يكشف كتاب "خرافات أيسوب المصري" عن نصوص لم تنشر من قبل للكاتب المصري الرائد عبد الفتاح الجمل الذي يعد المكتشف الحقيقي لأدباء جيل ستينيات القرن الماضي في مصر، تزامنا مع الذكرى المئوية لميلاده.
ويمثل الجمل، الذي احتفلت وزارة الثقافة المصرية بمرور مئة عام على ميلاده يوم الأحد، علامة فارقة في الأدب المصري، فبعد دراسته في كلية الآداب عُين في صحيفة المساء التي تأسست عام 1956، ثم تولى الإشراف على الصفحات الداخلية في الصحيفة، ومن خلال صفحة الأدب قدم أهم الأصوات الإبداعية في جيل الستينيات الأدبي في مصر ومنهم جمال الغيطاني وجار النبي الحلو وإبراهيم أصلان وعبد الرحمن الأبنودي وصلاح عيسى ومحمد المخزنجي وغيرهم.
وعلى الرغم من دوره الصحفي، ترك الجمل الصحافة قبل بلوغ سن التقاعد، ثم شارك في تأسيس دار الفتى العربي وتولى رئاسة تحريرها في الفترة من 1979 إلى 1985، وكانت الدار معنية بأدب الطفل العربي.
وخلال سنوات عمله، نشر الكاتب الراحل أعمالا منها ( الخوف) و(آمون وطواحين الصمت) و(وقائع عام الفيل كما رواها الشيخ نصر الدين جحا)، كما نشرت روايته (محب) بعد رحيله في 1994 وحظيت باستقبال نقدي حافل.
ويكشف الكتاب الجديد عن نصوص واجه الكاتب الراحل صعوبات في نشرها، وفقا لمحققة الكاتب عائشة المراغي، المحررة في صحيفة "أخبار الأدب"، والتي تقول إن الجمل بدأ عقب تقاعده في ترجمة خرافات أيسوب ونشرت في كتاب مصحوبة برسومات الفنان الإنجليزي آرثر راكهام.
ومن وحي تأثره بها، بدأ كتابة حلقات بعنوان "خرافات أيسوب المصري" كانت تنشر في صحيفة الأهالي الأسبوعية اليسارية، لكنه لم يكمل نشرها بعد أن تكررت اعتذارات الصحيفة عن عدم استكمال نشر الحلقات.
تشير المراغي إلى مقدمة كتبتها صحيفة الأهالي في يوليو تموز 1983 وهي تزف للقراء خبر نشر السلسلة التي يكتبها الجمل، واصفة إياه بأنه "ظاهرة أدبية لن تتكرر"، كما وصفت ترجمة الجمل لخرافات أيسوب المصري، وهي من القصص الشعبية المعروفة في الأدب العالمي، بأنها "عمل فني نادر المثال".
نَشر الجمل في ذلك الوقت 18 خرافة على مدار ما يقرب من خمسة أشهر، مصحوبة برسومات للفنان أحمد عز العرب.
* تقرير اعتذار
ترصد المراغي رحلة النصوص التي استكمل الجمل كتابتها وجمعها في ملف واحد وأضاف إليها نصوصا أخرى، ثم تقدم بها إلى دار المستقبل العربي بغرض نشرها، إلا أن تلك النسخة عادت إليه مرفقة بتقرير اعتذار عن عدم النشر كتبه الناقد الأدبي عبد المحسن بدر الأستاذ في كلية الآداب بجامعة القاهرة.
وقال بدر في تقريره "يلجأ الكاتب إلى الكتابة على لسان الحيوان كما صنع مؤلف كليلة ودمنة، إذ كان يقدم لنا أفكارا بالغة الخطورة في ظل سلطة يخشى الكاتب على نفسه من بطشها".
وذكر الناقد الراحل "المتأمل في مضمون كتاب الجمل يجد أن الكثير مما جاء به قد كُتب أخطر منه كتّاب آخرون بصورة أكثر صراحة ومباشرة، وتبدو الكتابة على ألسنة الحيوان في مثل هذه الحالة جهدا مجانيا لا مبرر له".
لم يثن التقرير الجمل عن إعداد نسخة جديدة من الكتاب أعاد فيها ترتيب القصص وأضاف لها وغير أحيانا في عناوينها، وهي النصوص التي يتضمنها الكتاب الذي صدر في صورته النهائية للمرة الأولى مع عدد يوليو تموز من مجلة الثقافة الجديدة التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر.
تفسر محققة الكتاب المراغي لجوء الجمل إلى خرافات أيسوب بأنها كانت نتيجة ولعه الشديد بكتب التراث العربي "كما ظهر هذا جليا في اهتمامه بالشعر العربي وكتب النثر والتصوف في تراثنا العربي وفي الاقتباسات التي كان يدونها من تلك الكتب في كراسات وقصاصات خاصة، فضلا عن تضمينها في نصوصه الصحفية أو كتبه المنشورة".
وتكشف نصوص "خرافات أيسوب المصري" رغبة الجمل في المزج بين خرافات أيسوب الموجودة في التراث العالمي وقصص كليلة ودمنة بغرض استغلال طابعها الرمزي في توجيه النقد السياسي والاجتماعي.