ياسر عبدالحافظ: كنت أتوقف للحد من سطوة الشخصيات على «رماد العابرين» - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:43 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ياسر عبدالحافظ: كنت أتوقف للحد من سطوة الشخصيات على «رماد العابرين»

أسماء سعد
نشر في: الجمعة 25 نوفمبر 2022 - 7:39 م | آخر تحديث: الجمعة 25 نوفمبر 2022 - 8:14 م

ــ أنا والقارئ شريكان فى العمل.. والكتابة والقراءة وجهان لعملة الفن
ــ بطل «رماد العابرين» لا يدرك أنه مات ويتبع ذلك بمتاهة من الأسئلة
ــ التصنيفات الأدبية تفيدنا فى فهم مسار ومجرى الكتابة

يستطيع بسهولة تطويع اللغة لترجمة أفكاره المتدفقة إلى نصوص حية ومتماسكة، لا يستغنى عن التقنيات الفنية عند التعبير عن أعمق الأفكار الفلسفية، الموت والحياة، الواقع اليومى أو كل ما هو خارج عن المألوف، مزيج معتاد فى كتابات الروائى ياسر عبدالحافظ.

امتلك عبدالحافظ منظورا مغايرا فى أحدث أعماله «رماد العابرين»، حيث استحوذ سريعا على ذهن القارئ وجعله متورطا فى البحث معه عن سؤال المصير، وماذا لو أن الموت هو مجرد محطة تستبق مراحل أخرى انتقالية، ليحيط ذلك بجدار من المتاهات والأسئلة الشيقة.

> تقوم «رماد العابرين» على فكرة مغايرة، وعوالم غرائبية تتراوح بين الحياة والموت.. ما هو منبت تلك الفكرة، وسبب تفضيلك لها؟
ــ جزء من الإجابة سيكون له علاقة برؤيتى الشخصية للحياة وتصورى عنها وهو أمر يتداخل فيه المكون الثقافى والحضارى، أنا أؤمن بالموت، ليس باعتباره النهاية الطبيعية للحياة بل على اعتبار أنه جزء منها، فلسفة الحياة وقيمتها تستمد قوتها من وجوده، أعمالنا ومسيرتنا فى الحياة تستند إلى مفهومنا ورؤيتنا للموت هذا جزء أصيل من الثقافة والحضارة الإنسانية، باختلاف المفاهيم والتصورات، لكن فى الحضارة المصرية والعربية هناك حضور قوى لفكرة أن الموت هو العتبة الفاصلة بيننا وبين الخلود.
ومثلما أن النظرة للحياة تختلف وتتعدد أشكالها فالموت كذلك، لكن الفكرة السائدة عن الموت تقرنه دوما بالتلاشى وهذا عائد فى ظنى لسيادة نمط حياة يقوم على الجسد وحده ما يعنى بالتبعية النظر إلى التوقف عن مباشرة الحسيات على أنه نهاية، لكن إذا سلمنا بأن الحياة هى للجسد والروح، ثم تتحرر الروح فى المرحلة الانتقالية، فكيف تحيا الروح؟ ذلك السؤال الذى يبدو طفوليا كان المدخل لعالم «رماد العابرين» ووضع افتراض أن فى الموت درجة ما من درجات الحياة منحنى حق التجول فى ذلك العالم المبهم.
الحقيقة أنى منذ فترة أعمل على أفكار مختلفة و«رماد العابرين» كانت تفصيلة فى عمل آخر لكنى وجدت نفسى مشدودا إلى تأملها وحدها قبل أن يصل الأمر إلى إهمال العمل الذى كاد يكتمل لصالحها.. الشخص التائه فى موته والذى بقدرته أن يتحد مع الطبيعة ليقلب قوانين الأرض، ومع أنى استبعدت الفكرة مرات لأنها بدت صعبة التناول لكنها فرضت حضورها علىَّ بالوعود الفنية التى قدمتها!.

> كيف استطعت ابتكار شخصيات «رماد العابرين» بالدرجة التى استطاعوا من خلالها أن ينفذوا إلى مسارات وعوالم مختلفة بين عالمين داخل الرواية؟
ــ يبدأ العمل بالنسبة لى بشخصية واحدة لديها سؤال ما تطوف به عمن يمنحها إجابة عنه، فى هذا العمل كان شادى الذى لا يدرك أولا أنه مات، ثم بعد الإدراك يجد أن موته متاهة جدرانها مبنية من الأسئلة مثلما كانت حياته.
آخر ما أود الانسياق إليه الإغراق فى الحديث عن الإلهام، لكن الاستغراق فى كتابة المسودات التافهة هدفه الوحيد ليس كتابة العمل الذى نخطط له بل الوصول لجوهر العمل، لتلك النقطة التى تتحرك فيها الشخصيات من تلقاء نفسها بعيدا عن إرادة خالقها، فى تلك اللحظة يمكن للشخصيات وبحسب تعبيرك الذى أتبناه معكِ «النفاذ إلى مسارات وعوالم مختلفة بين عالمين» يمكنها الصعود إلى أبواب السماوات والعودة بخبر من هناك.
فى مراحل مختلفة من هذا العمل كنت أتوقف للحد من سطوة الشخصيات على العمل، وعدم الانجرار وراء نايها الداعى لاتبعها على طريق غامض لا خبرة لى به بخلاف ما تمليه. مؤكد أن شخصيات أى عمل فنى تحمل الكثير من أفكار وثقافة وطموح وخيبات وآمال صاحبها، إنما الإيمان المطلق بهذا من شأنه أن يصيب شخصيات العمل بالضعف والعجز، لهذا أترك لشخصيات أى عمل الحق فى أن تكون كيفما أرادت وأنا وهم لا يحكمنا سوى قانون الرواية التى نتشارك صنعها.

> شعرنا فى «رماد العابرين» أنك تحرص على أن تستحوذ سريعا على ذهن القارئ، وتجعله متورطًا فى أحداث الرواية منذ البداية؟ تكرر الأمر فى «كتاب الأمان».. حدثنا عن ذلك؟
أنا والقارئ شريكان فى العمل، الكتابة والقراءة وجهان لعملة واحدة اسمها الفن، أتحدث هنا عن قارئ مفترض أتخيله يملك ثقافة مساوية لما أملك، مضطربًا بشكل ما تجاه العالم، متورطًا ولا حيلة لديه فيما يواجهه، لكن مع ما يعانى منه من عقبات إلا أنه لا يستسلم، ولا يقنع بإجابة جاهزة بل هو من ينشئها ثم إنه بعد ذلك قد يتخلى عنها ليس لصالح إجابة أخرى بل فقط ليبدأ رحلة البحث مجددا.
يجلس القارئ بجوارى ومعنا الشخصيات، يأتى مدعوا منذ اللحظة الأولى، وهو دوما البوصلة التى أهتدى بها خلال الكتابة، وما نشرته وما لم أنشره إلى الآن الفضل فيه لذلك القارئ، لأحكامه وتقييماته وأنا أستمع له بتواضع لا ادعاء فيه وبإخلاص تلميذ على أبواب مدرسة معلمه.
القارئ الذى أعرفه ويعرفنى هو الذى كان الكاتب العربى قديما يؤلف الكتب خصيصا لأن أحدهم سأله هذا، ويخاطبه الكاتب فى مفتتحات كتبه بقوله أيها القارئ الكريم.
هذا ما التزم به فى علاقتى مع القارئ، ومهما تعددت حيل الكاتب الفنية، أدواته وصنعته فإنها لن تكون بقدرتها وحدها الاستحواذ على ذهن القارئ، هذه يسبقها احترام ذهن القارئ، والكتابة بناء على شعور بقيمة الكلمة.

> تنتمى «رماد العابرين» لأدب ما بعد الفناء، أو أدب ما بعد زوال الحياة.. هل تؤمن بتلك التصنيفات وهل يحدد المبدع التصنيف بشكل مسبق، أم يقوده تطور النص إلى ذلك فى مرحلة لاحقة؟
ــ تفيدنا التصنيفات فى فهم مسار ومجرى عملية الكتابة بشكل عام، هى عملية مهمة عندما ننظر لمنتج كل صنف أدبى لإجراء المقارنات والدراسات، وذلك بالضرورة مفيد للكاتب إن كان قد حدد تصنيف ما يكتبه مسبقا، لأننا لا نكتب من فراغ، وأى كتابة تستند بالضرورة على تاريخ طويل يسبقها، تتحاور معها وتضيف إليها.
أنا لا أتعالى على التصنيف، لكننى لا أستطيع القطع برأى هنا وأفضل ترك ذلك للنقد، هل تنتمى «رماد العابرين» لأدب ما بعد النهاية، أم للديستوبيا مثلا أم لا تخضع لكليهما؟ لكن مهما كانت الإجابة، أنا منذ البداية لا أعمل وفق التصنيف، ربما تنتمى الفكرة فى شكلها الأولى إلى تصنيف بعينه لكن ما يطرأ عليها بعد ذلك من التحولات والتحويرات يبعدها بالكامل عما بدأت به.

> كتاباتك مشبعة بالفلسفة والتمكن من منظور مغاير دوما، ما هى التقنيات الفنية التى تساعدك على الكتابة والسرد بهذا الشكل؟
ــ فى تقديرى أن الفلسفة قرينة أى عمل فنى، الفلسفة هنا بمعنى السؤال والدهشة واللذين يهدد غيابهما بانتفاء صفة الفن عن العمل وتحويله إلى عمل استهلاكى أغراضه لا تتعدى التسلية والدرس المباشر للعاجزين حتى عن طرح أحد أسئلة الوجود على أنفسهم.
الفلسفة والمنظور المغاير هما شرطان إذا لإنتاج أى عمل فنى يسعى لتحقيق أحد الشروط التى من أجلها أوجد الإنسان الفن، أن يفهم نفسه وهى العملية التى يقودها طموح الوصول إلى الإنسان الكامل كما فى تراثنا العربى، أو السوبر مان فى التراث الغربى.
أنا لا أكتب لتسلية أحد، لكنى أكتب لأفهم، وليساعدنى على الفهم من أراد مشاركتى، وبهذه الكيفية وهذا التوجه يأتى استخدام الفلسفة طبيعيا بلا قصد ولا افتعال، ولأنى أستند، ومعى شخصياتى، بشكل عام على تراث إنسانى زاخر بالرغبة فى الاكتشاف والولع بالمعرفة، وبشكل خاص على تراث إسلامى وفرعونى مذهل.
فى اعتقادى أن اللغة تأتى على رأس أدواتى فى تحويل النظرى إلى فنى، أنفق الكثير من الوقت على تلك العملية ساعيا قدر الإمكان لاستبعاد العادى والمكرر والسطحى. إلى جانب هذا وبشكل فطرى لا تسير شخصياتى على خط زمنى واحد، الوحدة الزمنية من الأصل مختلفة ووربما سبب هذا إلى نأيهم عن الاهتمام باليومى، والمألوف، والتاريخى.

> ثنائية «الكتابة والنشر» لماذا لا يدفعك مواصلة الأولى باستمرار، إلى استيفاء حق الأخيرة، هل ترى أن النشر ربما تكون مغامرة غير محسوبة؟
ــ المسألة دوما فى اختيار ما أرغب مشاركته مع الآخرين، وهى موازنة لكل كاتب مقاييسه الخاصة فى تطبيقها وبالنسبة لى فمعيارى الأول الشعور بأن العمل الذى أقدمه للنشر مختلف بالكلية عن الأعمال المنشورة، هذا بالطبع يبدو طموحا مستحيلا لكن ما يهون منه أنى لا أقصد الأفضل لأنه لا وجود لتلك المفردة فى عالم الفن، لكنى أسعى للتعبير عن أفكارى فى سياق ومحتوى مغاير لأن الأفكار معرضة لخطر التشابه مع غيرها وفقدان أصالتها إن لم يتم التعبير عنها بجرأة فى الشكل تتماشى مع حداثتها وجدتها.
لدى طموح خاص بأن يكون عملى إضافة إلى فن الرواية، سواء من ناحية البنية أو اللغة أو المعالجة، ويقودنى فى هذا القناعة بأنى لا أكتب لأحكى فقط، فى تقديرى هذا انتهى أوانه، والحكاية وحدها لم يعد لها قيمة بل تستمد قيمتها من الطريقة التى نحكيها بها.

> زرت الولايات المتحدة والصين.. ما الذى فجره ذلك بداخلك إبداعيا، فى ظل التعرض لبيئة وأجواء القوى العظمى فى العالم على مستويات عدة وخصوصا الثقافى؟
ــ دوما ما أقول إننى سعيد الحظ لأن زيارتى للصين وأمريكا جاءت فى وقت متقارب ما مكننى من إجراء المقارنة بين الدولتين اللتين تقتسمان العالم، أن أختبر ما أعرفه نظريا عن الديمقراطية والقمع والقوة والهيمنة، ومهما كانت الاختلافات كيف يمكن صناعة دولة قوية والفصل بينها وبين المواطن، كيف تختفى السياسة من الشارع رغم أنها المسيطرة والحاكمة، من أين يأتى الانتماء وكيف تتم زراعة الأحلام.
أدين للصين، ولشنغهاى تحديدا بجزء كبير من الفضل فى إنجاز «رماد العابرين» الفكرة الأساسية جاءت من الغرائبية التى يحافظ المجتمع عليها كجزء من تكوينه، بعض الأشكال القديمة للحياة التى يتم استغلالها جيدا فى الترويج للسياحة، وأدين للحديقة العامة هناك والتى كنت أقضى بها ساعات النهار حيث كنت أتدرب مع المواطنين على الرياضات الروحية، التاى تشى، والتشى كونج وخلافه.
للطبيعة دور محورى هناك سواء بالنسبة للمواطن أو الدولة، التوازن مع الطبيعة فلسفة أساسية للعمل والحياة، وفى كل وقت يمكن رؤية مظاهر تعامل الناس مع أشكال الطبيعة المختلفة، يمارسون الرياضة والرقص والأكل والشرب فى حضنها، وبهذا الفهم للطبيعة يأتى حق الاختلاف، والتنوع، والسماح لمختلف الأعراق بالتواجد والتعبير عن نفسها، لأن هذا فى الأصل قانون الطبيعة.
فى أمريكا كتبت نصا قصيرا بعنوان «السنجاب الأعمى» وأعمل عليه حاليا ليكون جزءا من نص أوسع لم يتحدد تصنيفه بعد لكن المؤكد أنه يرصد حال مصرى، عربى، مسلم، فى مواجهة تصوراته عن تلك القوى العظمى بعدما يكتشف الفارق بين ما كان يعرفه وما يعيشه، وهى رحلة للبحث عن موقعنا الحالى فى هذا العالم.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك