فى نحو التاسعة من مساء الجمعة كنت أسير أنا وزميلى على السيد، رئيس مجلس إدارة صحيفة التحرير، فى محطة الرمل بالإسكندرية.
فى الطريق قابلنا بعض الزملاء الصحفيين الذين جاءوا للتو من القاهرة، استعدادا لتغطية افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى تطوير ترسانة الإسكندرية البحرية، التى تديرها القوات المسلحة فى الخامسة والنصف فجرا، كما هو مدون فى بطاقة الدعوة.
وأمام مقهى أحد الفنادق ــ التى كانت تاريخية بمحطة الرمل ــ فوجئنا بمنير فخرى عبدالنور، وزير التجارة والصناعة، وأشرف العربى، وزير التخطيط والمتابعة، وأحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، ومعهم عضو مجلس شعب سابق وشخص خامس، لا أعرفه يجلسون ويشربون القهوة والشاى بالنعناع.
سلمنا وجلسنا معهم لبعض الوقت، وقلت لهم إن هذه الجلسة أفضل دليل على أن مصر ليست بالسوء الذى يتحدث به الكثيرون، وأن نشر هذه الصورة أفضل دعاية للسياحة وللاستقرار النسبى فى مصر، التى يصورها البعض وكأنها صارت مثل الموصل العراقية أو الرقة السورية أو سرت الليبية.
انصرفنا أنا وعلى للحاق بموعد آخر، واتفقنا مع الوزراء على أن نتقابل فى أحد محال الفول الشهيرة لنلتحق برئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب.
الفترة التى جلسناها لم ألحظ فيها أى إجراءات أمنية غير عادية، وحتى عندما دخلنا الفندق بعد ذلك، الذى كان ينزل فيه كل الوزراء وكبار المسئولين، لم يكن فيه ما يثير الدهشة باستثناء ضابط وأمين شرطة كان يجلسان فى أحد أركانه.
عندما كتبت تعليقا بهذا المعنى على صفحتى على الفيس بوك، فوجئت بأن غالبية التعليقات جاءت سلبية وخلاصتها أن الأمن صار للوزراء والمسئولين فقط وليس للمواطن، وأننى أحاول تلميع صورة الحكومة والإيحاء بوجود أمن وأمان واستقرار غير موجود على أرض الواقع.
أقسم بالله أنه لم يرد فى ذهنى إطلاقا كل هذه المعانى وأنا أكتب تعليقى، وكل ما فى الأمر أننى وجدت فى جلسة الوزراء «لقطة صحفية طريفة»، مثلما أن تناولهم الفول فى مطعم شعبى هو خبر طريف أيضا.
أتفق مع تعليقات كثيرة أن الاستقرار مفقود فى بعض المناطق فى مصر والسبب الأساسى هو الإرهاب، هو غائب تماما فى بعض مناطق شمال سيناء مثلا، وتتعرض كثير من المنشآت والمرافق لهجمات إرهابية شبه يومية، كما أن بعض المواطنين يسوقهم حظهم العاثر لمعاملة غير آدمية أحيانا فى أقسام الشرطة.
أعرف كل ذلك ولا أنكره، لكن الذى لفت نظرى هو هذا الاستقطاب البشع الموجود فى الشارع المصرى.
لو أن الوزير أو المسئول سار فى موكب وعطل المرور وجهنا إليه أبشع الاتهامات، وذكرناه بما يفعله الوزير أو المسئول «فى أوروبا والدول المتقدمة»، الذى يركب الدراجة والمواصلات العامة أو يمشى على قدميه، ويقف فى طوابير المطاعم والسينما!.
أما إذا جلس على مقهى، كما يفعل معظم خلق الله العاديين وفكر فى شرب الشاى أو تدخين حجر شيشة، اتهمناه بأن كل القعدة مفبركة، وأن المنطقة كلها «مترشقة» بالشرطة السرية، وننسى أنه من الطبيعى أن تكون هناك حماية للوزير أو المسئول، لأنه لا يعقل أن نتركهم فريسة لأى إرهابى أو موتور أو مختل.
الذى خرجت به من جلسة الوزراء على المقهى فى محطة الرمل أن ثورة ٢٥ يناير غيرت فعلا من سلوكيات كثيرة، لم يعد الوزير أو المسئول الكبير يعيش فى برج عاجى، صار الوزراء لا يعمرون فى مناصبهم، لدرجة أننا لم نعد نعرف معظمهم، صاروا يتعرضون للنقد المستمر وبعضهم يرفض أن يكون وزيرا لهذا السبب، صاروا حقيقة مواطنين عاديين ليس على رأسهم ريشة.. فهل نفرح لهذا أم نحزن؟!.