وزير الخارجية السابق نبيل فهمي يكتب: الكورونا المرضية والسياسية «2» - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:43 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وزير الخارجية السابق نبيل فهمي يكتب: الكورونا المرضية والسياسية «2»

نبيل فهمي وزير الخارجية السابق
نبيل فهمي وزير الخارجية السابق

نشر في: الإثنين 23 مارس 2020 - 9:51 م | آخر تحديث: الإثنين 23 مارس 2020 - 9:51 م

كتبتُ منذ أسبوعين عن تشابه أعراض وتحديات ومخاطر فيروس كورونا الجديد مع تلك المصاحبة عصر العولمة، وأن ردود فعلنا إزاءهما مشابهة أيضا فى سلبياتها وإيجابياتها. ومع الأسف أعودُ إلى الموضوع نفسه مرة أخرى اليوم مضطرا، نتيجة لتفاقم المشكلة وانتشارها سريعا، إذ وصل عدد المصابين إلى أكثر من 300.000، وتجاوزت الوفيات 10.000، وشهدنا ردود فعل سياسية غير مواتية، تعكس قصر النظر حتى على أعلى المستويات.

ومن الواضح من التعامل الصينى مع هذا التحدى، أنه بعد تردد مبدئى نجحت بكين إلى حدٍّ ما فى كبح جماح الموجة الأولى من الفيروس، من خلال قيام أدوات حكومية قوية بفرض السياسات والضوابط الشاملة والصارمة فى بعض الأحيان، وتبدو المؤشرات الأخيرة من الصين أن معدلات ظهور الحالات الجديدة من الداخل انخفضت كثيرا، إن لم يكن توقفت.

ومع اختلاف التوقيت وتباين الدرجات اتخذ كل دول العالم إجراءات لتقييد حركة مواطنيها، على أمل وضع حدٍ لانتشار المرض، ولم تستثنَ من تلك الدول الغربية أو الليبرالية، حتى الولايات المتحدة بدأت فى وضع قيود على تحرك مواطنيها بعدة ولايات.

والمُلفت أيضا أن عددا غير قليل من الدول التى تأخرت فى اتخاذ إجراءات احترازية شهدت زيادة سريعة فى عدد المصابين والوفيات، نتيجة لتأخرها فى التعامل مع المخاطر، فضلا عن الارتفاع النسبى فى عمر السكان.

والخلاصة الأولى التى أودُ تأكيدها مرة أخرى هى أن الدولة قوية بمؤسساتها ومصداقيتها، وهو أمرٌ بالغ الأهمية، وأشدد على هذه النقطة بصرف النظر إن كانت الدولة ملكية أو جمهورية أو برلمانية، ليبرالية أو محافظة، ديمقراطية أو مركزية.

الدولة بمؤسسات قوية شأن مهم بل ضرورى للتصدى للتحديات والمخاطر الكبرى والمعقدة التى يتسم بها عصر العولمة، نظرا إلى الحاجة إلى توافر القدرة على حشد الإمكانات وفرض الضوابط للتعامل مع التحديات الجمة.

والخلاصة الثانية، من الأسبوعين الماضيين، ولعلها إحدى الإيجابيات القليلة لهذه الظروف الصعبة، هى يقين المجتمع الدولى الآن وبأكمله أن المخاطر لا تقف عند حدود الدولة الوطنية، إذا أردنا الاستفادة حقا من كل حريات عصر العولمة من حرية حركة الأفكار، والأفراد، والسلع، عبر الحدود، والبحار والمحيطات، فمع التنقل الإيجابى توجد مخاطر علينا التعامل معها.

وفى السياق نفسه، يمكن القول من دون مبالغة أو مزايدة إن تجربة الأسابيع الأخيرة، التى لم تصل بعدُ إلى ذروتها، تؤكد أن تصرُف الدول داخل حدودها وسيادتها ينعكس على مصالح وحقوق دول أخرى عبر الحدود، بل عبر البحار والقارات.

وهو ما يبرز الحاجة إلى التوفيق بين مبادئ تبدو متناقضة، ومن أهمها «احترام سيادة الدول، وعدم التدخل فى شأنها الداخلى، ومبدأ المسئولية الجماعية والحماية المجتمعية»، وكذلك مبدأ حساس أثير للمرة الأولى بعد المجازر الفظيعة فى رواندا، وفسر على أنه يجب أن يفتح الباب لتدخل عسكرى من الخارج، وهو ما يتجاوز ما أطرحه فى هذا السرد، إنما الموضوع يحتاج إلى عرض أوسع وأدق لتعدد جوانبه.

ومع هذا، يمكن ومن الآن المطالبة بالتوصل إلى اتفاقات دولية، تلزم الدول توفير المعلومات ومزيد من الشفافية فى القضايا الداخلية أو الإقليمية التى تكون لها آثار تتجاوز الحدود الوطنية للدول.

وربما يتسرع البعض فى الدفع بأن هذا ينطبق أساسا على المشكلات الوبائية فقط، وهو دفعٌ خاطئ وقاصر، إذ توجد مشكلات إنسانية كثيرة يترتب عليها تداعيات سياسية وأمنية، ومنها على سبيل المثال أثر التغير المناخى فى وفرة المياه الصالحة والأراضى القابلة الزراعة، وقضية اللاجئين وغير ذلك.

ومن القضايا والمعادلات الأخرى التى يرى البعض أنها تطرح نفسها، تخوف البعض من استغلال فيروس كورونا الجديد لتوغل الدولة على معلومات وحريات الأفراد، وهو تخوف يبدو سليما، وإن كنت أرى أنه غير مكتمل الرؤية.

فعصر العولمة والتقدم التكنولوجى وتحديدا فى المجال الإلكترونى سلب منا جميعا كثيرا من الخصوصية والحرية، مع سهولة متابعة تحركنا حتى الشخصى، لحملنا أجهزة التليفون المحمول، وقيام كثير منا باستخدامه فى تنفيذ عديدٍ من أموره الشخصية، بما فيها المشتريات، وكل ذلك يضع معلوماتنا الشخصية وتصرفاتنا وأماكن وجودنا أمام أجهزة وشركات وأفراد من دون أن يكون أمامنا خيار أو قرار فى ذلك.

تغيرات وتحديات كثيرة ستؤثر حتما فى نمط حياة المجتمع الدولى، وتمهد لتغيرات حقيقية فى قواعد النظام الدولى المعاصر، وتوازن القوة فيه، وعلى الرغم من خطورة الموقف فإنه مع الأسف نجد قوتين كبريين مثل الولايات المتحدة والصين تتبادلان الاتهامات، وتحاولان استغلال الموقف لتحميل الآخر مسئولية ظهور وانتشار فيروس كورونا الجديد، من خلال تصريحات أحد سفراء الصين السلبية تجاه الولايات المتحدة، وتصميم الرئيس الأمريكى شخصيا على تسمية الفيروس على أنه «فيروس صينى».

من السابق لأوانه الانتهاء إلى خلاصات محددة عن الوضع السياسى الجديد بصرف النظر عن أن فيروس كورونا وضع القيادات الصينية تحت ضغط وانتقادات شديدة فى أول الأمر، إلى أن تغيرت الدفة، ونجحوا فى السيطرة على الموقف ما دعم موقفهم السياسى داخليا وخارجيا.

فى المقابل، تعرض عددٌ كبيرٌ من قيادات الدول الغربية إلى انتقادات شديدة، نتيجة لتأخرهم فى التعامل مع الموقف، على رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا، وقد يكون الأمر له تداعيات مباشرة على مستقبلهم السياسى داخليا، إذا لم ينجحوا مثل الصين فى السيطرة على الموقف.

النظام الدولى المعاصر فى مرحلة تغيير مستمر، زادت معدلاته فى عصر العولمة، وسيفرض عليه التعامل مع أسئلة وتحديات عاجلا إزاء آثار فيروس كورونا الجديد. الأمر يحتاج إلى مراجعة وتدقيق ومتابعة. عصر العولمة مثل فيروس كورونا لا يحترم الحدود، ويفرض تشابكا وتواصلا مجتمعيا عالميا، ولا يفصل بين سياسات اليمين أو اليسار أو المدن الوطنية، أو يحتكم إلى مبادئ اجتماعية شرقية، وغربية، وشمالية أو جنوبية.

علينا جميعا إيجاد سُبل أفضل للتعاون مع بعضنا بعضا، من دون المساس بحقوق الآخرين أو مصالحهم، فى الوقت نفسه نتمسك بحقوقنا الشخصية أو السيادية، فالتوافق والتكامل أمران ضروريان، والمعادلة صفرية إما نتعاون مع بعضنا بعضا، وإما نواجه حتما بمزيدٍ من الإجراءات الاحترازية، التى تتعارض مع عصر العولمة وتكنولوجياته، وتناقضات ربما تفرض نفسها علينا إذا لم نكن حكماء وواعين فى قراراتنا، تؤدى إلى اضطرابات فى النظام الدولى المعاصر، وإضاعة فرصة الاستفادات الأمثل من خيارات واحتمالات التعامل مع عصر العولمة وفقا لمبادئ إنسانية تتفق مع القرن الـ21.

نقلا عن إندبندنت عربية

اقرأ أيضًا:
وزير الخارجية السابق نبيل فهمي يكتب: الكورونا المرضية والسياسية



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك