نصوص .. وأخبار - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نصوص .. وأخبار

نشر فى : الأحد 2 مارس 2014 - 8:25 ص | آخر تحديث : الأحد 2 مارس 2014 - 8:44 ص

«ما رأيك فى التشكيل الوزارى الجديد؟»

يلقى أحدهم بالسؤال على الطاولة، فيحتدم النقاش، وطبعا الخلاف حول اسم هذا.. وتاريخ ذاك.

على مدى أيام من الأسبوع الماضى كان السؤال «الطبق الرئيس» على طاولات النخبة، كما كان سؤال الصحفيين الأول، الذين لا يتحرج بعضهم بالمناسبة أن يهاتفك بعد منتصف الليل ليطرح عليك سؤالا مثل هذا.

بغض النظر عن أن أحدا لم يعلم سببا لاستقالةٍ، أوبالأحرى تغييرٍ بدا مفاجئا، رغم أن الشفافية هى الضمان الأول لديمقراطية تشاركية حقيقية، إلا أننى كنت أرى دائما أن سؤال «الأسماء» أو الأشخاص يأتى دائما فى المرتبة الثانية بعد المواقف والسياسات، وأن القوانين واللوائح هى التى ينبغى أن تكون «حاكمة» قبل الأسماء. وإذا كان الدستور هو أبوالقوانين، فحسبى أن التذكير «بنصوصه»، أو ببعضها على الأقل، فيه ما يكفى، ولا يحتاج إلى تعليق.

•••

١ـ يقول نص المادة الخامسة من «الوثيقة الدستورية الجديدة، بعد تعديل دستور ٢٠١٢ المعطل» فى باب الدولة: «يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية... إلخ» ويقول نص المادة (٦٥): «حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر».

هكذا تقول النصوص، أما الأخبار فتقول إن حكما صدر بالحبس ثلاث سنوات على ثلاثة طلاب من أعضاء «مصر القوية» لدعوتهم الناخبين لمقاطعة الاستفتاء على الدستور أو التصويت بلا.

إذا كان الخبر دقيقا فأرجو ملاحظة أن «مصر القوية» ليس تنظيما سريا بل حزبا من الأحزاب الرسمية المصرية. والوظيفة الأولى للأحزاب بالتعريف أن يكون لها برامجها ومواقفها السياسية «المعلنة» وواجبها أن تدعو الناس إلى تأييد هذه المواقف.

٢ـ يقول نص المادة التاسعة: «تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز» ثم تضيف المادة الرابعة عشرة أن «الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة».

وفى الأخبار؛ قديمها: أن عبدالحميد شتا رفضوا تعيينه ملحقا تجاريا (٢٠٠٥) رغم حصوله على المركز الأول بين كل من تقدموا للوظيفة.. فانتحر. وجديدها: أنهم استبعدوا محمد كمال الدين من التعيين فى النيابة العامة، (٢٠١٣) لعدم حصول والديه على مؤهل عال، فمات والده عندما سمع الخبر (الشروق ١٨ ديسمبر ٢٠١٣). راجعوا أيضا من فضلكم نص المادة (٥٣) التى تحظر التمييز بسبب «المستوى الاجتماعى».

٣ـ يقول نص المادة (٢١): «تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية... إلخ». وتضيف المادة (٢٣): « تكفل الدولة حرية البحث العلمى». والمادة (٦٥): «حرية الفكر والرأى مكفولة». هكذا تقول النصوص، أما الأخبار فيقول قديمها أن أساتذة وباحثين تم فصلهم أو استصدار أحكام بتطليقهم من زوجاتهم لإجرائهم أو نشرهم أبحاثا تتعارض مع علم أو فكر سائد. كما أصبح لا يخفى على أحد. أن هيمنة التقارير الأمنية على كافة مناحى العملية التعليمية قد عادت لتأخذ مكانها الذى اعتدته، واعتدناه لسنوات طويلة للأسف.

٤ـ تشير المادة (٣٢) بوضوح إلى أن الأجيال القادمة تشاركنا فى ملكية هذا البلد وموارده، وتقول: «موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحُسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها».

وفى الأخبار قديمها وجديدها ما نعرف بشأن تخصيص أراضى الدولة والاتجار فيها وبشأن التهاون فى الاعتداء على الأراضى الزراعية، واليسير من هذا أشار إليه تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات على لسان رئيسه المستشار جنينة فى مؤتمره الصحفى الشهير الذى تكفى مراجعة وقائعه، ثم ما جرى من تجاهلها لنعرف إلى أى مدى نحن على استعداد "لاحترام" ماكتبناه من «نصوص»!. (راجع أيضا المادة ٢١٨ بشأن التزام الدولة بمكافحة الفساد).

٥ـ تنص المادة (٥٣) على أن: «المواطنين لدى القانون سواء..» وتحظر التمييز بسبب «الانتماء السياسي» أو لأى سبب آخر. وفى الأخبار ما لا يمكن حصره من دعاوى وإجراءات إقصاء وتمييز لمواطنين لا لسبب إلا لتبنيهم فكرا معينا «فكر جماعة الإخوان مثلا». ومن الطرائف فى هذا الصدد أن صحيفة كبرى نشرت (٢٧ أغسطس ٢٠١٣) ما اعتبرته إدانة لمسئول كبير بإحدى الوزارات الخدمية، بعد أن «اكتشفت» أنه كان قد صوّت لمحمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة. (عدد الذين كانوا قد صوتوا للرجل فى حينه يصل إلى ١٣ مليونا من المصريين بالمناسبة) وبالمناسبة أيضا فتاريخنا فى الإقصاء «الممنهج» طويل، تعرض له اليساريون أيام السادات، كما تعرّض له المسيحيون كثيرا (راجعوا كتاب الراحل رؤوف عباس «مشيناها خطى») رغم أن النص الدستورى «الجديد / القديم» كان ينص دوما على حظر التمييز بسبب «الدين أو العقيدة».

٦ـ تنص المادة (٥٣) أيضاعلى أن «الحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون» وفى الأخبار ما لا يمكن حصره من خطاب إعلامى «وتصريحات رسمية» مكارثية بامتياز. لا تحض فقط على الكراهية، بل تتجاوز ذلك إلى تحريض سافر على كل ما هو تعريفا مخالف للقانون. غير مدركة لتأثير ذلك على النسيج المجتمعى لهذا الوطن، بل وعلى استقراره وأمنه القومى. تحتفل وسائل الإعلام مثلا بترويج هتاف للعامة «الشعب يريد إعدام الإخوان»، هكذا دون تمييز. فى خطاب كراهية إقصائى لا يختلف للأسف عن الخطاب التكفيرى لمنصة الإخوان فى رابعة، أو عن القول يوما بأن «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار»، كما قد لا يختلف أيضا عن الخطاب «التهييجي» فى الصالة المغطاة لاستاد القاهرة (وفى حضرة رئيس الجمهورية»، فى تلك الأسابيع الأخيرة ليونيو الحاسم، وهو الخطاب الذى أعقبه بالمناسبة جريمة «أبو النمرس» غير المألوفة فى ثقافة المصريين، والتى راح ضحيتها خمسة من «المواطنين» الشيعة.

٧ـ تقول المادة (٦٤) أن «حرية الاعتقاد مطلقة».. أكرر «مطلقة». وتقول المادة (٦): أن الاعتراف القانونى بكل مصرى ومنحه أوراقا رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون». وتقول الوقائع وملفات القضاء الإدارى أن هناك فئة من المصريين ما زالت عاجزة عن استخراج أوراق ثبوتية لأبنائها، لا لشيء إلا بسبب تبنيها «لمعتقد» نقبله أو نرفضه.

٨ـ تحظر المادة (٧١) «بأى وجه» الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام أو مصادرتها «أو وقفها أو إغلاقها» وتقول الأخبار إن هناك قنوات وصحفا أغلقت، ولا نعرف من بالضبط وقع القرار، أو إلى أى قانون استند (!). أعرف أن من القنوات التى أغلقت ما كان محترفا لخطاب التحريض والكراهية المؤثم قانونا، ولكنى أعرف أيضا أن قنوات ما زالت تعمل تحترف أيضا الخطاب ذاته وإن من زاوية أخرى. مما يبدو لأي مراقب "كيلا بمكيالين".

٩ـ ثم بعد ذلك كله تأتى المادة (٥٧) ليقول نصها متفائلا: « للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها ...» ثم تضيف المادة (٧٣) النص على أن: «حق الاجتماع الخاص سلميا مكفول»... كما لا يجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو «التنصت عليه». وأظن نص المادتين بالنظر إلى ما تتفاخر به صحف وقنوات تحت نظر جهات إنفاذ القانون لا يحتاج إلى تعليق.

١٠ـ تضيق المساحة المتاحة عن عرض «نصوص» لمواد أخرى كثيرة. وربما كان يكفى «تبيانا وإيضاحا» أن أكتفى بنصوص الباب الثالث الخاص بالحقوق والحريات والواجبات العامة (المواد من ٥١ إلى ٩٣) وكذلك الباب الرابع الخاص بسيادة القانون، والتى أرجو على القارئ الكريم أن يعود إليهما. كما قد يكفينى إجابة عن سؤال السطر الأول أن أذكِّر الحكومة القادمة «أيا ما كان أشخاصها» بأن هذه هى النصوص التى أقسموا على احترامها.

•••

وبعد..

فليست هذه أكثر من «نصوص» لدستور اختلف الناس حوله؛ موافقة ومقاطعة حتى إسالة الدماء فى الشوارع، وليس المطلوب الآن من أولئك الذين كتبوه غير احترام الحبر الذى أسالوه على صفحاته، أو على الأقل احترام ما يقرب من عشرين مليونا قالوا «نعم».

ليس مهما «الأسماء» التى ستحكم. الأهم كيف تحكم.

فى ندوة دولية قبل أشهر تصادف أن كان بجوارى على المنصة دكتور أحمد البرعى أستاذ القانون وكان وقتها نائبا لرئيس الوزراء. ويومها لم يتردد الرجل فى أن يقولها بوضوح: «كان لدينا فى دستور ١٩٧١ موادا لو كنا قد طبقناها، ما كان حالنا هو هذا الحال» ولكنها للأسف ظلت كغيرها محض «نصوص».

ولعل رجل القانون يسمح لى بأن أضيف «من باب السياسة»: أن عدم تطبيق مثل تلك المواد، أو الالتفاف عليها بما يعرفه القانونيون «بالتعسف فى استخدام السلطة» كان السبب الأول فى تراكم عوامل أخرجت الناس إلى الشوارع فى يناير ٢٠١١ والعاقل هو من يتعلم من التجربة. وينسبون إلى أينشتين توصيفه للغباء بأنه « فعل نفس الشىء مرتين بنفس الاسلوب ونفس الخطوات مع انتظار نتائج مختلفة».

.............

يبقى أن هذا ليس «مقال رأي». هى مجرد «نصوص وأخبار»، وإن كان بين النصوص والأخبار أحيانا ما هو أكثر من رأى.

ــــــــــــــــــــــــــ

روابط ذات صلة:

ـ الوثيقة الدستورية الجديدة

ـ  «نتائج النتائج» .. ما بعد الأرقام 

ـ في الطريق .. إلى الصناديق

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات