مفجرو الديناميت - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 8:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مفجرو الديناميت

نشر فى : الأحد 2 مايو 2010 - 10:25 ص | آخر تحديث : الأحد 2 مايو 2010 - 10:25 ص

 هناك شبه إجماع بين أصدقائى ومعارفى على أن ما يجرى ويدور فى البرامج الحوارية ــ التى يطلق عليها «توك شو» فى التسمية الأمريكية و«تشات شو» فى التسمية الانجليزية ــ هو شىء رائع وجميل وخطوة كبيرة نحو حرية التعبير فى مصر وفى العالم العربى. والحقيقة إننى لا أشاطرهم نفس هذا الحماس.

فأنا أرى أنها جميعا ترتكن إلى الاستسهال الشديد فى التناول، وتقترب فى أدائها من البرامج الإذاعية. وقد بدأت بالظهور بالفعل هذه النوعية من البرامج الحوارية فى الإذاعة، ثم انتقلت إلى شاشة التليفزيون فى الولايات المتحدة عند بداية ظهوره.

وبدأ عرض أول هذه النوعية من البرامج عام 1951. وتمثلت فكرة هذه البرامج فى الحوار الدائر بين مذيع يتم تحويله تدريجيا إلى نجم،وبين نجوم فى مجال التمثيل والغناء، وذلك للحديث حول أخبارهم الشخصية وآخر أعمالهم. وفى مرحلة الستينيات أضافوا إلى البرنامج رجال السياسة للحوار معهم فى أطر من الحوارات الشخصية.

فهى إذن نوعية من البرامج، التى تعتمد بالأساس على النميمة، مع بعض التوابل من اللت والعجن وقدر من الصراخ يصاحبه قليل من العويل لزوم التأثير على المتفرج العادى، وذلك لجلب المزيد من الإعلانات. وليس هناك مانع بالطبع من تصعيد اتجاه فضائحى ــ إن أمكن ــ لضمان المزيد من المشاهدة.

وقد اعتمدت بعض البرامج على مذيع يتمتع بقدرات فى مجال الإضحاك لمنح المتفرج قدر من التوازن بين الابتسامة وإشباع غريزة النميمة لديه. كل ذلك الأمر منطقى ويسير وفقا لظهور الفكرة وتطورها، ومتوافق مع شكلها وطبيعتها.

كما أنه يرتبط بآليات صناعة الإعلام المرئى فى الولايات المتحدة تحديدا. وعندما قررت القنوات التليفزيونية المصرية استيراد هذا الشكل من البرامج الحوارية. قامت باستيراده دون فهم لفلسفة إبداعه. واعتمدت فى ذلك على ما هو متوافر فى السوق المصرية، ألا وهم مجموعة من الصحفيين العاملين فى الصحافة المكتوبة. وتحول أولئك الصحفيون إلى ما يشبه مجلس التحرير لهذه البرامج دون إدراك أنهم يعملون فى وسائط تليفزيونية تختلف عن عملهم فى صحيفة أو مجلة.

كل برنامج يعتمد على مذيع أو أكثر. ويقوم باستضافة أكثر من ضيف يتناول كل منهم موضوعا مختلفا. وتتحدد الموضوعات بناء على سخونة الأحداث اليومية بمنطق الصحافة المكتوبة. وفى الأغلب فهى دردشة إذاعية تتضمن بعضا من النميمة مع تناول شديد السطحية، وبعضا من الصراخ الهادر بين جنبات ديكور جاد يوحى بالتحليل المتأنى، مما يعطى انطباعا خاطئا بأن ما يتم عرضه هو إضافة فى مجال حرية التعبير.

ونتيجة لوحدة الآلية «الميكانيزم»، التى تدار بها عجلة هذه البرامج فى مصر، فقد تم اقتراضها بالكامل من صحف ومجلات لديها هى الأخرى تشوهات كبيرة فى بنيتها الأساسية، فنجد أن الموضوعات كلها متماثلة تماما مثل: محاكمة هشام طلعت مصطفى، كارثة مباراة مصر والجزائر وأجواء النميمة حولها، انقطاع المياه عن عزبة كذا، حالات الاغتصاب المروعة، الاعتداءات بين مسلمين ومسيحيين، مجنون يقتل عائلته ثم ينتحر، إلخ من موضوعات صفحات الحوادث وصفحات الرياضة، وهى الصفحات الأكثر رواجا فى الصحافة المكتوبة.

وتتطابق كثيرا الموضوعات فى جميع هذه البرامج فى اليوم الواحد، ويصل الأمر أحيانا إلى أن نفس الضيف يكون ضيفا فى أكثر من برنامج فى اليوم الواحد. فقد شاهدت هذا الأمر بنفسى أكثر من مرة، كانت آخرها مع دورة النميمة فيما جرى من وقائع بين المحامى مرتضى منصور ولاعب الكرة السابق شوبير.

وبدأت هذه البرامج تسعى لأن تلعب دورا غريبا عن طبيعتها. يمكن تسميته بالدور (الوطنى) فى شكله وليس فى مضمونه بالتأكيد، وكأن هذه البرامج تمثل نافذة لمصائب المصريين. فعلى سبيل المثال استمعت إلى هذا الحوار بين مذيع وشاب لديه شكوى. فيسأله المذيع: «قل لى اسم المأمور اللى عمل لك كده؟ اسمه ايه؟ ياريت سيادة الوزير يكون سامعنا دلوقتى».

الأمر الذى يعطى انطباعا أن هذا البرنامج يقوم بحل مشاكل المواطنين. وأن هذا الوزير الذى لا يعرف كالعادة ما يفعله ضباطه سوف يفز واقفا لحل شكوى الشاب.

فالوزير (كالعادة) يجهل ما يجرى ورئيس الجمهورية يجهل ما يدور فى البلد من وقائع الفساد، وأن «طباخ الريس» سوف يبلغه إن شاء الله بالوقائع، وعندما يعرف ويتيقن سوف يرفع الظلم بيد من حديد. فالمذيع يقدم نفسه للمشاهد فى دور «طلعت زكريا» فى فيلم «طباخ الريس» فيشعر المواطنون أن شكواهم تصل بحمد الله إلى صاحب النهى والأمر الذى لا يعرف شيئا.

تحولت هذه البرامج ــ وهى فى الأصل للتسلية والتسرية ــ إلى برامج تقوم بأدوار سياسية، فى مهزلة حقيقية. وبدت لى هذه البرامج أقرب ما تكون إلى النظام السياسى المصرى الذى يقدم نفسه هو الآخر باعتباره نظاما ديمقراطيا. أليس هناك أربعة وعشرون حزبا؟ ألا تجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية فى موعدها؟ هى إذن دولة ديمقراطية! وهذه البرامج هى الدليل على هذه الديمقراطية التى ننعم بها.

تقوم برامج الحوار فى مصر بالشكل الذى تُقدم به بتفريغ منظم لطاقات الغضب، وكأنهم يقومون بالدور الذى من المفترض أن تلعبه سياسات أمن الدولة من إلهاء للبشر. وسط وجبة لا طعم حقيقى لها، ولكنها تقدم داخل مطعم فاخر على طبق مشغول من الفضة.

لا وجود لأى خيال أو أى إبداع وإنما هو تقليد أعمى أدى إلى ترسيخ حالة ملل عميقة لدى المشاهد. وبدلا عن تقديم برامج تلعب الصورة فيها دورا جوهريا، وبرامج تغوص بجدية للبحث فى أعماق الوطن، اكتفت هذه البرامج أن تصبح مفجرات الديناميت لاصطياد من مات وطفا فوق سطح الماء.

خالد الخميسي  كاتب مصري