الأرقام - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 2:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأرقام

نشر فى : الأحد 1 مايو 2011 - 9:03 ص | آخر تحديث : الأحد 1 مايو 2011 - 9:03 ص
أدعو كل رجال الإحصاء المصريين إلى العمل على تأسيس مراكز للرأى واتجاهات الرأى العام ومراكز للاحصاء، كما أدعو الحكومة ورجال الأعمال الشرفاء إلى دعم هذه المراكز التى يجب أن تكون نواة بناء قاعدة إحصائية، دونها لن تتمكن المؤسسات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية التى تتشكل الآن من صياغة مشاريعها العلمية والفكرية والحضارية.

كانت مراكز الاحصاء فى مصر حتى الآن حكرا على الدولة مثلها مثل تأسيس قناة تليفزيونية أرضية أو إذاعة اف ام، وقد استطاع رجل أعمال الحصول على ترخيص إنشاء محطة إذاعية ولكن لم يستطع أحد حتى الآن الحصول على حق إنشاء مركز إحصائى خاص على حد علمى، وقد حاولت منذ عشرين عاما تأسيس مركزا لاتجاهات الرأى العام وانتهى بى الأمر فى مكتب أمن الدولة فى الدقى فى سين وجيم، وأمرنى الضابط الذى يحقق معى فى نهاية التحقيق بنسيان الأمر برمته ما حييت، وأجدنى اليوم ما زلت أحيا وأمن الدولة فى حيص بيص.

●●●

هناك تضارب فى الأرقام الأساسية الخاصة بالبناء السكانى وبالبطالة وبالضمانات الاجتماعية وبالرقعة الزراعية وغيرها الكثير فى المراكز الاحصائية المختلفة التابعة للوزارات والهيئات الحكومية ومركز دعم اتخاذ القرار والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وهو أمر لا يمكن أن يؤدى إلا إلى تخبط كامل فى عملية اتخاذ القرار وفى عملية بناء برامج سياسية واقتصادية حكومية وحزبية. فكيف يمكننا رسم سياسات صحية دون معرفة خريطة رقمية واضحة لأنواع الأمراض فى كل مدينة، ونسبها، وتوزيع نسبة الأطباء للسكان فى كل مركز، وكذلك الخدمات الصحية الموجودة ومدى جودتها، وكل ما يتعلق بالدورة المالية للعلاج. وكذلك الأمر فى رسم سياسات تعليمية فنحن نحتاج إلى عشرات الاحصاءات الدقيقة المتعلقة بكل ما يتعلق بخريطة العملية التعليمية وكتابة بعض ما نحتاجه من أرقام فى هذا الخصوص يكفى لملء صفحة كاملة من هذه الجريدة، أعلم أن وزارة التربية والتعليم لديها أرقام ولكنها غير كافية، ودون هذه الأرقام لا يمكن لأى حزب اليوم أن يبنى سياسته وبرامجه المتوافقة مع أيديولوجيته.

والاشكالية هنا ليست فى تضارب المعلومات ولكن فى عدم الثقة فى مصادر هذه المعلومات، نحتاج إلى مراكز تكتسب مصداقية بعملها الجاد والعلمى وهذا أمر لن ينتج إلا بالمنافسة.

●●●

من أجل بناء مجتمع ديمقراطى لا سبيل أمامنا إلا العمل على بناء قاعدة رقمية علمية معرفية نستطيع من خلالها أن نتحرك، ولا سبيل أمام الأحزاب لتتشكل وتعمل بكفاءة إلا أن تتاح لها أرقام حقيقية حول اتجاهات الرأى العام، فى جلسة ضمتنى بالأمس إلى مجموعة من الأصدقاء دار الحديث كالعادة فى الشأن السياسى ووجدتنى كالعادة أيضا مقيدا لعدم وجود أرقام أستطيع الاعتماد عليها لتكوين وجهة نظر فى مجتمع ديمقراطى يجب أن تتوفر كل البيانات الخاصة بالمجتمع، والطريق سوف يكون شاقا لتحطيم ثقافة أصيلة فى الدولة المصرية ألا وهى ثقافة اللا شفافية، فالأصل فى الأشياء لدى المسئولين أنه: «لا تداول للمعلومات وللأرقام». فهذه الأرقام يجب أن تظل حبيسة كهنوت النظام، يجب أن نبدأ فى زرع ثقافة الأرقام داخل بنية ثقافتنا المصرية بدءا من التعليم الأساسى، فرغم دعم الدولة لمدة نصف قرن لاحتقار دراسات العلوم النظرية والانسانية والإعلاء من شأن دراسة العلوم الطبيعية والتطبيقية، إلا أن المجتمع المصرى لم يتقبل بعد ثقافة الأرقام، وأجده يعتمد بدلا عنها على حدسه وبديهيته، وهو أمر واضح تماما ويكفى أن نستمع إلى رجال السياسة والفكر وهم يتحدثون فى وسائل الإعلام، فسوف نجدهم يتحدثون وكأنهم داخل دوار العمدة، حديثا لا يستند فى معظمه على إحصائيات وأرقام تُشرّح جسد المجتمع المصرى.

●●●

لا يمتلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم هو الآخر إلا سلسلة من المشاعر والأحاسيس الملتصقة بحدس فلان وذكاء علان وادعاء معرفة تلتان بأرقام عن شعبية تيار سياسى أو اتجاه سياسى، فما هى النسبة المئوية اليوم التى تنتوى التصويت فى الانتخابات التشريعية؟ لا أحد يعلم، يعلو صوت الإخوان المسلمين هذه الأيام وهم يتحدثون بكل عنجهية عن مدى الشعبية التى يحظون بها؟ أؤكد لكم أن المرشد العام لا يعرف على الإطلاق أرقاما يمكن أن يعتمد عليها، أنا على ثقة أنه يشعر بشىء ما فى هذا الخصوص ولكنه لا يعرف رقما يستند على دراسة علمية شاملة، ما عدد المصريين الذين يريدون الانضمام إلى أحزاب؟ ما هى النسبة المئوية من سكان قنا التى تعترض على تعيين اللواء عماد شحاتة ميخائيل؟، أسئلة لا حصر لها وكلها لا غنى عنها لبناء مجتمع ديمقراطى، ليس هناك بديل عن صناعة مراكز إحصاء ومراكز اتجاهات رأى عام وفتح الباب على مصراعيه لتداول المعلومات والأرقام، هذا هو الأساس لبدء الحوار المجتمعى الحقيقى الذى سوف يغير وجه مصر.
خالد الخميسي  كاتب مصري