حمدي قنديل.. شاهد على النكسة في الحلقة الرابعة من مذكراته - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:23 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الشروق» تنشر مذكرات الإعلامي الكبير «عشت مرتين» «4»

حمدي قنديل.. شاهد على النكسة في الحلقة الرابعة من مذكراته

» مايو 1976 « حمدي قنديل مع ضباط على ضفة القناة وإلى اليسار المصور فاروق صالح
» مايو 1976 « حمدي قنديل مع ضباط على ضفة القناة وإلى اليسار المصور فاروق صالح
إعداد ــ إسماعيل الأشول
نشر في: الأربعاء 29 يناير 2014 - 12:31 م | آخر تحديث: الأربعاء 29 يناير 2014 - 1:13 م

شاهدت الطائرات المصرية تحترق على الأرض.. والإذاعة المصرية تعلن إسقاطنا عشرات الطائرات الإسرائيلية

كان الضباط يصيحون بهستيريا.. وأحدهم ظل يخبط رأسه في الجدار حتى سال منه الدم

قبل أن يلقى السادات بيان وفاة عبدالناصر سألته: «بأي لقب أقدمك?.. فرد باقتضاب: «أنور السادات مش كفاية كده؟!»

السادات خذل جيشه المنتصر بعدما أجهض تقدمه إلى الممرات.. وكيسنجر قال إنه «بدد كل أوراق اللعبة من البداية»

نمت في سيارتي على الطريق الصحراوي وحين أيقظني موظف «الاستراحة» لم يلاحظ وجود سعاد حسنى بجانبي

أكاذيب الإخوان روجت أنني كنت أعذب معتقليهم في السجن الحربى ليعترفوا أثناء إجراء الحوارات

لامتنى أم كلثوم على عدم تقديمها بشكل لائق وقالت لي على المسـرح: «ده كل اللي ربنا فتح بيه عليك؟»

والدتي كانت حزينة لمحاورتي عساف ياجورى.. وكان منطقها أنه أسير

من أول نشرة قرأها الإعلامي الكبير حمدي قنديل في «التليفزيون العربي» مع بدء إرساله عام 1960، مرورا بنكسة عام 1967، ولحظات تنحى جمال عبدالناصر، ثم معارك الاستنزاف، وانتصار 1973، وصولا إلى احتلال العراق للكويت عام 1990، يدور حديث صاحب هذه المذكرات الذى «عاش مرتين» بحسب عنوانه الذى اختاره لها.

فى 21 يوليو 1960، بدأ إرسال «التليفزيون العربى» ولم تمر شهور حتى طلب منى رئيس تحرير الأخبار بهى الدين نصر أن أقرأ لأول مرة نشرة أخبار التاسعة الرئيسية.

لما حاولت التملص أبلغنى أن هذه أوامر، «الدكتور حاتم قال: خلوا الجدع السورى ده يقرا لنا النشرة الليلة دى»، وضحك. كان عبدالقادر حاتم يعرف العاملين جميعا واحدا واحدا، إذ لم يكن عددنا عندئذ فى التليفزيون كله يزيد على 600، وكان يظن أننى سورى ربما لأن أحدا أبلغه أننى كنت أعمل بالصحافة فى سوريا قبل التحاقى بالتليفزيون.

كان من المقرر أن يقرأ أنور المشرى تلك النشرة، وكانت أوراقها بالفعل فى يده عندما أبلغوه أن يتخلى عنها لى، لم يغضب، وبرقة بالغة وحرص صادق طلب منى أن أقرأ النشرة أمامه قبل أن أقرأها على الهواء حتى يطمئن إلى إلقائى.

عندما بدأت تقديم برنامج «أقوال الصحف» فى سبتمبر 1961 توقف بعد الحلقة الخامسة، قال لى رئيس تحرير الأخبار: «الوزير بيقول لك استريح شوية». كانت هذه هى الشفرة فى ذلك الحين للإعراب عن غضب السلطة، بعدها علمت أن سبب الغضب هو أننى أوردت خبرا عن الرئيس عبدالناصر فى نهاية البرنامج وليس فى بدايته.

ذهبت إلى مكتب الرئيس فى منشية البكرى، وطلبت مقابلة سامى شرف سكرتير الرئيس للمعلومات، قلت له: «يا سامى بك، أريد أن أعرف من الرئيس شخصيا إذا كان يعترض على إذاعة خبر عنه فى نهاية برنامج»، وحكيت له الحكاية، ضحك سامى شرف وطلب منى الانتظار فى استراحة مكتبه.

بعد قليل نادانى ثانية، وقال: «الريس بيقول لك خد الجرايد وروح على الأستوديو بتاعك على طول من غير ما تكلم حد».

فى سنة 1963 كان يصلنى فى مبنى التليفزيون قفص من المانجو الفاخر كل أسبوع دون أن أعرف مصدره،، وعندما طلبت من الأمن أن يتحرى الأمر أخبرونى أن القفص جاء مع سائق سيارة ليموزين سوداء فارهة ولكنه يرفض الإفصاح عن اسم المرسل.

انتظرت للأسبوع التالى، وتتبعت السائق، وما إن ركب السيارة حتى فتحت بابها الخلفى وقفزت داخلها، أخذت أسأل: «مين اللى قاعد جنبى؟ مين اللى قاعد جنبى؟»، وعندما جاءنى الجواب عرفت أنها امرأة.

طلبت منها أن تخلع الخمار، وعندما فعلت تمنيت لو لم أكن ألححت فى الطلب، كانت دميمة للغاية فغلبنى إحباط شديد، ولكننى حاولت أن أكون لطيفا بل وافقت على تلبية دعوتها على العشاء، ذهبنا إلى كازينو مجاور لقصر العينى الجديد، وما إن جلست حتى نادت النادل: «هات له كيلو كباب».

كظمت غيظى وأنا أقول لها: «أولا أنا الذى أنادى الرجل لا أنتِ، ثانيا ما حكاية هات له هذه؟ وأخيرا: الكباب هنا ليس بالكيلو ولكنه بالطبق».

بعد العشاء مدت يدها تحت المائدة وبدأت تلعب فى بنطلونى فاستعذت بالله من الفضيحة التى يمكن أن تحدث، حتى اكتشفت أنها تمد لى يدها بعشرة جنيهات لأدفع الحساب، اعتذرت شاكرا، وتنفست الصعداء عندما غادرت، ولما جاء الثلاثاء التالى ولم يصل قفص المانجو لعننى كل الزملاء الذين كانوا ينتظرون القفص كل أسبوع. ما أذكره عن تلك السنوات من حياتى فى التليفزيون أننا كنا سعداء، راضين برواتبنا المتواضعة، بدأت بـ 14.5 جنيه، وانتهت بـ 55 وكنت أتقاضى 70 جنيها بدل ملابس فى السنة، فى هذه السنوات اشتريت سيارة نصر 1300 بقسط شهرى 20 جنيها على مدى 24 شهرا، كما تزوجت من زميلتى مذيعة النشرة الفرنسية فى الإذاعة علية البرعى فى عام 1966 فى حفل استقبال فى فندق شبرد أظن أنه كان أنيقا كلفنى 240 جنيها، بالتقسيط أيضا.

عندما علم الأستاذ أنيس منصور بنيتى فى الزواج قال لى: «اوعى تعملها يا حمدى، إنت طالع، واللى طالع لازم يخفف الحمولة»، أشهد أن حمولتى لم تحل بينى وبين ارتقاء درجات السلم، إن لم تكن قد دفعتنى إلى مزيد من الصعود.

بعد حفل افتتاح مهرجان التليفزيون الدولى فى الاسكندرية عام 1964، وعندما أوشكت أن أغادر قابلت سعاد حسنى ولما علمت أننى مغادر إلى القاهرة طلبت منى أن أصطحبها معى لأنها مرتبطة بتصوير فى القاهرة.

انطلقنا حتى وصلنا إلى الاستراحة فى منتصف الطريق الصحراوى، وهناك غلبنى الإجهاد والنوم فسألتها إذا ما كانت تستطيع قيادة السيارة بدلا منى فقالت إنها متعبة تماما، وهكذا استغرقنا فى النوم كل فى كرسيه حتى جاء موظف فى المكتب ودق على الزجاج: «إصحى يافندى النهار طلع»، ولا أظن أنه تبين أن النائمة إلى جوارى هى سعاد حسنى.

وما أدراك ما الستينيات

كنا فى عام 1962 عندما طلب التليفزيون منى فى الدقيقة الأخيرة تقديم حفل نادى ضباط الجيش بالزمالك مساء 26 يوليو احتفالا بالذكرى السنوية لطرد الملك، بعدما تغيب عن الحفل مقدمه الأصلى.

عندما وصلت علمت أن مهمتى ستقتصر على تقديم أم كلثوم، وجدت أن الأمر لا يحتاج إلى عناء، وصعدت إلى خشبة المسرح فوجدت أمامى على بعد أمتار جمال عبدالناصر جالسا فى الصدارة ومن حوله أعضاء مجلس قيادة الثورة، لكننى لم أتحقق من شخصياتهم لأننى لم أستطع أن أحول نظرى عن عبدالناصر، وعلى الرغم من أنه ابتسم ابتسامة عريضة مشجعة فإن رعشة خفيفة أصابتنى، وبعد ثوانٍ من الصمت قلت: «أيها السادة، إليكم أم كلثوم»، وقفلت عائدا، فوجدت أم كلثوم فى طريقى تتقدم على خشبة المسرح، فاستوقفتنى وقالت: «ده كل اللى ربنا فتح بيه عليك؟».

جحيم النكسة

أتذكر يوم 5 يونيو 1967 بكل تفاصيله، عندما وصلنا إلى الشئون العامة للقوات المسلحة قيل لنا إننا سنذهب إلى قاعدة فايد الجوية التى سيصل إليها الفريق طاهر يحيى، رئيس وزراء العراق، ليتفقد القوة العراقية المرابطة هناك، وسيرافقه فى الزيارة حسين الشافعى نائب الرئيس.

كان معى المصوران محمد رجب وفاروق صالح، ومهندس الصوت محمد البلتاجى، وصلنا وقت الإفطار، فتناولنا إفطارنا مع الطيارين المصريين فى «ميس» الضباط، ثم قمنا بتصوير وصول الضيف العراقى، وبعدها اتجهنا إلى القوة العراقية التى كانت تقوم بتدريبات روتينية.

وفجأة، بينما نحن هناك إذا بدوى انفجار هائل تبعته انفجارات أخرى متتالية، وكانت الساعة وقتها تشير إلى التاسعة إلَّا الربع، أخذتنا المفاجأة فلم نتبين تماما ماذا حدث، إلَّا أننى بعد دقائق لمحت طائرة تحترق عن بعد على المدرج، وبعدها مباشرة لمحت طائرة إسرائيلية تمرق فوقنا فى الجو، وتتالت الانفجارات، سارعنا إلى سيارة التليفزيون، وعندما سألنا السائق: إلى أين؟ قلت: «تحرك فى أى اتجاه لكن بسرعة».

بعد أن ذهبت بنا السيارة يمينا ويسارا ونحن لا نعرف أين المفر، انتهى بنا الأمر فى نادى الطيارين على ضفاف القناة، كان هناك نحو 20 طيارا يتصايحون بهستيريا، وظل واحد منهم يخبط رأسه فى جدار حتى سال منه الدم.

فهمت من أحدهم أن معظمهم فقدوا طائراتهم قبل أن يصلوا إليها، وأن ثلاثة من زملائهم فقط استطاعوا الطيران لكنهم لا يعلمون مصيرهم.

خرجت من المكان قبل أن أصاب بالجنون، وعندما وصلت إلى السلم الأمامى إذا بسيارة جيب مكشوفة قادمة وفيها حسين الشافعى جالس إلى جوار الجندى السائق، سألنى إن كانت لدىّ معلومات مفصلة عما حدث فأجبته بما أعرف، قال إنه سيعود إذن إلى القاهرة، لكنه استدرك: «تفتكر ناخد أى طريق؟»، نصحت بالطريق الصحراوى.

عدنا نحن على الطريق الزراعى الذى كان يمر بثلاثة مطارات عسكرية هى أبوصوير ثم بلبيس ثم أنشاص، لعلنا نستطيع أن نجد شيئا مناسبا للتصوير، وكانت الطائرات الإسرائيلية تدوى فوق رءوسنا بين حين وآخر فنغادر السيارة ونرتمى إلى جانب الطريق، أما المطارات فكانت تتصاعد منها النيران جميعا، فى حين كان راديو السيارة ينقل لنا أخبارا عن عشرات الطائرات التى أسقطتها قواتنا.

المؤكد أن قيادة الجيش خدعتنا خدعة كبرى، وللأسف فإننا تحققنا من ذلك بعد ساعات، فقد علمت فى صباح اليوم التالى 6 يونيو أن عبدالحكيم عامر أصدر قراره فى الفجر بانسحاب الجيش من سيناء.

بالرغم من شعبية عبدالحكيم عامر بين كثير من الضباط، فإننى لم أنبهر به على مدى السنوات القليلة السابقة منذ انفصال سوريا عن دولة الوحدة فى سنة 1961، وذلك بسبب سلوك أعوانه المدللين فى دمشق وبسبب فسادهم الذى انتشرت روائحه فى القاهرة، ولم أكن أعتقد أنه يملك الكفاءة اللازمة لقيادة جيش مثل جيش مصر.

التنحي

يوم 9 يونيو عندما ألقى عبدالناصر خطاب التنحى، كنت فى أستوديو 4 وقتها مع همت مصطفى حيث قدمنا الخطاب الذى بدأ بثه من بيت عبدالناصر فى منشية البكرى فى السابعة مساء، ولما وقعت المفاجأة المذهلة عندما قال: «قررت أن أتنحى تماما ونهائيا عن أى منصب رسمى أو دور سياسى»، وقبل أن يكمل الخطاب حتى نهايته، قررنا معا أن نطالب عبدالناصر بالبقاء.. «كلام رجالة؟»، سألت همت.. قالت: «كلام رجالة».. انطلقنا فور أن انتهى الخطاب.

بعد دقائق طلبنا الوزير إلى مكتبه، وعندما دخلنا صاح فينا: «إنتو عملتوها مسرحية؟ الريس يتنحى وبعدين التليفزيون بتاعه يقول له: لأه؟».. جادلته همت، وانطلقت أنا إلى شباك مكتبه أفتحه وأقول له: «يا سيادة الوزير اسمع الناس وأنت فى الدور التاسع بتقول إيه»، كان الصياح من حوارى بولاق يتصاعد مطالبا الرئيس بالبقاء وتحمل المسئولية، ولم نكن ندرى وقتها أن مصر كلها بل وشعوب العرب جميعا تطالبه بأن يبقى.

أثبتت الأيام أن بقاءه كان الضمان الأول لاستنهاض الهمم وبدء حرب الاستنزاف ووضع الخطة التى كانت أساسا لحرب أكتوبر، وفى أيام قليلة بدأ الجيش يستعيد روحه فانتصر فى معركة رأس العش بعد ثلاثة أسابيع فقط من النكسة، ثم أغرق الباخرة إيلات وبدأ حرب الاستنزاف عندما رفع عبدالناصر شعار «لا صوت يعلو على صوت المعركة»، واستهل هذه الحرب بإقامة حائط الصواريخ الشهير.

فى 28 سبتمبر 1970 انتقل عبدالناصر إلى بارئه، ما إن تتالى بث آيات القرآن الكريم على الشاشة وأنا فى البيت حتى هرولت إلى مبنى التليفزيون، طردت من ذهنى أن يكون عبدالناصر قد أصابه سوء، ومع ذلك فقد طاردنى هاجس أنه ربما يكون قد اغتيل، ولعل هذا ما دفعنى إلى الذهاب لا إلى إدارة الأخبار وإنما إلى مكتب الوزير.

هناك كانت تنتظرنى الصاعقة.. لم يكن الأستاذ هيكل الذى عين وزيرا للإعلام قبل عدة شهور فى المكتب.. حضر أنور السادات ليلقى البيان، وصحبته إلى أستوديو 4، وتهيأتُ لأن أقدم السادات وأعلن أنه سيوجه بيانا إلى الأمة، وكان ذلك فى الساعة الحادية عشرة إلَّا خمس دقائق، لكننى قبل أن أظهر على الشاشة بثوانٍ تذكرت فجأة بأى صفة أقدمه، فربما يكون قد حدث فى الساعات القليلة السابقة ما لا أدريه.. سألته: «بأى لقب أقدمك سيادة النائب؟».. رمقنى بنظرة لم أتبين عندئذ معناها وقال: «أنور السادات، مش كفاية كده؟!».

كان للثورة أخطاؤها ولاشك، وفى مقدمتها مصادرة الحريات وسيطرتها على الإعلام، عن نفسى فقد اعتذرت للإخوان المسلمين منذ سنوات عن الأحاديث التى أجريتها مع المعتقلين منهم فى السجن الحربى عام 1965، وقد راجت فى بعض مؤلفات الإخوان بعدئذ أكذوبة، أننى كنت أطلب من ضباط السجن أن يبدلوا المعتقلين الذين كنت أستجوبهم بآخرين حتى أحصل على اعترافات صريحة، بل إننى كنت أصفع بعضهم إن لم يعترف الاعتراف الذى أريد، وأشارك فى تعذيبهم أحيانا!

أيقنت أننى ارتكبت خطأ مهنيا وأخلاقيا باستجواب معتقلين قيدت حريتهم فاعتذرت، ورحب الإخوان باعتذارى بامتنان، ولكننى عندما اختلفت مع مرسى فى 2012 وهاجمته، عادوا عن طريق تنظيمهم الإلكترونى يذكِّرون، فى لغة لا علاقة لها بدين ولا خلق، بحكاية السجن الحربى ويضيفون إليها روايات وروايات عن عبدالناصر وحكمه وأيام الستينيات التى كثيرا ما كرروا أنهم لم يشهدوا فيها سوى المذابح والمشانق.

عندما جاء عام 1973، ذهبت إلى مكتب الدكتور عبدالقادر حاتم مباشرة، وعندما قابلته قلت: «جئت لأسلم نفسى إذا كان بمقدورى أن أساهم بشىء»، أشهد أن الدكتور «حاتم» لم يتردد، طلب منى النزول إلى الأستوديو مباشرة، حيث أقمت إقامة تكاد تكون دائمة عدة أيام هى الأيام التى سبقت انسحاب القوات المصرية الذى وصفته السلطة وقتئذ بأنه «انسحاب تكتيكى» بسبب «ثغرة الدفرسوار» يوم 15 أكتوبر.

فى ذلك الوقت أجريت الحديث الشهير مع الكولونيل «عساف ياجورى» صاحب أعلى رتبة بين الضباط الإسرائيليين الذين أسرهم الجيش المصرى.

عندما عدت إلى المنزل قابلتنى والدتى بوجه عابس، ثم إذا بها تعاتبنى على إجراء حديث مع ياجورى، لم أستطع أن أضبط أعصابى فصحت: «تعاتبيننى يا أمى على الحديث؟ ليه؟ لأن الرجل كان إسرائيليا؟» قالت: «لا، لأنه أسير»، أفحمتنى إجابتها فلم أنطق بكلمة.

كنت ولا أزال أعتقد أن الرئيس السادات خذل جيشه، إذ إن الجيش كان قد حقق فى الحرب انتصارا مبهرا، وكان باستطاعته التقدم إلى الممرات فى سيناء مما يضع مصر فى موقف تفاوضى أفضل عند انتهاء العمليات العسكرية، لكن السادات أجهض هذا التقدم فى وقت مبكر، حتى إن صديقه «هنرى كيسنجر» قال إنه بدد كل أوراق الضغط التى كان يمتلكها فى البداية.

غزو الكويت

عندما غزا صدام الكويت فى 2 أغسطس 1990 كنت فى غاية القلق على أصدقائى هناك، كنت أريد معرفة ماذا حدث لهم، وخاصة جواد بو خمسين على وجه الخصوص، وكان واحدا من كبار رجال الأعمال فى الكويت، فوجئت برجل يتصل بى من الأردن، يقول بلهجة يمنية: «معى خطاب عاجل من أبو عماد وهو مهم جدا.. أرجوك أن تقابلنى فى عمان».

هرولت إلى عمان لأتسلم الخطاب الذى أبلغنى فيه بوخمسين أنه نجح فى تهريب عائلته، وأنها فى طريقها الآن إلى القاهرة حيث ستقيم فيها تحت مسئوليتى، ولكن المسئولية الفادحة بالفعل كانت تنتظرنى فى مظروف آخر كبير حمله الرسول ذاته، فقد كانت فيه رسالة مفادها أن «هذه الأوراق هى توكيلات رسمية لك منى بالتصرف فى أموالى»، كانت الأوراق موجهة منه إلى البنوك التى يتعامل معها فى القاهرة وبيروت ولندن، وكانت حساباته فيها بملايين يصعب إحصاؤها، أما سطور الرسالة الأخيرة فكانت بالعامية المصرية: «أما عن نفسى، فأنا مش طالع من هنا».

بعد أسابيع قليلة جاءنى صوته فى اتصال تليفونى يبلغنى أنه مع أصحابه الذين أعرف بعضهم ينظمون هناك صفوف المقاومة، تبين أن هؤلاء الرجال ومئات غيرهم قد نظموا تحت الاحتلال ما يشبه الحكومة المدنية، وحملوا السلاح وحملوا القلم أيضا.

كان معظم من تبقى فى الكويت وقتها هم أقل الناس دخلا ممن لم يستطع الهرب، وكانت هناك شبكة محكمة تنقل الغذاء والمال ممن عنده إلى من ليس عنده، كانت هناك خلايا من الأطباء المتطوعين، وكان المهندسون وغيرهم من أصحاب المهن يوزعون الخبز والزيت والأرز وكبار القوم يجمعون القمامة.

كان صدام يظن أنه سيكون الطرف الرابح، وكانت الولايات المتحدة تظن أنها الرابحة، ولكننا بعد انتهاء «عاصفة الصحراء» اكتشفنا أن الرابح الوحيد من الحرب كانت الـ CNN

كانت محطة تليفزيون CNN قد أنشئت فى الولايات المتحدة فى عام 1980، لكنها لم تعرف على المستوى العالمى سوى بعد غزو الكويت، وربما لهذا يقول كثيرون إنها ولدت مع الغزو الذى كلفت بتغطيته عديدين من مراسليها ونقلت كل أحداث الحرب خطوة بخطوة، وكان كل من الجانبين العراقى والأمريكى يوجه إنذاراته إلى الآخر من خلالها.

بعد دحر القوات العراقية ذهبت إلى الكويت وكان المطار الذى خرجت منه ودخلت مرات ومرات من قبل خرابا يبابا.. «أكو أوامر أن يحرق الأصل (العراق) الفرع (الكويت) وتأكل الأم كالقطط أولادها»، قالها ضابط عراقى بزهو إلى جمع من الأسرى الكويتيين: «المحافظة 19 لا يمكن أن تكون أكثر بهاء من العاصمة بغداد، سنسويها بالأرض حتى تصبح أحقر من أقذر أحياء البصرة»، لكن القدر الساخر جعلنا نرى البصرة تدمر، ومعها كركوك وكربلاء ومائة مدينة ومدينة فى العراق ذاته، أما الكويت فقد ظلت معظم مبانيها على حالها أو أقرب ما تكون إلى ذلك.

ورغم كل الخراب الذى خلفه العراق فى الكويت فإنه يهون أمام الجريمة الكبرى، حيث أحرقت القوات العراقية أكثر من 700 بئر للبترول قبل انسحابها، وهكذا غطت السماء سحابة سوداء امتدت إلى الدول المجاورة (استغرق إطفاؤها 8 أشهر).

الحلقات السابقة:

حمدي قنديل في «مذكراته»: تعاونت مع جارى الشيوعي في توزيع المنشورات بمسجد السيد البدوي

حمدى قنديل: وقفت مع ياسر عرفات على هضبة فى اليونان وحاول إقناعى أنه يرى فلسطين

حمدي قنديل بمذكراته: ترشحت للانتخابات فى دمشق.. وطالبنى ضابط مصرى بالانسحاب «حتى لا ينالوا من الوحدة»(3)



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك