الزغاريد.. أصدق أنباء - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الزغاريد.. أصدق أنباء

نشر فى : السبت 1 أغسطس 2015 - 7:05 ص | آخر تحديث : السبت 1 أغسطس 2015 - 7:05 ص

عن طريق الخيال السمعى، أبهجتنى أصوات الزغاريد المتوقعة، المنطلقة من أفواه ملايين المصريات، بنات البلد الجدعان، القويات، الصامدات فى المحن والكروب، المحتفلات بصدق وحماس، لكل نجاح وانتصار.

أصل الحكاية، اقتراح ملهم من سيدة مجهولة، قلبها على البلد، واتتها فكرة جميلة، تتمثل فى إطلاق الزغاريد، إما فى ميدان التحرير، أو فى كل مكان، لحظة افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة.

فورا، لمست الفكرة أو تار عقول المصريين، تلقفتها التجمعات، الحزبية والشبابية، والفردية، تحاول، بكل جدية، تنظيمها، على نحو يجعلها أطول زغرودة فى الجغرافيا والتاريخ.

الزغرودة، فى الضمير المصرى، دليل فرح، تحمل فى ترددها طاقة أمل وسعادة وانتشاء، لا يمكن، حين تملأ الأجواء، أن ترى إنسانا مكتئبا أو حزينا.. لذا، دخلت فى ثنايا أغنيات الأفراح، إما فى المقدمة، كمدخل دافئ، صاخب وحميم، أو مصاحبة لألحان «اتمخطرى يا حلوة يا زينة»، «زغرودة حلوة رنت فى بيتنا»، «يا ولاد بلدنا يوم الخميس»، «دقوا المزاهر يا أهل البيت تعالوا».. إنها شفرة، موجزة، مؤثرة، أكيدة المفعول.

فى أفلام فتوات نجيب محفوظ، عندما يتهاوى أحد الطغاة، تفتح شبابيك المشربيات، تطل منها وجوه النساء، يتبادلن التهانى بالزغاريد.

قصاصنا المتوهج، يوسف إدريس، أخذ يشرح، فى السطور الأولى من إحدى حكاياته، الفروق المتباينة، بين أشكال الزغاريد المصرية: المتماوجة، ارتفاعا وهبوطا.. المبتسرة، التى تنقطع فجأة.. وثمة ذات الذيل الطويل.. إلى جانب البطيئة، التى تبدأ خافتة، لتتصاعد، وتعود مرة أخرى إلى خفوتها.. عادة، ترد النساء بالزغرودة الجماعية على الفردية.

قاموس الزغاريد، بتنوعه، يتوافر فى السينما المصرية، من أستاذاته، وداد حمدى، تعبيرا عن سعادتها لفوز سيادتها بمن يهواه قلبها.. جمالات زايد، الملقبة بـ«ملكة الزغاريد».. وطبعا، زينات صدقى، التى تزغرد من أعماقها، لأنها، أخيرا، ستتزوج من العبقرى، المفلس المغرور، «حسب الله السادس عشر»، عبدالسلام النابلسى.

فكرة زغرودة الوادى، الممتدة إلى أقصى الجنوب، وإلى كل ربوع البلاد، هى فكرة مصرية تماما، تأتى فى وقتها النموذجى.

قرأت، مثل غيرى، الكثير من الانتقادات التى وُجهت للمشروع، وعددت عيوبه، والكثير أيضا مما قيل عن جدواه، ومزاياه.. وبعد حيرة وتفكير، قررت تنحية الهجاء والمدح جانبا، وبقى ـ عندى ـ المشروع ناهضا، واقعا، ناهضا على قدميه، يثبت أننا، الشعب المصرى، برغم كل ما يقال عن عيوبنا، نستطيع أن نحفر، نبنى، نشيد، نزرع، نصنع.. وحين ننجز، قد نكتشف خللا هنا وهناك.. بالتأكيد، من الممكن علاجه.. الفرح، حق لها، لكن كيف نحتلف.

يعلمنا التاريخ، بقسوة مغبة الإسراف، والظهور بمظهر لا يتواءم مع الأحوال.. من قبل، فى ١٦ نوفمبر ١٨٦٩، كان الاحتفال المهول، الصاخب، بافتتاح قناة السويس. طبل وزمر وأضواء وضيوف وموائد ومواكب، برا وبحرا.. جاء الحصاد مرا: مزيد من الديون، مهدت لاحتلال البلاد.

حالة الخديو إسماعيل الطاووسية، وميله للفنطزة والفشخرة، امتدت إلى أيامنا هذه، دليلى على هذا، ذلك المذيع السخيف، الذى أخذته نوبة حماسة حمقاء، فأخذ يدعو الناس، زاجرا، للتبرع بالمال، لتغذية تكاليف الافتتاح، بل وصلت رعونته إلى حد مطالبة الرئيس، السيسى، إلى فرض ضريبة على المواطنين، كمساهمة إجبارية فى المناسبة.

من هناك، يأتى جمال وجدوى فكرة الزغاريد، النابضة بالحكمة المصرية، الآتية من أمهاتنا، بقدراتهن على تدبير الأمور، بأقل القليل.. الزغاريد، أجمل وأصدق وأعمق تأثيرا.. من أى شىء آخر.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات