كان واصبح (19): قصر السكاكيني.. حولته وزارة الصحة إلى «معمل» قبل أن يسجل كأثر - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 11:55 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كان واصبح (19): قصر السكاكيني.. حولته وزارة الصحة إلى «معمل» قبل أن يسجل كأثر

إنجي عبدالوهاب
نشر في: الجمعة 24 مايو 2019 - 8:02 م | آخر تحديث: الجمعة 24 مايو 2019 - 8:02 م

لا ينفصل تاريخ الفنون عمارة وتصويرًا ونحتًا عن السياسة والاجتماع والاقتصاد، ولا تقتصر قيمته على الجمال والإبداع والاحتراف، بل هي شهادة حية على أيام خلت وأحداث مضت وشخصيات كان يمكن أن تتوه في غياهب النسيان.

وفي سلسلتنا الجديدة «كان وأصبح»، التي ننشر حلقاتها على مدار شهر رمضان، نعرض نماذج لحكايات منشآت معمارية أو قطع أثرية مصرية تنتمي لعصور مختلفة، تسببت التحولات السياسية والاجتماعية في تغيير تاريخها، أو إخفاء معالمها، أو تدميرها بالكامل، لتخبو بعدما كانت ملء السمع والبصر.

وتُنشر الحلقة الجديدة من تلك السلسلة يوميًا في الثامنة مساءً بتوقيت القاهرة.

ونتناول في هذه الحلقة كنزًا معماريًا ينتمي إلى القاهرة الخديوية، أنشأه نخبة من المعماريين الإيطاليين في منطقة الظاهر قبل 122 عامًا، إنه "قصر السكاكيني" مسكن المقاول حبيب جبريل، الذي أسسه في منطقة الظاهر، واستثمر بها حتى أصبح أحد اشهر مقاولي القاهرة الخديوية.

من هو السكاكيني؟
وثق إعلان يعود تاريخه إلى عام 1891 الخدمات المقدمة من قبل شركة السكاكيني للمقاولات آنذاك، والتي شمل نشاطها شراء وبيع العقارات والأراضي بغرض الزراعة أو البناء بمنطقة "الظاهر" المطورة الجديدة، بحسب " "Annuaire Égyptien Administratif et Commercial".

حبيب جابرييل السكاكيني، و رجل دمشقي المنشأ قدم إلى القاهرة في العام 1858، وتولى وظيفة في شركة قناة السويس في سن الـ17 عاما، ونظرًا لاجتهاده؛ فقد حظى بعلاقة جيدة مع الفرنسي فرديناند ديليسيبس، صاحب فكرة مشروع شق قناة السويس؛ لذا قربه إليه وعينه كرئيس ورش تجفيف المستنقعات والبرك في القاهرة.

وبعد 4 أعوام، اتجه حبيب للعمل بمجال المقاولات، فاختار منطقة الظاهر ليزاول بها أنشطته العقارية، وذاع صيته في فترة وجيزة كأحد أبرز مقاولي القاهرة الخديوية، حتى وصل صيته للخديو إسماعيل الذي أعجب بقدراته، فأمره عام 1867 أن يعمل في الأوبرا الخديوية تحت قياده المعماري الإيطالي بيترو أفوسكاني؛ للانتهاء منها قبل قدوم ضيوف افتتاح قناة السويس، فاقترح السكاكيني العمل بنظام الفترات كل فترة 8 ساعات؛ ليتواصل العمل على مدار اليوم، ما ساعد على افتتاح الأوبرا في موعدها المحدد 19 نوفمبر 1869، الأمر الذي جعله مقرباً من الخديو إسماعيل.

حصل جابرييل على ألقاب عديدة؛ إذ منحه السلطان عبد الحميد لقب بيك ثم لقب باشا، كما منحه بابا روما لقب "كونت"؛ تقديراً لمجهوداته في خدمه طائفة الروم الكاثوليك في مصر ببناءه دارًا للأيتام منهم، ثم شرائه قصر" دي بيفور" في الفجالة وإهدائه للطائفة بهدف تحويله إلى كنيسة لها، كما بنى مقابرًا للجالية في حي مصر القديمة، ودفن بها بعد وفاته عام 1923، وتصدر ضريحه تمثالاً له تم نحته وصبه في فرنسا.

عزبة السكاكيني!
بدأت حكاية القصر الشهير عام 1897؛ بعدما تطورت منطقة الظاهر في عهد الخديو إسماعيل، وأصبحت موضع جذب للطبقة الارستقراطية، لذا قرر المقاول الشهير أن يبني لنفسه قصرًا يليق بمكانته الجديدة، ورغب في أن يشيد القصر على طراز "الروكوكو" الشهير في فرنسا وإيطاليا آنذاك؛ لذا استدعى نخبة من المعماريين الإيطاليين، ليخرج القصر كتحفة معمارية فريدة بُنيت على مساحة 2698 مترًا مربعًا.

وإلى جانب قيمته الفنية، يمتاز قصر السكاكيني بموقعه المتميز؛ فهو مقام على ميدان يتوسط ثمانية شوارع رئيسية تؤدي إليه، ويورد المؤرخون روايتين حول الأرض التي أقلم عليها السكاكيني قصره الشهير، والتي كانت قديمًا بركة تسمى "قرجا التركمانى" نسبة لأحد أمراء مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون.

الرواية الأولى تمثلت في حصول السكاكيني باشا على الأرض عن طريق مزاد علني، بعدما وفر له الخديو إسماعيل بعض التسهيلات للحصول عليها، أما الرواية الثانية فتقول إن السكاكيني أعجب بموقع البركة المميز عقب ردمها؛ لذا أهداه الخديو إسماعيل الأرض مقابل جهوده في إنجاز العمل في القاهرة الخديوية قبل افتتاحها، ولا يدري أحد أي الروايتين أصدق، لكن المحكمة المختلطة أصدرت حجة مؤرخة في يونيو 1880 تثبت ملكية السكاكيني للأرض، كما أوردت خريطة القاهرة 1920 هذه الرقعة في حي الظاهر تحت مسمى "عزبة السكاكيني".

ويعد القصر متحفًا في حد ذاته؛ إذ يتميز بقبابه مخروطية الشكل المصممة على الطرز البيزنطية التي ترجع إلى العصور الوسطى، فضلًا عن منحوتاته الفريدة التي يبلغ عددها 300 تمثال صب معظمها في إيطاليا وفرنسا، كان من بينها تمثال فتاة "درة التاج"، كما تشمل طوابق القصر الخمسة أكثر من 50 غرفة مرصعة بالأعمال الفنية البيزنطية، وبه ما يزيد عن 400 نافذة؛ وفضلًا جدرانه وأسقفه المرصعة بالتصاوير النادرة، يتوسط البهو الرئيسي للقصر تمثالًا لجبرييل حبيب السكاكيني، الذي شاء القدر أن يظل حارسا لقصره الذي احتفظ بقيمته الفنية رغم مرور 122 عاما على تشييده، فعلى الرغم من عدم اتساع الحديقة المحيطة به إلا أنها ساعدت نسبيا على عزله عن المباني الحديثة المقامة حوله لاحقًا.

كان القصر سكنًا شخصي لجبريل حبيب باشا السكاكيني لنحو 26 عامًا منذ إنشائه عام 1897 وحتى وفاته عام 1923، ثم مرَ بمراحل عديدة عقب وفاته، إذ أهداه ورثته للحكومة المصرية لتحويله إلى مدرسة أو مستشفى على غرار عادات الأمراء، فخضع لوزارة الصحة المصرية، وعقب ثورة يوليو 1952، استخدم القصر كأحد مقار الاتحاد الاشتراكي، ثم تحول إلى متحف تثقيف صحي في العام 1961، وعانى على إثر ذلك من الإهمال؛ جراء استخدام "البدروم" الخاص به كعيادات طبية، حتى انتبهت وزارة الآثار لأهمية القصر الفنية والتاريخية، فضمه المجلس الأعلى للأثار عام 1986 وسجله كأثر.

برزت مؤخرًا مقترحات ومبادرات عديدة تطالب بالحفاظ على القصر، إذ أعلن الدكتور زاهي حواس في عام 2003، أن الحكومة المصرية تعتزم ترميم القصر وتحويله إلى أكبر متحف لتاريخ علوم الطب عبر العصور، لذا أغلق القصر أمام الجمهور، وأصبح مقرًا رئيسيًا لحى وسط القاهرة التابع لوزارهة الأثار.

وفي أعقاب ثورة يناير أسست مجموعة من سكان منطقة الظاهر مبادرة تحمل عنوان في العام "أنا من الظاهر"؛ بهدف تحويل القصر إلى مركز ثقافي، فيما كانت إحدى مقترحات المبادرة أيضًا أن يفتح القصر أبوابه للجمهور كي يروي لهم تاريخ منطقة الظاهر على مر العصور، لكن أبواب القصر ظلت موصدة، وربما ينتظر القصر مقترحات جديدة تفصح للجميع عن قيمته التراثية والتاريخية.

وغدًا حلقة جديدة..



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك