الصوم المتقطع، كما أراد العلماء والأشخاص العاديون معرفة "كيف يمكن وقف عملية الشيخوخة؟".

قد يكون من المثير التمكن -متى أردنا- من ضغط زر إيقاف مؤقت لشيخوخة خلايانا، بالتأكيد لم نتوصل إلى ذلك بعد، لكن بالنسبة لنوع من الأسماك الاستوائية، فإن القيام بذلك هو جزء من تركيبتها، بل إن أخذ استراحة من الشيخوخة هو مفتاح تطور هذا النوع من الأسماك، وهذا ما تشير إليه دراسة جديدة لعلماء من جامعة "ستانفورد" ومعهد "ستورس" للبحوث الطبية في الولايات المتحدة، نشرت بمجلة "ساينس" العلمية أول أمس الخميس.

في إفريقيا وخلال موسم الجفاف، تتبخر مياه البرك والمستنقعات والتي تتكون خلال موسم المطر في منخفضات السافانا، وهي تحوي أنواعا من الأسماك، منها نوع يطلق عليه سمك "كيلي فيش الفيروزي الإفريقي" "Nothobranchius furzeri"، وحتى يحين موسم المطر من جديد والذي قد يطول انتظاره لشهور أو حتى سنوات، وهو أطول من متوسط عمر تلك الأسماك البالغ من 4 إلى 6 أشهر، خلال فترة الانتظار تبقى أجنة أو بيض تلك الأسماك في التربة حتى تستعيد دورة حياتها.

في هذا الوضع بالغ الصعوبة خلال موسم الجفاف، لا تستطيع الأسماك مواصلة نموها؛ لذا تدخل في حالة خاصة تسمى (Diapause) أو فَتْرَةُ البَيَات أو الكمون، وفيها يتم تعليق عملية الشيخوخة حرفيًا، وبمجرد أن تصبح الظروف أكثر ملائمة، يبدأ التطور في العمل مرة أخرى كما لو لم يمر الوقت.

بالتأكيد الوقت يمر ولا يتوقف، إلا أن الغريب في تلك الحالة من الكُمون هو أن تلك الفترة من البَيَات لا تحسب ضمن العمر الإجمالي للكائن، حيث إنها تنهي تماما فكرة الشيخوخة ذاتها كعملية تستند إلى الوقت، تنطلق من ميلاد الفرد وتسير نحو الزوال الحتمي له.

في الدراسة الجديدة، أظهر الباحثون -لأول مرة- كيف تسير هذه العملية في أجنة سمك الفيروز الإفريقي، والتي تضم مجموعات جينية محددة مسئولة عن ذلك، كالجينات المشاركة في نمو العضلات السمكية ودورها الحاسم في عملية الكُمون تلك، وكشفوا أن توقف النمو كجنين لا يؤثر على حياة الأسماك في المستقبل، أو خصوبتها، أو حجم نموها عند البلوغ؛ الأمر الذي يشير إلى تعليق تأثير الوقت على الخلايا والأنسجة ذاتها.

ويبدو أن جزءا من هذه الجينات قد تعطل لزيادة إنتاج بروتين يسمى "CBX7"، في النواة، يغلف الحمض النووي "DNA" ببروتينات تسمى "هستون" حيث يرتبط بروتين "CBX7" بهستونات معينة، ويقول الفريق إن هذا الارتباط اتضح أنه يؤثر على نشاط عدد من الجينات المشاركة في نمو العضلات السمكية والتمثيل الغذائي؛ مما أدى إلى الحفاظ على العضلات طوال فترة الكُمون.

وقالت البروفيسور آن برونيه، المؤلفة المشاركة في البحث من جامعة ستانفورد، لصحيفة "الجارديان": "الكمون هو حالة مدهشة لـ(الحياة المعلقة)، يمكنها المحافظة على كائن حي معقد لأمد طويل، دون مقايضة واضحة على حياته اللاحقة، وحَقيقة لا نعتقد أن آلية الكمون تحدث مباشرة بسبب الجفاف، لكن الآلية مرتبطة بشكل غير مباشر بالجفاف، بمعنى أن الجفاف وفر ضغطًا انتقائيًا لهذا النوع من الأسماك، وعلى مدى ملايين السنين من التطور، طورت تلك الأسماك هذه الطريقة لتتغلب على الجفاف من خلال دخول أجنتها في حالة كمون أو بيات".

وأضافت: "يمكن للمرء أن يفترض أن حالة شبيهة بالكُمون، أو الاستفادة من الآلية الجزيئية لتلك الحالة في بعض الأنسجة، أو الخلايا البالغة، يمكن أن يساعد في الحفاظ عليها على المدى الطويل".

هل يمكن أن يؤدي هذا إلى التوصل لوسيلة لوقف الشيخوخة لدى البشر؟

تجيب البروفيسور برونيه: "نعتقد أنه من المثير للاهتمام من وجهة نظر أساسية، أن نفهم كيف يمكن إيقاف أو تعليق تراكم الضرر الناجم عن مرور الوقت، يقدم لنا الكمون (Diapause) طريقة لفهم هذا، ومثل هذا الفهم قد يوفر المفاتيح حول كيفية إبطاء (ساعة الشيخوخة)، لكنه في الوقت الحالي لا يزال مجرد تخمين".

ويقول الخبير في الشيخوخة البيولوجية بجامعة غلاسكو، البروفيسور بول شيلز، إنه بينما يشير الباحثون في الدراسة إلى أوجه التشابه بين الكمون والأنواع الأخرى من تعليق الوظائف الحيوية، مثل السبات الشتوي "Hibernation"، إلا أن هناك بعض الفوارق الرئيسية، منها أن السبات ينطوي على حفظ الأعضاء في البالغين، وليس إيقاف نموها وتطورها.