صناع القرار فى السياسة الخارجية التركية - علي عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 10:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صناع القرار فى السياسة الخارجية التركية

نشر فى : الثلاثاء 2 يونيو 2015 - 9:05 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 2 يونيو 2015 - 9:05 ص

شوهد فى الفترة الأخيرة حالة من التخبط فى موقف الدولة التركية تجاه بعض ملفات السياسة الخارجية. وفى الحقيقة حالة التخبط لم تكن فقط تجاه ملفات السياسة الخارجية، فبعض الملفات الداخلية ذات الأهمية شهدت نفس حالة التضارب فى التصريحات، والتردد فى اتخاذ القرارات. شوهد ذلك جليا فى موقف تركيا تجاه التغيرات الأخيرة فى مصر بعد 30 يونيه وموقفها من النظام الجديد، أيضا الموقف من الملف السورى فى بداية نشوب الأزمة فى 2011. وكذا داخليا موقفها تجاه أحداث «جيزى بارك» الشهيرة، ثم تجاه ما سمى إعلاميا «الكيان الموازى» ويقصد به حركة فتح الله كولن. وللوقوف على أسباب حالة التخبط وعدم الاتساق تجاه تلك الملفات يجب أولا التعرف على أجهزة صنع القرار فى السياسة الخارجية التركية. ثم محاولة التعرف على أسباب حالة التخبط التى صاحبتها فى الفترة الأخيرة.

يضطلع بصنع القرار فى السياسة الخارجية التركية ثلاثة لاعبين أساسيين وهم أولا: رئيس الوزراء ورئيس حزب الأغلبية فى البرلمان ويساعده فى ذلك وزارة الخارجية. ثانيا: مؤسسة الرئاسة، حيث تتمتع دستوريا بدور أساسى يقل أو يزيد وفقا لشخصية رئيس الجمهورية. ثالثا: المؤسسة العسكرية، وتحديدا من خلال نفوذها داخل مجلس الأمن القومى التركى (MGK). يتأثر هؤلاء اللاعبون بمجموعة من القيود والفاعلين الثانويين مثل المعارضة داخل البرلمان، وموقف الحلفاء الدوليين، بالإضافة إلى البيئة الدولية والإقليمية.

أولا: رئيس الوزراء
يعتبر رئيس الوزراء فى تركيا هو المسئول الرئيسى عن القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية التركية، بما يتمتع به من نفوذ كرئيس للحزب الذى يمتلك الأغلبية داخل البرلمان، وكرأس للسلطة التنفيذية تقليديا فى تركيا. ويتحدد دور رئيس الوزراء أولا وفقا لشخصية الرئيس، ثانيا: لنسبة تمثيل حزبه فى البرلمان، وما إذا كانت حكومته إئتلافية أم تمثل لونا حزبيا واحدا.

ثانيا: رئيس الجمهورية
أعطى دستور 1982 لرئيس الجمهورية مزيدا من الصلاحيات عما كان من قبل. وقد تباينت نظرة رؤساء الجمهورية منذ نشأتها إلى الآن لدور مؤسسة الرئاسة، من حكم بين السلطات، «وفوق السياسة»، إلى طرف أساسى ولاعب نشط فى صنع القرار على المستوى الخارجى والداخلى. وربما نستطيع تصنيفهم إلا ثلاث فئات، الأول: يرى لها دور رمزى ممثل للدولة وحارس لمبادئها ويستغل حق الفيتو فى بعض القرارات التى تهدد مبادئ الدولة الأساسية مثل أحمد سيزار، وكنعان افران وآخرون. الثانى: لعب دورا أكثر نشاطا فى السياسة الخارجية ومكملا ومنسقا مع دور رئيس الوزراء مثل: سليمان ديمريل، وعبدالله غول. الثالث: يرى أن مؤسسة الرئاسة هى اللاعب الرئيس فى صنع السياسية الخارجية، وصاحب الكلمة العليا فيه وتمثل ذلك فى رئاسة تورجوت أوزال، وأخيرا رجب طيب أردوغان. اختلف دور المؤسسة باختلاف شخصية الرئيس، وأيضا بخبراته من عدمها فى ملفات السياسة الخارجية.

ثالثا: المؤسسة العسكرية
تتمتع المؤسسة العسكرية بقدر من الاستقلالية والتأثير فى صنع القرارات المهمة فى السياسة الخارجية التركية، تقلص دورها تدريجيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم عام 2002. ويتمثل دورها بشكل أساسى من خلال عضويتها فى مجلس الأمن القومى بخمسة أعضاء من أصل اثنا عشر عضوا وهم: رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية، وزير الداخلية، وزير العدل، وزير الدفاع (مدنى)، ثم رئيس الأركان، قائد القوات البرية، قائد القوات الجوية، قائد القوات البحرية، قائد قوات الدرك (الجندرمة). وقد لعبت دورا أساسيا فى القرارات التى تعلقت بالحرب على العراق الأولى والثانية، من استخدام قوات التحالف للأراضى والمجال الجوى التركى، أو بإرسال قوات خارج البلاد. ومن المعروف أن تركيا عضو فى حلف الناتو، وتتمع المؤسسة العسكرية بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

•••

تأتى هنا الإجابة عن سؤال: من أين يأتى مصدر الخلل والتخبط داخل تلك المؤسسات الثلاث، وتصاعده بشكل واضح فى الفترة الأخيرة؟

يأتى مصدر الخلل الأساسى من الدور المرن وغير الواضح لمؤسسة الرئاسة فى صنع السياسة الخارجية، حيث يختلف الدور مائة وثمانين درجة بناء على شخصية رئيس الجمهورية ورؤيته. لم تظهر الأزمة بوضوح إلا عند اضطلاع كل من رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية بدور فعال فى تلك الملفات وتحديدا فى فترة رئاسة عبدالله غول، ورئاسة الوزراء لأردوغان. فرغم أن كلاهما ينتمى لنفس الحزب ونفس المشروع الفكرى والسياسى، بالإضافة للعلاقة الشخصية الجيدة بينهما، إلا أن طبيعة أردوغان الشخصية والتى لا تقبل شريكا أو منافسا فى عملية صنع القرار، فى الوقت الذى قام به غول بتحركات فعالة على عكس من كان قبله «أحمد نجدت سيزار». ثم تفاقمت مظاهر الأزمة الهيكلية وازدادت حدتها فى النظام السياسى بعد أن أصبح رئيس الجمهورية منتخبا من الشعب مباشرة وليس من البرلمان كما كان من قبل، ووصول شخصية قوية ونشطة لسدة الرئاسة كأردوغان فى أغسطس 2014 وشعوره بمزيد من القوة كأول رئيس جمهورية يأتى بالانتخاب المباشر من الشعب وممثلا له، واضطلاع خليفته أحمد داود أوغلو لرئاسة الوزراء القادم من خارج القيادات التقليدية للحزب، والراغب فى تغيير صورة أنه التابع لأردوغان والمنفذ لإرادته، مع الحفاظ على علاقة طيبة مع مؤسسة الرئاسة تجنبا لتفاقم الأزمة.

•••

خلاصة القول ربما تشهد الفترة القادمة وإلى ما بعد الانتخابات البرلمانية القادمة فى تركيا مزيدا من التوتر والتخبط بين كلا المؤسستين فى صراع ناعم لتحديد من تكون له الكلمة الأخيرة فى ملفات السياسة الخارجية، والتى سينبنى على نتائجها البدء فى إقرار دستور جديد للبلاد من عدمه، يركز بشكل واضح مزيد من السلطات التنفيذية فى يد رئيس الجمهورية، ليحل الخلل الهيكلى فى بنية النظام، أو تمتد الأزمة كما هى إلى أن يحدث تغيير فى قيادات احدى المؤسستين.

علي عبد الفتاح باحث ماجستير قسم العلوم السياسية جامعة «حجة تبة Hacettepe» - تركيا
التعليقات