ليلة من ألف ليلة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليلة من ألف ليلة

نشر فى : الثلاثاء 1 سبتمبر 2015 - 6:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 1 سبتمبر 2015 - 6:20 ص

النبض السياسى، الانتقادى، الهجائى، يتبدى بوضوح، فى روح هذا الأوبريت اذى كتبه جدنا الكبير، المشاغب، الكاره للنظام اللمكى، بيرم التونسى.. وبدلا من التعرض، مباشرة، لما يجرى حوله، اختار، فترة داكنة من الخلافة العباسية، حيث المؤامرات والظلم والدسائس، بالإضافة لتفشى نزعة الجشع، بين تجار وأعيان بغداد، وانتشار البلطجية، والاغتيالات.

بيرم، بالتأكيد، لم يكن يهدف إلى كتابة عمل تاريخى، ولكن يرمى إلى التعبير عن واقعه المعاش، فى الثلاثينيات، متسترا وراء غلالة الزمن الماضى.

بين ثنايا الأوبريت، ينهض المتسول «شحاتة»، الذى لا يتوانى عن الاحتيال والسرقة، اختطفت زوجته، يعيش مع ابنته الرقيقة «نجف».. وثمة قاطع طريق، لئيم، يتبختر وسط عصابته المنحرفة.. إلى جانب وزير الشرطة الغادر، قاتل الخليفة، يظهر الحاكم الجديد ــ ابن الخليفة المغدور ــ يتبادل الحب مع «نجف» التى تظن أنه ابن الجناينى. برغم النهاية المتفائلة، مراعاة لتقاليد الأوبريتات، تظل صورة بغداد، كمدينة بائسة، فاشلة، عالقة فى الأذهان، تكاد تذكرنا بالعواصم العربية، ليس فى الثلاثينيات وحسب، بل الآن أيضا.

كتب بيرم مسرحيته شعرا، بلغته العامية الدافقة بالطرافة والحيوية، ووضع ألحانها صاحب البصمة الشرقية الخلابة، أحمد صدقى، أحد أهم ورثة سيد درويش، وتم تقديمها عدة مرات، على خشبات المسرح المصرى، وأخرجها للإذاعة يوسف الحطاب، بأصوات فؤاد شفيق، حسن البارودى، شفيق نور الدين، محمد السبع، والمغنيين، كارم محمود وشهر زاد.

فى مغامرة طموح، تستحق الاحترام، اختار المسرح القومى العريق، أن يكون افتتاح موسمه، ــ بعد «بحلم يا مصر» ــ بكلاسيكية «ليلة من ألف ليلة».

قبل التعرض إلى العرض، تجدر الإشارة إلى لمستين جديرتين بالتنويه: إدارة المسرح تستخدم جهازا، يمنع استقبال وإرسال المكالمات التليفونية، بالمحمول، فى الصالة، الأمر الذى يعبر عن احترام الجمهور الذى من حقه ألا تزعجه رنات الموبيلات أثناء المتابعة.. وبدلا من استخدام صوت جرس المنبه السخيف، إيذانا بفتح الستارة، عادت دقات المسرح الثلاث، بسحرها، لتهيئ المتفرج، نفسيا، للمشاهدة.

تفتح الستارة على سوق فى بغداد، مع الساعات الأولى من الصباح. البعض فى طريقه للصلاة. يأتى يحيى الفخرانى، بحضوره المحبب، الأثير، من عمق الخشبة وقد ارتدى جلبابا مهلهلا، واضعا قماشة سوداء حول عينيه، متوكئا على عصاه، لزوم استكمال مظهره، كمتسول عجوز ضرير، متمكن من مهنته، فها هو، بلغة بيرم التونسى، ذات الايقاع الطريف، يؤثر فى عبار السبيل، حتى إن قاطع الطريق، المجرم، بأداء لطفى لبيب، يمنحه كيسا من النقود. يرفضه «شحاتة» رفضا باتا، ويلقيه أرضا. لكنه يلتقطه بسرعة عقب انصراف الوغد.

محسن حلمى، مخرج الأوبريت، يجيد تحريك ممثليه، خاصة فى مواقف المواجهة، والصراع المعنوى، والجسمانى، يديرها بمهارة، ونعومة، حتى فى المشاهد العاصفة لمقتل الوزير المتآمر، وقاطع الطريق، خاصة أن الممثل المتمكن، بضخامته النسبية، وعيونه الواسعة، المعبرة عن نزعة وحشية «ضياء عبدالخالق»، يجسد بمهارة دور الوزير القاتل، بينما «لطفى لبيب»، صاحب الموهبة الكبيرة والجسم الضئيل، يؤدى شخصية قاطع الطريق اللئيم، المتمسكن، الشرس إذا دعت الضرورة.

لكن مشكلة العرض تكمن فى عدة عناصر تهبط بمستواه، بين الحين والحين، فتجعله فاترا إن لم يكن باردا.. منها، تناقض مستوى الأداء التمثيلى، خاصة عند صاحب الصوت الجميل، «محمد محسن»، الخليفة الشاب، بوجهه الحلو، الخالى تماما من أى انفعال، والذى يفتح فاه متظاهرا بالغناء، بينما الأغنيات، مع الموسيقى، مسجلة سلفا.. إنه يحتاج لمران طويل.. كذلك الحال بالنسبة لمن أدت شخصية «نجف» ــ هبة مجدى ــ ابنة المتسول، المتمتعة بصوت غنائى رقيق، دافئ.. وفى ذات الوقت، تفتقر إلى حيوية الحركة ــ وهذه مسئولية المخرج، بالإضافة لجمود الملامح، وهذه مسئوليتها.. إنها، مع محمد محسن، يجعلان المتفرج يحس أنه يستمع لإذاعة ولا يشاهد مسرحا.

ديكورات «ليلة..» تجثم على عين المتابع، لا تعرف فضيلة الاختزال، تأتى ثقيلة، مرسومة على نحو بدائى، بألوان صاخبة، ربما أكثرها فجاجة، ذلك البرونز اللامع، الذهبى والفضى، الذى يخطف عين المتفرج، ويرهقها.

أما أضعف ما فى العرض، فإنه يكمن فى الرقصات الاستعراضية، الخالية من الخيال والابتكار، لا تعبر عما يدور فى أحداث.. فقط، تشويح بالأيدى، وتشليت بالأرجل.. ومع هذا، يمكن القول: إنها بداية بعد طول انقطاع، فلا بأس.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات