مرشح للرئاسة خارج السياق - جميل مطر - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 9:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مرشح للرئاسة خارج السياق

نشر فى : الخميس 2 أغسطس 2012 - 9:30 ص | آخر تحديث : الخميس 2 أغسطس 2012 - 9:30 ص

لأوليمبياد لندن الفضل فى أننا زدنا معرفة بالسيد ميت رومنى، مرشح الحزب الجمهورى لمنصب رئيس الجمهورية فى الولايات المتحدة. فقد أراد منظمو حملة انتخابات السيد رومنى ركوب موجة الاهتمام الإعلامى بأجواء التحضير للأوليمبياد فخططوا لرحلة يقوم بها المرشح الرئاسى للخارج يزور خلالها العاصمة البريطانية، املا فى أن يكون وصوله إليها فى هذا الوقت واجتماعه بالمسئولين فى انجلترا دافعا لتهتم الصحافة البريطانية والعالمية برجل غير معروف لديها، ولا يحظى باهتمام الرأى العام العالمى.

 

وبالفعل اهتمت الصحف ولكن لسبب لم يخطط له المنظمون. لم ينتبهوا إلى ان المرشح قد يفسد خطتهم فينطق فى السياسة الخارجية بما لا يفهم. وهو بالضبط ما حدث عندما صرح بأنه يخشى ألا تتمكن حكومة إنجلترا من تأمين النجاح للأوليمبياد، وهو التصريح الذى أثار ثائرة المجتمع السياسى البريطانى، خاصة وانه صدر وسط الجهود الهائلة التى كانت تبذلها الحكومة لاستكمال الاستعدادات وقبل ساعات من بدء الاحتفالات.

 

حدث أيضا أن أحد معاونيه اتهم أوباما فى تصريح لصحيفة الديلى تلغراف بانه لم يفهم طبيعة «الشراكة فى التراث الانجلوسكسونى» التى تربط بين أمريكا وبريطانيا. يقصد المعاون أن أوباما أسود ومن أصول أفريقية وبالتالى لن يتمكن من فهم مصدر قوة العلاقة الخاصة القائمة بين دولتين تنتميان إلى عنصر بشرى أبيض، العنصر الأنجلوسكسونى.

 

كان التصريحان كافيين لجذب اهتمام الرأى العام لشخص ميت رومنى، ولكن أيضا لإحباط الرحلة من بدايتها. وكان قد سبق التصريحين اجماع رأى الصحف على أن الهدف من الرحلة انتخابى محض، حتى ان تعليقات تعمدت الإشارة إلى الدول الثلاث بريطانيا وإسرائيل وبولندا كولايات يزورها رومنى لكسب أصوات. لفت نظرى بشكل خاص مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال كان عنوانه «رومنى يزور القدس ليكسب فلوريدا»، إذ لم يكن خافيا ان القصد من زيارة رومنى لإسرائيل اقناع بعض يهود أمريكا بعدم التصويت للمرشح الديمقراطى، بينما كان الهدف من زيارة بولندا كسب أصوات المواطنين الكاثوليك ونسبة من سكان الغرب الأوسط الأمريكى، وكانت زيارة بريطانيا، إلى جانب استغلال موجة الاهتمام الإعلامى بالأوليمبياد، كسب أصوات المنحدرين من أصول أنجلوسكسونية، وأغلبهم من البروتستانت.

 

ومع ذلك، بذل منظمو الرحلة جهدا ملموسا ليظهر مرشح الحزب الجمهورى محيطا على الأقل بالحد الأدنى من الشئون الدولية، فضلا عن أنهم حاولوا ان يبدو رومنى مختلفا عن أوباما فى الموقف من بعض القضايا. كانت المحاولات فى أغلبها ساذجة. حاولوا مثلا أن يظهر أوباما مقصرا فى حق إسرائيل، فتصدت لهم حملة أوباما لتعيد التأكيد على أمر صار فى الواقع مسلمة يعترف بها حتى العرب وإن أنكرها الإسرائيليون، وهى الإقرار بأنه لم يحدث أن حصلت إسرائيل من رئيس أمريكى على دعم ومساندة وتشجيع يماثل أو حتى يقترب من هذا الذى حصلت عليه من الرئيس أوباما.

 

حاولوا أيضا ان يظهر أوباما عاجزا عن توفير الميزانية الدفاعية اللازمة للمحافظة على مكانة الولايات المتحدة، بينما رومنى يعد بزيادة 2 تريليون دولار خلال العقدين القادمين، كان الهدف كسب أصوات اليمين المتشدد فى الحزب الجمهورى. نسى هؤلاء أنهم فى مكان آخر من برنامج رومنى ووعدوا بالتقشف فى الإنفاق الحكومى لإصلاح حال الاقتصاد. وقد انتهز أوباما فرصة انعقاد مؤتمر المحاربين القدماء ليعلن انه يؤمن بضرورة العمل ليكون القرن الحادى والعشرين قرنا أمريكيا، فتتجدد أمنية هنرى لوس التى يعتقد معظم السياسيين الأمريكيين أنها تحققت فى القرن العشرين. كلاهما، أوباما ورومنى، زايدا على بعضهما البعض فى هذا المؤتمر لتأكيدهما قناعتهما بأن أمريكا دولة استثنائية. وأنها لكى تقود يجب أن تكن قوية اقتصاديا. كلاهما يعلم حق العلم أن الاقتصاد الأمريكى وصل ضعفه إلى حد إجبار الرئيس أوباما على تبنى سياسة «القيادة من الخلف» أى باستخدام الحلفاء، وتفادى التورط فى نزاعات خارجية كما فعل مع ليبيا ويفعل مع سوريا، والتخلص تدريجيا من تبعات ومسئوليات مغامرات إمبريالية سابقة كمغامرتى العراق وأفغانستان.

 

لذلك بدا المرشح الرئاسى رومنى خلال الرحلة كما لو كان خارج السياق. إذ أنه حين يصر على أن روسيا الخصم الاستراتيجى رقم 1 لأمريكا، فإنه بهذا التحدى يدفع متطرفين فى النظام الروسى إلى توثيق تحالفهم مع الصين وطرح أفكار تتناسب وتطرف رومنى، مثل فكرة إقامة قواعد عسكرية وبحرية روسية فى أمريكا الوسطى وجنوب آسيا والبحر المتوسط. ظهر رومنى خارج السياق مرة أخرى عندما تحدث عن تقصير أوباما فى النزاع مع إيران، ولم يقدم بديلا، بمعنى أنه لم يطرح فكرة شن الحرب عليها وان كان أعطى إسرائيل الحق فى ضرب إيران متجاهلا أنه لا يملك وحده هذا الحق. المرشح ليس رئيسا مسئولا فضلا عن أنه ملتزم سياسيا بعدم مناقشة قضايا عسكرية خارج البلاد مع جهات أجنبية. كذلك لم يقدم بديلا لسياسة أوباما تجاه كوريا الشمالية، وهى السياسة التى وصفها بقصر النظر. من ناحية أخرى، لم يطرح فكرة ايجابية واحدة تتعلق بأمريكا اللاتينية أو بالشرق الأوسط، وان كان تعمد الإشارة إلى ان أمريكا فى عهد أوباما فقدت ثقة كل دول شرق أوروبا والسعودية وإسرائيل.

 

تبدو لافتة للانتباه ضحالة معلومات المرشح رومنى فى السياسة الخارجية، وبخاصة ونحن نعرف انه يحيط نفسه بخبرات مرموقة فى هذا المجال. يكفى ان نذكر ان بين مستشاريه خبراء من وزن هنرى كيسنجر وجيمس بيكر وجورج شولتز وكوندوليسا رايس.. هذه الأخيرة حاولت مؤخرا تحسين صورة رومنى فى دوائر اليمين المحافظ فراحت تقول إن أمريكا لا تستطيع ان تبقى ساكنة فى الشرق الأوسط وبخاصة فى موضوع سوريا بينما القوى الإقليمية تستعد كل منها بأجندة خاصة لتنفيذها فى سوريا. تقول أيضا إن أمريكا يجب ان تفكر فى العودة إلى «الارتباط» بقضايا العراق.

 

لا تكفى هذه الرحلة للتعرف على سياسة المرشح الجمهورى للرئاسة كما أنه لا تكفينا لنستشرف مستقبلنا معه أن نكون متأكدين من ضحالة معلوماته فى الشأن الدولى. كنا متأكدين من ضحالة معلومات رونالد ريجان وجورج بوش الابن ورغم ذلك تغير النظام الدولى فى عهد ريجان وتغير الشرق الأوسط فى عهد بوش. من ناحية أخرى لا أعرف دولة عربية واحدة، سواء مرت بثورة أو تتأهب لثورة، أبدت ما يشير إلى أنها تنوى الاستقلال بإرادتها عن الإرادة الأمريكية، سواء جاء رئيسا لأمريكا ميت رومنى أو بقى فى منصبه باراك أوباما.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي