فى الظاهرة الشبابية - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى الظاهرة الشبابية

نشر فى : الجمعة 2 مايو 2014 - 6:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 2 مايو 2014 - 6:10 ص

اليوم ونحن على أبواب حلقة جديدة من حلقات الأحداث التى توالت منذ 25 يناير 2011، وظننا أننا نلم بأطرافها ونساهم فى توجيه حركتها معتقدين أننا على علم بحقيقة ما نراه رأى العين، إن الوجود فى قلب الأحداث أو مشاهدة رصدها على الشاشات. لو أننا تجردنا من هذا الانغماس الكلى ولبسنا ثوب المؤرخ واستخدمنا منهجه فى الاجتهاد فى تفسير حقيقة ما هو حادث، فربما تبدت لنا بعض المعالم التى قد تفسر كيف تحول انبهار البعض بالثورة والثوار إلى لعنات واتهامات بكونها نتاج مؤامرات ودسائس نفذها مأجورون أقل ما يمكن وصفهم به هو أنهم خونة مرتزقون.. لعلنا نتخلص من وهج أحداث أعمت بصائرنا.. ونستطيع أن نتلمس طريقا ينجينا من نتائج مكروهة ولكنها تبدو محتومة.

وأقول بداية أن الثورة لا تنشب لمجرد التعرض للاستبداد والقهر والاستعباد وتوحش رأس المال والنفاق الاجتماعى والجمود العقائدى، بل بسبب وصول هذه العوامل أو بعضها إلى حالة تولد شعورا باستحالة الاستمرار فى الاستكانة لها. فالشعور بالظلم هو الذى يدفع الرغبة ويولد فى النفس الاعتقاد بضرورة التغيير والسعى لامتلاك القدرة على إحداثه. باختصار إحياء الأمل فى تحسين الأوضاع السائدة، لإعادة بناء حاضر قابل للاستمرار دون مزيد من المعاناة. كانت الثورة الفرنسية نموذجا ألهم البشر أن تجاوز الطغيان الحدود يقلب موازين القوى بين أعضاء المجتمع. وتكرر هذا النموذج فى صراعات متعددة بين ملاك للأصول المادية، إقطاعيات كانت أم رءوس أموال، استأثر بها البعض بما زيّن بأنه حق أو بأساليب ملتوية، والمعدمين الذين لا يملكون فرصة للبقاء إلا بالامتثال لأوامر ونواهى الذين فرضوا أنفسهم سادة على العباد.

•••

وعندما حل عام 1968 نضجت فئة عمرية نشأت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية فى 1945. وأدركت كمّ الهول الذى أصاب أهاليهم بسبب الانغماس فى حروب إبادة لا يقبلها عقل ولا منطق، دفعهم لمحاولة تحاشى أسباب الصراع والاكتفاء بتوفير متطلبات السلام والأمن الدوليين. ورغم أن أوروبا الغربية كانت قد أنجزت سوقها المشتركة بنجاح، ليحل التوافق السياسى والاقتصادى محل الصراع، وتأذن لمرحلة تنموية مبشرة، إلا أن هذا بدوره عجز عن أن يطمئن قلوب الشباب بمستقبل يشيع فيه الرخاء. وشعر الطلبة الذين تمتعوا بحاضر أتاح لهم الوصول إلى أرقى مراحل التعليم، أن الطريق إلى مستقبل واعد ليس مفروشا بالورود. فانزعجوا، ليس من واقع الحال، بل خشية سوء المآل. وقدروا أن الجيل السابق اكتفى بحل مشكلته المتعلقة بإحلال السلام محل الصراع، ولكنه لم يعمل على حل مشكلتهم هم فى التهيئة لمستقبل يشعرون بأنه من حقهم.

•••

وكما انطلقت أولى ثورات حقوق الإنسان من باريس فى يوليو 1789 من أجل إصلاح الحال واستمرت عشر سنوات، انطلقت شرارة أول ثورة شباب من أجل مستقبل أفضل من السوربون فى مايو 1968. وأهم ما أضافته هو أنها نقلت العمل الثورى من المادية إلى الإنسانية، وكسرت قيود العقائدية التى بنيت على أساس التطور المادى، وأوضحت أن العبرة ليست بمجرد أساليب إدارة النظام الرأسمالى الإنتاجى، بل فى جوهر القيم التى يقوم عليها ذلك النظام وتطوره. ففى الدول الاشتراكية تم حشد البشر والموارد الطبيعية بلا ضابط فى صناعات ثقيلة، موجهة لبناء قاعدة إنتاجية وتعزيز القوة العسكرية للدولة لحمايتها من أطماع طبقة الرأسماليين. فعمد هؤلاء إلى مضاعفة نصيبهم من الدخل القومى بالانتقال بآلية تسخير البشر من الخضوع لماكينات الإنتاج إلى عبادة غرائز الاستهلاك المنفلت بذريعة الارتقاء بنوعية الحياة. وبالتالى فهى لم تكن ثورة على النظام الاقتصادى المفتقد للعدالة، بل على صيغة الدولة الوطنية التى ولدت من رحم الثورة الصناعية، وتخفت فى سترة ديمقراطية مزيفة تتيح للعامة ما يبدو اختيارا حرا فى أسلوب إدارة شئون المجتمع واحتفظت لنفسها ولمتحكمين فيها بالسيطرة على أسس النظام الإنتاجى، إن ليبراليا يطلق حرية مزعومة للفرد فتستأثر بها طبقة ملاك رأس المال، أو اشتراكيا يمثل البروليتاريا بينما يستأثر بممارسة وظيفة أولئك الملاك.

ولذلك رفضت الأحزاب اليسارية الفرنسية مؤازرة الشباب فى ثورته، وفضلت التمسك ببنيان ديمقراطى يعطيها فرصة فى تداول السلطة ضمن الحدود التى يتيحها لها. يذكر أن بداية 1968 شهدت وصول دوبتشك إلى الحكم فى براغ ودعوته إلى خلق مساحة مقبولة من حرية الرأى، وبناء ما سماه «الاشتراكية ذات الوجه الإنسانى»، فى محاولة لاستعادة قدرة تشيكوسلوفاكيا التنافسية (وهى التى زودت مصر بصفقة السلاح فى 1954) فكان ربيع براغ الذى أنهاه بريجنيف بدفع حلف وارسو لغزو البلاد. من جهة أخرى تفجرت ثورات الشباب خلال 1968 فى ألمانيا وإيطاليا واليابان. بل وامتدت إلى الولايات المتحدة فى مناهضة للتفرقة العنصرية بدأت مصاحبة للمطالبة بإنهاء حرب فيتنام فى 1964 ثم احتدمت فى 1968 مع مصرع مارتن لوثر كينج. الغريب أنها امتدت إلى البرازيل والأرجنتين وبيرو، وإلى المكسيك التى شهدت مذبحة قبيل المونديال نتيجة خلاف شبابى فى ظروف عانت فيها البلاد من حكم استبدادى لعدة عقود، فعمد الحرس الجمهورى إلى تكليف قناصة بإطلاق النار على قوات الأمن لتقتل منهم من قتلت وتجرف الآخرين بالجرافات.

•••

هل تجلت أوجه الشبه بين 1968 وثورة 2011؟ شباب يبحث عن مستقبل يتجاهله الجيل الذى خنع للاستبداد أربعة عقود، ولكنه لا يملك تصورا لدولة قادرة على بنائه ــ طغت على رؤيته تصورات جيل ظل هو وشبابه محصورا فى قيد حديدى لدولة تبحث عمن يمنحها قبلة الحياة، بينما المطلوب إسقاطها وبناء دولة بنمط إنسانى غير مسبوق ــ وفى دولة متخلفة نظام استبدادى يفتعل إسقاط شهداء من الشباب لضمان بقائها – وزدنا عليها كوميديا سوداء بغسل عقول فريق ثالث من الشباب يرى المستقبل فى ما ساد قبل 14 قرنا..

أم هى مجرد تخيلات شخص أصبح على مشارف عالم آخر ؟

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات