سحر السلطة وغواية الاستبداد - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 10:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سحر السلطة وغواية الاستبداد

نشر فى : السبت 1 ديسمبر 2012 - 8:50 ص | آخر تحديث : السبت 1 ديسمبر 2012 - 8:50 ص

لأنه حكيم، عارف ببواطن الأمور، ومسارها، ونتائجها، لذا أصبح وليم شكسبير «1564 ــ 1616»، معاصرا، بالنسبة لكل الأجيال التى جاءت بعده، ذلك أن رؤيته لا تتوقف عند الظواهر، ولكن تنفذ، ببصيرتها، إلى القوانين التى أدت إليها، وبالتالى تجاوزت مسرحياته حدود بريطانيا، لتعدو أعمالا سينمائية فى معظم بقاع الدنيا، ولعل مصابيح الشاعر العظيم، فيما يتعلق بغواية السلطة، ومتعة الاستبداد، وعواقبهما، تلقى ضوءا ساطعا على ما يعتمل فى وطننا، الآن.

 

«ماكبث»، الفارس الشجاع، القائد المنتصر، يحظى بمكانة مرموقة فى المملكة، لكن ما إن يداعب خياله كرسى العرش، حتى تبدأ خصاله النبيلة فى الخفوت، ثم التلاشى، لتحل مكانها الطباع الوحشية، معززة بالغدر والخسة.. يتردد فى اغتيال الملك «دنكان» الطيب، الذى يحبه ويحترمه ويأمن له. يحاول ماكبث التغلب على طمعه فى السلطة، لكن شريكة حياته، الليدى، الشرهة للقوة والنفوذ، تنخسه ــ حسب تعبير أحد مفسرى شكسبير، فتطلق طاقات الشر بداخله، فيقدم على اقتراف ثلاث جرائم دفعة واحدة: بعد قتل الملك، ينهال بسيفه على الحارسين المكلفين بحراسة «دنكان»، ضيف ماكبث، والأفظع، أنه يقتل الثلاثة نياما.. ولأن الجريمة لا تؤدى إلا إلى جريمة، فإن «ماكبث» الذى فسدت روحه تماما، يغدو مستبدا ظالما، يتآمر ضد خصومة، لا يتوانى عن إزهاق أرواحهم، وحين تأتى لحظة تصفية الحساب، ينفض من حوله الجميع، وبينما يتعمد المخرج البولندى الأصل، رومان بولانسكى، فى مشهد النهاية الطويل، المصير الفاجع لماكبث، حيث تقطع رقبته بضربة سيف.. يطلق اليابانى، كوروساوا، عنوانا عميق المغزى على فيلمه «عروش الدم».

 

عند شكسبير، ثمة أحداث تدور خارج خشبة المسرح، وقبل بداية المسرحية. فى «هاملت» لا نرى مصرع الملك الأب. فقط يتراءى لنا، ولابنه، شبحه الذى يتجول ليلا طالبا القصاص من أخيه «كلوديوس» الذى دفعته الرغبة العاتية فى السلطة إلى دس السم فى اذن شقيقه.. وبعيدا عن التفسيرات المتعددة لتردد «هاملت» فى الثأر لوالده، ينجح المخرج البريطانى، كينيث برانا، فى طرح قراءة جديدة، من قلب النص الشكسبيرى، ترجع تردد هاملت إلى إدراكه أن الفساد «ضرب أطنابه فى جذور المملكة»، وأن قتل العمل المغتصب لن يغير شيئا.. جدير بالذكر، أن وجهة نظر «كلوديوس»، القاتل، فى شقيقه القتيل، لا تخلو من وجاهة، فالملك المغدور، كان مستبدا غاشما، وقر فى ضميره الفاسد أن المملكة خلقت له، وباستخفافه، سار بها نحو الهاوية، حتى إنه لعب القمار مراهنا على نصف البلاد.

 

الشعب، أو الجماهير الغائبة، أو المغيبة ــ بحكم واقعها فى القرنين السادس والسابع عشر ــ يجسدها ببراعة. ودقة، المخرج الروسى، كورنتسيف، فى «الملك لير»: جموع بائسة، تعيسة، تسير حافية، وسط الأوحال، بملابس مهلهلة، بالقرب من قصر «لير»، الملك، الذى أُخذت حكايته على أنها تعبر عن عقوق الأبناء وتنكرهم للأب الطيب، بعد تناوله لهم عما يملكه.. لكن حكايته عن كورنتسيف، تختلف فى معناها تماما.. «لير» هنا، مارس السلطة طويلا، محصنا بحاسية منافقة، فاسدة، صدق بسببها أنه معصوم من الخطأ، وأصبح، موغلا فى الاستبداد والرعونة، وتعمد كورنتسيف أن يجعل بطله العجوز، مندفعا، فى مشيته، وانفعالاته، وقراراته.. ولأنه مطلق الصلاحيات، ويظن أن نفوذه لن يهتز أبدا، يوزع، منتشيا، البلاد، على بناته.. طوال الفيلم، نشهد مغبة «التوريث» التى اتبعها معتوه استجابة لغواية الاستبداد، فجاءت النتيجة كما نراها على الشاشة: منازعات ومؤامرات واغتيالات وحروب، مزيد من القتلى والجوعى، مصير تعس للملك لير، شأن ماكبث، وهاملت الأب، والابن أىضا، وكلوديوس المغتصب، وغيرهم.. فمن يتعلم؟

 

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات