ومازال «الشعب يريد» - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ومازال «الشعب يريد»

نشر فى : الأحد 1 يونيو 2014 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأحد 1 يونيو 2014 - 11:53 ص

«ذهبت السكرةُ وجاءت الفكرة».. هكذا كان العربُ قديما يقولون، وهكذا قلناها قبل عامين، يوم نزل المصريون «أنفسهم» إلى الشوارع يحتفلون بانتخابهم أول رئيس مدنى يختارونه «بأنفسهم» عبر صناديق اقتراع «شفافة». (لمن نسى أو أنساه تعاقب الأحداث وتعاقب الصور أن يعود إلى الصفحات الأولى لصحف الخامس والعشرين من يونيو ٢٠١٢، أو إلى رابط الفيديو المصاحب لهذا المقال).

«ذهبت السكرة وجاءت الفكرة».. قلناها يومها؛ قبل عامين. ونكررُها اليوم، رغم اختلاف السياقات والتفاصيل. فمصر هى ذاتها، وإن بدت أكثر تعبا، وأقل يقينا. مصرُ هى ذاتها، تحملُ على كتفيها عبءَ «نظام» طال استبدادُه، وتراكم فسادُه، وتشابك هذا مع ذاك. وأحسب أن المهمة الأولى أمام الذاهب اليوم إلى القصر، إن أراد حقا أن يخطو بنا إلى المستقبل ــ هى ذاتها، رغم «الغموض»، واختلاط الأوراق، وتداخل المراحل. ورغم محاولة الزاعقين أن يغطى «ضجيج طبولهم الكاذبة» على هتاف الناس «الحقيقى والجامع» فى هذا اليوم البعيد، والذى لخصوا به مطالبهم كلها فى عبارة واحدة عبقرية توحدوا حولها، قبل أن تصير عنوان مرحلة لم تنته بعد فى بلدان التغيير العربى كلها: «الشعبُ يريد إسقاط النظام».

بغض النظر عن التفاصيل، وهى كثيرة ومؤثرة.. ودامية، ها هو رئيس جديد ذاهب إلى القصر. وها هو مطلب الجماهير القديم «الذى لم يتحقق» كما هو يطرق باب القصر.

أعرف أن مياها كثيرة، ودماء أكثر قد جرت فى النهر، منذ التقط Dylan Martinez مصور «رويترز» هذه الصورة. وأعرف كما يعرف كل طبيب، أن هناك من أنسته مرارةُ الدواء آلامَ المرض. وأعرف أن حربَ الأوهام والأكاذيب، أوصلت الكثيرين إلى حالة «اللايقين»، خاصة بعد أن نجح المزيفون على الجانبين فى ترويج ثنائيتهم العقيمة: دولة الإخوان أو دولة مبارك.. فتاه الناس. ولكنى أعرف أيضا أن «المعادلة الصفرية» ليست قدرا، وأن «المصريين خمسة» (الشروق: ١٨ مايو ٢٠١٤) وأن الهتاف / المطلب القديم كامن فى ضمائرهم وأحلامهم، وإن لم يعودوا يرفعون لافتاته أو حتى يتذكرونها.

•••

«الشعبُ يريد إسقاط النظام»؛ عبارة من أربع كلمات لا أكثر؛ جامعة مانعة كما يقول المناطقة. لخص بها الشعب مطلبه يومها متجاوزا ما ظنه البعض مجرد الإطاحة بالرئيس، أو ما تمناه البعض مجرد إقصاء للوريث «القادم من خارج المؤسسة».

النظام الذى طالب الناس وقتها باسقاطه، هو ذلك الذى نبهنا يومها (وجهات نظر: فبراير ٢٠١١) إلى أنه سيستفيد من حمق معاركنا الصغيرة ليعود. وهو النظام الذى كان بعض ما وصفناه به يومها أنه ذلك الذى يصبح فيه الخوف، ومن ثم «نفاق السلطة» أيا ما كانت هذه السلطة؛ الأداة الوحيدة للحفاظ على المكان.. أو للفوز بالمكانة. يتساوى فى ذلك وزراءٌ وخفراء، ورجالُ دين وسياسة وفكر.. ليبدو الأمرَ كله فى نهاية المطاف «ثقافة شعب» أو بالأحرى «ثقافة مرحلة».

النظامُ الذى طالب الناس يومها بإسقاطه هو ذلك النظام الذى لا يدرك أن «السلطة المطلقة، مفسدة مطلقة». مهما تزينت تلك السلطة «المطلقة» بشعارات دينية أو وطنية. ومهما زين لها المنافقون أن المصلحة الوطنية تقتضى أن تصبح «القوة فوق العدل».

هو النظامُ الذى كان يعصف بالقانون، فأصبح يتعسف فى استخدام ما تسمح به نصوص القانون.

النظامُ الذى كان قمعيا، فأصبح يقنن القمع وينجح فى أن يصفق له المقموعون.

نظامٌ لا يعنيه أن يكون استقلال القضاء استقلالا حقيقيا، يشعر به الناس ميزانا لا يهتز وعدالة عمياء. نظامٌ لم يكترث القائمون عليه يوما لخطورة أن يتعمق لدى المواطن شعورٌ باليأس من اللجوء إلى التقاضى «سبيلا سلميا لحل المنازعات». غير مدركين أن فقدان الثقة فى القضاء، إذا حدث يصبحُ الأمن الاجتماعى مهددا. كما يصبح مفهومُ الدولة ذاته فى خطر.

النظامُ الذى يقوم على «التحريات الأمنية» التى قد تخطئ أو تصيب. وتتحكم فيه تقاريرُ الأمن فى كل شىء، من تعيين السعاة فى المكاتب، وحتى اختيار العاملين فى معامل الجامعات. النظامُ الذى كان يسمح بأن يحدث مثل ما حدث مع خالد سعيد وسيد بلال، ثم بات يسمح بأن يحدث ذلك مع كثيرين مثلهما بتنا لا نعرفهم من كثرة الأسماء.

النظامُ الذى يسمح بإجراءات تدفع الصغير عبد الله عاصم إلى الهجرة، وتسمح بثقافة ديماجوجية تتهم عصام حجى «بالعمالة» لمجرد أنه تجرأ فذكر ملحوظات علمية على ما يفترض أنه «ابتكار علمى».

النظام الذى يدفع من يستطيع من الشباب إلى النظر خارج الحدود. ويدفع كثيرين ممن كانوا قد عادوا إلى مصر بعد يناير إلى إعادة النظر فى قرارهم.

النظام الذى يقوم على شبكة مصالح مترابطة بين السلطة والمال وأصحاب القدرة على البطش الأمنى، ويقوم على «توريث» فج للمناصب والنفوذ. وشراء حقيقى للذمم والضمائر.. والأرض.

نظام لا يكون فيه «المواطنون أمام الدولة والقانون سواء» رغم أنف الدستور، فيحرم شابا من وظيفة «يستحقها» لأن تقارير «أمنية» أشارت الى أنه سلفى أو شيوعى أو شيعى أو بهائى أو منتم للإخوان المسلمين. كما يحرم آخر، رغم تفوقه من «الوظيفة المرموقة» لا لسبب إلا أنه «مسيحى» أو ينتمى إلى طبقة اجتماعية «مكافحة».

النظام الذى كان رئيسُ الدولة لثلاثين عاما كاملة يخرج فيه فى كل مناسبة ليتساءل: «من أين يطعم شعبه»، ثم يفاجَأ أولئك الجياع بأنه كان يعوم على بحر من الفساد والمليارات المنهوبة.

النظام الذى يضطر فيه الناس إلى تجنب كثيرا من الحديث الهاتفى، حتى الشخصى مع عائلاتهم خشية أن يسمعها أو يقرأها العامة غدا «مستلة من سياقها» على هذه القناة أو تلك الصحيفة.

النظام الذى لا يتحمل باسم يوسف أو بلال فضل، ويجد فى «النصوص» ما يمنع عمرو حمزاوى وغيره من السفر، ثم لا يهتم كثيرا بالنصوص؛ دستورا كانت أو قانونا حين يحول «بإجراء أمنى» بين كاتب بقامة فهمى هويدى وبين طائرته التى كانت على وشك الإقلاع.

النظام الذى لا يدرك أن الصمت وإن أراحه، فهو يترك أمراض السلطة الأليجاركية «ثلاثية المفعول» تسرى فى هدوء مميت، فلا يفيق إلا وقد انهارت أساساته، فيسقط على من فيه؛ دولة فاشلة لا مكان لها فى العصر الحديث.

النظام الذى لا يسمح فقط بما قرأناه قبل أيام فى حيثيات حكم المستشار أسامة شاهين فى قضية القصور الرئاسية، بل يطيح بمُثل وقيم ومستقبل ظابط مهندس شاب، بعد أن يدفعه دفعا فى طريق ربما لم يكن ليخطو فيه خطوة واحدة لولا ثقافة إفساد سادت، لتجعل من الفساد اعتيادا يألفه الناس ويعايشونه فلا يأنفه هذا أو ذاك. (لمزيد من التفصيل يرجى العودة إلى ما كتبه حسام بهجت فى موقع «مدى مصر» بتاريخ ٢٠ مايو ٢٠١٤)

من سطور حيثيات الحكم فى قضية قصور الرئاسة، وبغض النظر عن الأسماء والتفاصيل: «أنه وقت الواقعة كان رئيسا للجمهورية.. واعتمادا على سلطان تلك الوظيفة وسلطاتها وما تخولها لصاحبها من سلطة الأمر والتوجيه وما تفرضه فى نفوس مرءوسيه من رهبة وامتثال لتنفيذ أوامره أصدر المتهم الأول تعليماته وأوامره المباشرة وغير المباشرة إلى مرءوسيه وموظفيه برئاسة الجمهورية وهم يعملون تحت إمرته بتنفيذ أعمال.. الخ»

تتحدث العبارات هنا عن «سلطان السلطة، ورهبة المرءوسين»، وهى ثنائية لا تدانيها فى تعبيد الطريق نحو الفساد والدولة الفاشلة، غير الثنائية «المطلقة» للسمع والطاعة.

«السلطة المطلقة.. مفسدة مطلقة» هكذا تعلمنا، وكان أن قرأنا فى كتب السياسة وتجارب السابقين أن الفساد لا عدو له غير الشفافية، وأنه لا يترعرع إلا فى ظلام دولة أمنية قمعية، تروج فيها ثقافة أن «السلامة فى الصمت»، وتلجأ فيها السلطة إلى أن «تضرب المربوط.. فتخاف السائبة» كما يقول المصريون فى أمثالهم.

•••

قبل عامين، وعندما دخل محمد مرسى إلى القصر، ذكرناه بأن الجماهير خرجت فى يناير تطلب «إسقاط النظام»، لا مهادنته أو الاكتفاء بتغيير ولاءاته، أو إخفائه تحت عمامة يجلها الناس. واليوم نُذَكِّر الذاهبَ إلى القصر بالأمر ذاته. وباليوم ذاته؛ يوم طلب الناسُ «إسقاط النظام» لا إخفاءه تحت بزة عسكرية يحترمونها أو شعارات وطنية يقدرونها. قلنا يومها، ونكرر اليوم: أن لا سبيل إلى ذلك، ولا ضمان لتحول ديموقراطى «سلمى» وحقيقى، يتجنب تكرار الأسباب التى دفعت الناس إلى الشوارع فى يناير، أو حتى فى الثلاثين من يونيو إلا باتباع تدابير «العدالة الانتقالية» الخمس Transirional Justice التى عرفتها تجارب التحول الديموقراطى فى العالم أجمع.

بلا جدوى، قلنا للإخوان (قبل عامين) أن «الصندوقراطية» ليست وحدها الديمقراطية. ؤأن الصناديق «وحدها» لا تأتى بالشرعية، فما بعد الصناديق «وما يمكث فى الأرض» هو المؤثر والأهم. ولأن قواعد السياسة، كما قواعد الفيزياء واحدة «إذا كانت ظروف التجربة واحدة» فأحسب أننا بحاجة لأن نكرر القول ذاته اليوم، وإن اختلف السامعون. مذكرين بأن الفارق بين الديموقراطية والشمولية هو فى إدراك أن حكم الأغلبية غير مطلق، بل مقيد بحقوق الآخرين. وأن أسوأ أنواع الديكتاتوريات التى عرفها التاريخ كانت «ديكتاتورية الأغلبية». واقرأوا من فضلكم تاريخ ألمانيا الهتلرية.

•••

وبعد..

فربما كان هناك من يحاول إعادة نظام ما قبل يناير؛ بحثا عن نفوذه أو مصالحه أو نكاية فى الإخوان. بل وربما كان هناك بين الإخوان أنفسهم من يتمنى أن يعود «النظام» الذى ثار الناس عليه فى «يناير»، نكاية، أو شماتة فى من ثار عليهم فى «يونيو». لا بأس. فهؤلاء، وأولئك يحاربون معارك الماضى، أما نحن فنريد أن نحارب معركة «المستقبل». والتى لا مجال للانتصار فيها إلا بالاستماع جيدا إلى ما كان الناس يهتفون به فى ذلك اليوم المفترى عليه: «الشعب يريد إسقاط النظام»

صحيح أن هناك من يتمنى «ويحاول» أن يستكمل الرئيس الجديد ما بدا من محاولات هنا وهناك للعودة إلى نظام ما قبل يناير، وإن اختلفت الأسماء والوجوه. وصحيح أن هناك من يقول بغير ذلك، وصحيح أيضا أن هناك من يترقب وينتظر.

وأيا ما كان الأمر، يبقى السؤال الحاسم «والحاكم» هنا: هل خرج الذين رفعوا اللافتة يومها حقا ليطلبوا إسقاط النظام (المبين عاليه)،أم أنهم خرجوا الأسبوع الماضى إلى الصناديق ليعلنوا توبتهم كما يقول البعض، وليكفروا عن ما اقترفوه من ذنب «نكبة يناير» كما يسميها «الجوبلزيون الجدد»؟

فى الإجابة الصحيحة «خارطة الطريق» الحقيقية إلى المستقبل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

ــ روابط ذات صلة:

ـ المصريون يحتفلون بفوز محمد مرسي (ON TV: 24 June 2012)

ـ قضية قصور الرئاسة ـ سطور في قصة نظام

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات