صور عبدالناصر.. أكثر من معنى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 8:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صور عبدالناصر.. أكثر من معنى

نشر فى : الثلاثاء 1 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 1 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

فى واحدة من الجرائم الثقافية، تعمد القائمون على الرقابة ووزارة الإرشاد القومى، مع منتصف الخمسينيات، إصدار قرار بشطب صورة الملك فاروق من الأفلام التى تظهر فيها، حتى وإن جاءت لتحديد الفترة الزمنية للأحداث، أو كمجرد تكملة لواقعية المنظر، كأن تظهر معلقة على الحائط، خلف منصة القضاء، أو فى مكتب حكومى.. نُفذ القرار بطريقة بدائية: تكشط الصورة من الشريط، بالموسى، كادرا كادرا، وبالتالى، ترى على الشاشة بقعة ضوء مهتزة، تتراقص بلا ضابط.. وإذا كان من المفهوم، وغير المبرر، حذف مشاهد تتغنى بالملك، أبا عن جد، فى استعراض «الأسرة العلوية» الذى كتبه أحمد رامى ولحنه محمد عبدالوهاب وأنشدته أسمهان، فى «غرام وانتقام» لأنور وجدى 1949، فإن ما يثير الدهشة والاستنكار، هو ذلك الخوف من الصورة، خاصة حين تكون لحاكم فقد سلطانه، وبهدف مستحيل، بالغ الحماقة: إلغاء حقبة من التاريخ.

تغير حضور الصورة، ومغزاها، زادت قيمتها الدرامية. تنوعت معانيها واختلف وقعها عند الآخرين، سواء على أبطال الفيلم، أو جمهور المشاهدين.. الفضل فى هذا يرجع لفيلم «الكرنك» الذى حققه على بدرخان 1975.. هنا، تهان «زينب دياب» ــ بأداء خلاب من سعاد حسنى ــ وتغتصب، وتنهار، وتستسلم لابتزاز وتهديدات المخابرات، وتغدو مرشدة مباحث مهلهلة نفسيا، وحين تشرع فى كتابة أول تقاريرها، تتطلع، وتطالعنا، صورة جمال عبدالناصر، معلقة على الجدار، مما يعنى أن كل ما حدث، جرى تحت بصره وسمعه.. وبرغم ما يتمتع به على بدرخان من تقدير رفيع، أثار ظهور الصورة على هذا النحو، حفيظة قطاع لا يستهان به من النقاد. حاول بدرخان التملص من مغزى الصورة، وإلقاء المسئولية على كاتب السيناريو، ممدوح الليثى، زاعما أنها لم تكن إلا لبيان توقيت الأحداث.. لكن الفيلم، ارتبط فى الأذهان، على أنه فتح باب إهالة التراب على حقبة عبدالناصر.

بطريقة مغايرة، إن لم تكن مناقضة، جاءت صورة عبدالناصر، الفوتوغرافية، فى «المواطن مصرى» لصلاح أبوسيف 1991، بفارق زمنى يتجاوز العقد ونصف العقد. تبلور خلاله النظام الجديد، متمثلا فى إلغاء القوانين والقرارات المنصفة للفلاحين.. وبالتأكيد، لا يمكن إلغاء الفارق الواسع، فكريا، بين كاتب سيناريو «الكرنك»، المنتقد بشدة، وجرأة إن شئت لإجراءات عبدالناصر، ومحسن زايد، كاتب «المواطن مصرى»، المنتقد بشدة، لمرحلة السادات.. فى «المواطن مصرى»، المعتمد على رواية «الحرب فى بر مصر» ليوسف القعيد، يتعرض الفلاح عبدالموجود ــ عزت العلايلى ــ لمأزق نزع الثلاثة أفدنة التى حظى بها أيام الإصلاح الزراعى.. فى موجة من الإحساس بالفاجعة، والظلم، وقلة الحيلة، ينظر إلى صورة عبدالناصر، الباهتة بفعل الزمن، المعلقة فى حجرته، وهو يسلمه حجة الأرض، ويردد، فيما يشبه المونولوج الداخلى، بصوت يتعمد المتمكن، عزت العلايلى، أن يجعله معبرا عن لحظة تنوير مضببة بالأسى: هو كان عارف.. عينيه تقول أعانك الله على من سيحاول انتزاع أرضك فى استعراض صور عبدالناصر، الفوتوغرافية، داخل الأفلام، لابد أن يتذكر المرء «أيام السادات» لمحمد خان 2001، فثمة مشهد واحد، أقرب للؤلؤة التاج، لا يستغرق إلا عدة ثوانٍ، لكن يحمل عدة معان، لا أظن أن أحدا من الممكن أن يعبر عنها، إلا صاحب الموهبة الكبيرة، أحمد زكى، وأن يمهد لها، بحساسية، سوى محمد خان.. الكاميرا تتابع السادات، أثناء صعوده، بثقة، على سلالم القصر الجمهورى.. لحظة تردد عند باب حجرة المكتب الواسعة. الرئيس الجديد، يقف خلف كرسى المكتب، يتلمس ظهره على نحو عفوى، بأداء أحمد زكى يبدو مرهقا، يجلس، ينظر يمينا، تطالعه صورة عبدالناصر مبتسما، موضوعة فوق منضدة، ببرواز فضى اللون.

أحمد زكى، يتنفس براحة، يحدج الصورة بعيون مليئة بأحاسيس متباينة، وربما متضاربة.. فيها شىء من المحبة والتقدير، وبجانبها درجة من الغبطة المكتومة، تفصح عنها تلك الابتسامة المبهمة، كأن صاحبها لا يريد الإفصاح عما تعنيه، لا تخلو من امتنان ومكر وانتشاء، فالكرسى، أخيرا، آل إليه.. السادات، أو أحمد زكى، يقف، يعطى ظهره للصورة، يغادر المكتب متجها نحو النافذة، يطل على الأفق. يشعل غليونه ويتذكر.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات