جنوب لبنان 2006 وسيناء 2012 - ياسمين فاروق - بوابة الشروق
الثلاثاء 14 مايو 2024 6:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جنوب لبنان 2006 وسيناء 2012

نشر فى : الثلاثاء 2 أكتوبر 2012 - 8:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 2 أكتوبر 2012 - 8:20 ص

صدر القرار 1701 من مجلس الأمن بالأمم المتحدة فى ١١ أغسطس ٢٠٠٦ ليضع حدا للحرب الإسرائيلية على لبنان والتى دامت لأكثر من شهر. ولم يمر هذا القرار كأى قرار عادى بالنسبة للمتخصصين فى العلاقات الدولية عموما والقانون الدولى العام خصوصا. فالقرار منح الدعم الأممى والمؤسسى الصريح لعرف دولى جديد يمنح الدولة المعتدى عليها الحق فى الرد على الدولة التى هى «مصدر» الاعتداء المسلح حتى وإن كان هذا الاعتداء قد حدث من مجموعة مسلحة لا تتحكم فيها الدولة المركزية. بمعنى آخر، تم تحميل الدولة اللبنانية مسئولية قيام حزب الله بتخطيط وتنفيذ عملية عسكرية عبر الخط الأزرق على الحدود مع دولة إسرائيل. ومن ثم قامت الأخيرة بشن حرب شاملة جوا وبحرا وأرضا على كامل الأراضى اللبنانية قتل خلالها ألف مواطن لبنانى معظمهم من المدنيين بالإضافة إلى مقاتلى حزب الله، كما أسفرت الحرب الإسرائيلية عن إصابة ٣٦٠٠ لبنانى وتهجير ربع الشعب (مليون شخص) قسرا. وقد جاء رد تل أبيب بعد تعرضها «لهجوم» حزب الله على أراضيها والذى أدى إلى مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين بالإضافة إلى خطف جنديين إسرائيليين والعودة بهما إلى داخل الأراضى اللبنانية، فى خطاب المندوب الاسرائيلى أثناء جلسة تبنى القرار ١٧٠١ فى مجلس الأمن، حين قال بالحرف: «إسرائيل لم تجد خيارا سوى القيام بما لم تستطع لبنان القيام به» وبالتالى جاء الرد الإسرائيلى من باب «الدفاع الشرعى عن النفس». وعليه، تم تحميل الدولة اللبنانية مسئولية عدم قدرتها على بسط سيادتها على الجنوب والتحكم فى امتلاك واستخدام السلاح داخل أراضيها.

 

 ومن ثم أكدت إسرائيل مبدأ تنفرد به هى والولايات المتحدة الأمريكية فى سياستها تجاه دول الجوار، ووافقها فيه  ولو بطريقة غير مباشرة  أعضاء مجلس الأمن الحاضرون. ولب هذا المبدأ هو أنه فى حالة ما لم تستطع دول الجوار بسط سيادتها والتحكم أمنيا فى أراضيها، فسوف تقوم تل أبيب بنفسها بذلك. مع العلم أن قواعد القانون الدولى لا تكفل للدولة المعتدى عليها حق الرد على الدولة التى خرج منها الاعتداء مادام هذا الاعتداء لم يقع فى إطار عمليات عسكرية نظامية بين الدولتين. أضف إلى ذلك أن عدم إدانة مجلس الأمن لعدم تناسب قوة الرد الإسرائيلى مع قوة «الهجوم» النابع من لبنان (و هو مبدأ فى القانون الدولى) أكد ما شرعت فيه الولايات لمتحدة الأمريكية فى 2001 حينما بدأت حربها على «الإرهاب «بشن حرب طاحنة على أفغانستان على إثر هجوم حركة القاعدة على برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك والبنتاجون فى واشنطن ثم فى حربها الاستباقية على العراق. كما يمكن أن ندخل الحرب الاسرائيلية على غزة فى 2008 فى نفس هذا الإطار.

 

●●●

 

وعلى الرغم من اختلاف معطيات المشهد الإسرائيلى  اللبنانى فى 2006 عن المشهد الإسرائيلى  المصرى فى 2012، إلا أن هناك تشابهات لا يمكن تجاهلها وتجعل من المشروع أن نخاف من تسارع التطورات فى سيناء حتى نفيق على ضربة عسكرية إسرائيلية ردا على زيادة تواجد الحركات الجهادية فى سيناء واختراقها للحدود مع دولة إسرائيل. أهم هذه التشابهات تخص تصريحات المسئولين الإسرائيليين والأمريكيين. فإذا كانت المسألة لم تصل  بعد  إلى مجلس الأمن، إلا أن تصريحاتهم بخصوص الوضع الأمنى على الحدود مع مصر تسير فى نفس الاتجاه الذى سارت فيه فيما يخص حماية الحدود مع لبنان، خصوصا منذ انسحاب القوات السورية من الأراضى اللبنانية فى عام ٢٠٠٤. فحتى الآن، تكتفى تل أبيب بالتنديد بالوضع الأمنى فى سيناء فى جميع المحافل الدولية بمناسبة وبدون مناسبة، مع التشديد على أن الوضع أكثر خطورة مما تصفه مصر وأنه يشكل تهديدا مباشرا على الأمن القومى لإسرائيل. وكانت الأدلة الأكثر استخداما بالطبع هى التفجيرات المنهجية لخط الغاز المسئول عن توصيل الغاز المصرى إلى إسرائيل والذى تم تفجيره حوالى خمس عشرة مرة منذ بدأت الثورة فى مصر. وأتت بعد ذلك سلسلة من العمليات الإرهابية المحدودة التى انطلقت من سيناء نحو الأراضى الإسرائيلية والتى قتل على إثرها عدد محدود لم يتخط العشرة من الجنود الإسرائيليين ولكن أيضا من الجنود المصريين. وكان الطيران الإسرائيلى يخترق بالفعل الأجواء المصرية أثناء هذه العمليات تعقبا للعناصر التى كانت تحاول الفرار. كما استفادت إسرائيل كثيرا من العملية الإرهابية فى رفح والتى راح ضحيتها 16 جنديا مصريا فى ٥ أغسطس ٢٠١٢، وهو العدد الأكبر من ضحايا العمليات الإرهابية فى سيناء. فعدد ضحايا العمليات السابقة، سواء من الجنود المصريين أو الإسرائيليين كان أصغر من ذلك فى كل عملية.

 

 وبذلك تأكد للعالم كله أن سيناء 2012 هى جنوب لبنان 2006 وأن المخاوف الإسرائيلية لا تدع مجالا للشك. فالدولة المصرية عاجزة عن بسط سيادتها على سيناء فى ظل تقاعس الأجهزة الأمنية للدولة وعزوف وزارة الداخلية عمدا عن القيام بدورها فى مصر بشكل عام وفى سيناء بشكل خاص. ثم جاءت العمليات التى قامت بها جماعة «بيت المقدس» لتعطى إسرائيل الدليل الملموس والأكيد على أن الوضع فى سيناء لا يخص الأمن القومى المصرى وحده خصوصا وأن العملية الأخيرة التى قامت بها الجماعة فى ٢٣ سبتمبر ٢٠١٢ راح ضحيتها جندى من الجانب الإسرائيلى فقط دونا عن الجانب المصرى. فإسرائيل انفردت بفضل هذه العملية الأخيرة بصفة الضحية. لذلك ترجع أهمية هذه العملية إلى أنها تدق جرس الإنذار أن الرد العسكرى الإسرائيلى قد لا يكون بعيدا.

 

 ولكن ما قد يطمئنا فى مصر اليوم هو أن السلطات الإسرائيلية «سمحت» للجيش المصرى بالتواجد فى سيناء من خلال العملية «نسر ٢٠١٢» كفرصة أخيرة قبل أن تتولى إسرائيل حماية امتدادها الاستراتيجى فى سيناء بنفسها. ففى ٢٠٠٦، لم تستطع الدولة اللبنانية نشر الجيش اللبنانى فى الجنوب سوى بعد تبنى القرار ١٧٠١. وكان الحائل دون انتشار الجيش على الحدود فى الحالة اللبنانية هو سيطرة حزب الله على الجنوب اللبنانى منذ اندلاع الحرب الأهلية فى لبنان فى سبعينيات القرن الماضى. ففى الحالتين المصرية واللبنانية كان دخول الجيش فى الامتداد الاستراتيجى لإسرائيل نتيجة لاحتكاك مع الدولة العبرية أتى عن طريق اختراق حركات مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة للحدود بين البلدين.

 

●●●

 

يؤسفنى أن يكون الاهتمام بالأمن وبسط دولة القانون والسيادة على سيناء منبعه الخوف من الرد الإسرئيلى وليس المصلحة القومية لمصر كما نتصورها نحن. ويؤسفنى أن يستمر التعاطى مع مشاكل سيناء من منظور أمنى بحت. ويؤسفنى أكثر وأكثر أن أرى مادة فى مقومات الدستور  تحديدا المادة ٧٤ المستحدثة تؤسس لنظرة لا تعتبر أن الاختلاف الثقافى وإلى حد ما اللغوى لأهالى سيناء والنوبة من مصادر ثراء الأمة المصرية. فمثل هذه النظرة تنذر شؤما بأن مشاكل سيناء فى الاندماج سوف تستمر وبالتالى سيستمر المنظور الأمنى فى التعامل معها. ولكن يبقى الجانب المشرق فى هذا المشهد المظلم هو أن إلقاء الإسرائيليين الضوء على الفوضى الأمنية فى سيناء وسع من دائرة المهتمين والمتابعين للشأن السيناوى. ولعل نقطة البدء هى الاعتراف بأننا نتحمل جميعا مسئولية هذا الوضع وعلينا جميعا ألا ندع أهل سيناء يكافحون وحدهم من أجل وضعهم على خريطة التنمية فى مصر.

ياسمين فاروق أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
التعليقات