تعددت التجارب وآخرها اليابانية.. التعليم يبحث عن إدارة! - معتمر أمين - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 11:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تعددت التجارب وآخرها اليابانية.. التعليم يبحث عن إدارة!

نشر فى : الخميس 2 نوفمبر 2017 - 10:20 م | آخر تحديث : الخميس 2 نوفمبر 2017 - 10:20 م

ليس الخبر هو تأجيل الدراسة فى المدارس اليابانية، ولكن الخبر هو إنقاذ تجربة المدارس اليابانية من الفشل. وقرار التأجيل فى الواقع قرار شجاع. فالقرار أوقف سياسة الأمر الواقع التى كانت ستتسبب فى جعل هذه التجربة، مثل غيرها من التجارب، مجرد اسم جديد لنوع من أنواع المدارس، لكن بلا مضمون ذى جودة من أى نوع. وكم من تجربة استحدثناها فى مجال التعليم لم تسفر عن شيء. فلا أعدت خريجين، ولا قدمت نموذجا جديدا. وآخر تجربة نستحضرها هى تجربة مدارس النيل التى يشرف عليها صندوق تطوير التعليم. ذلك الصندوق المبهم، الذى يعمل تحت رئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية وزيرى التربية والتعليم، ووزير التعليم العالى والبحث العلمى، بالإضافة إلى آخرين. المهم أن تجربة مدارس النيل كانت واعدة جدا فى البداية، ثم انحدرت بشكل جعل أولياء الأمور يتظاهرون أمام مكتب رئيس مجلس الوزراء لكيلا يضيع مستقبل أولادهم. فإلى سنة التخرج لم تكن شهادتهم معتمدة أمام التعليم العالى! المهم أن رئيس الوزراء استجاب لأولياء الأمور وأنقذ التجربة من الانهيار الكامل! لكن لماذا لم تعمم التجربة على الجمهورية بدلا من المدارس اليابانى؟ لا أحد يعرف.

ومسألة التجريب فى مصر لاسيما فى التعليم، مسألة معروفة حتى أننا استوردنا فكرة المجمعات التقنية فى التعليم الفنى لكى تحدث طفرة فى نوعية الخريجين وبيئة المدرسة التى تتبنى نظام المجمعات. وباختصار، فكرة المجمعات نابعة من فرنسا، واستحدثتها عندما وجدت أن ألمانيا تتفوق عليها فى المنتجات، ويتقدم اقتصادها بطريقة لافتة للنظر. وبتحليل الأسباب تبين أن ألمانيا تولى أولوية خاصة بالتعليم الفنى المتخصص. فقامت فرنسا بعمل فكرة المجمعات المتخصصة فى كل مجال فنى، بحيث يتم إعداد مسار التلميذ منذ الإعدادى وحتى نهاية المرحلة الجامعية. لكن الجامعة هنا جامعة تطبيقية تكنولوجية، وليست فلسفية. والنتيجة هى تحسن اقتصاد فرنسا ولحقت بألمانيا فى العديد من النواحى. ثم ماذا فعلنا نحن؟ أستوردنا التجربة وأنشأنا مجمعين فى منتهى الروعة، أحدهما فى الأميرية. ثم ماذا؟ هل تم تعميم التجربة على مصر كلها؟ بالطبع لا لقلة الإمكانيات. والسؤال البديهى، هل تمخضت التجربة عن بناء مجمع أو حتى عشرة مجمعات، يعدون بضعة آلاف لسوق العمل؟ وماذا عن 1.6 مليون تلميذ فى التعليم الثانوى الفنى؟ أو بمعنى آخر، ماذا عن مصر؟ هل بوسع البلد الانتظار لعوامل التطور التقليدية، والتى قد تأخذ عقودا من الزمن لحين تعميم تجربة معينة أثبتت نجاحها؟ أم أن نموذج المجمعات التقنية الذى تم تطبيقه فى الأميرية لم يكن ملائما لمصر من الأساس؟

***

الواقع يقول إن لدينا حوالى 2000 مدرسة تجريبية تمثل نسبة 4% من إجمالى المدارس فى مصر، وهذه المدارس لها قصة. وبدون الخوض فى التفاصيل نسأل سؤال، لماذا هذه المدارس «تجريبية»؟ متى تثبت التجربة نجاحها من أجل تعميمها على مصر؟ ألا يكفى تجربة نموذج لمدة تزيد على عشرين سنة؟ هل التحدى فى تعميم التجربة هو ميزانية التعليم؟ ألم تتضاعف ميزانية التعليم من 66 مليار عام 2012ــ2013 إلى 107 مليارات فى العام الحالى؟ فلماذا لم يتم استعمال زيادة الميزانية فى تعميم تجربة المدارس التجريبية؟ علما بأن المدارس التجريبية لها مصروفات، تغطى الجانب الأكبر من تكلفتها. بمعنى آخر، الدولة لا تتحمل تكلفة باهظة لهذا النوع من المدارس. وبحسبة بسيطة نستطيع التدليل على الأرقام. فالتلميذ يدفع فى المدارس العادية 85 جنيها مصاريف سنوية، بينما تكلفته على الدولة 5000 جنيه. بينما فى المدارس التجريبية المصاريف عدة آلاف بحسب المدرسة، لكن لا تقل بأى حال عن ثلاثة آلاف جنيه. وتوجد إشادة بهذه المدارس بالمقارنة بالتعليم العام الحكومى. لذلك نسأل، لماذا نريد بناء مدارس جديدة يابانية حتى لو كانت بمنحة لا ترد؟ لماذا لم نتفاوض مع الجانب اليابانى لتطبيق النموذج فى أفضل 100 مدرسة تجريبية؟ وإذا جاءت النتائج مثمرة، فمن الممكن تعميم التجربة على مدارس مصر التجريبية، ثم على المدارس الحكومية!

***

إننا ومع التقدير والتحية للقرار الشجاع بتأجيل الدراسة فى المدارس اليابانية لكيلا تتحول إلى تجربة أخرى عبثية، نقول إن هذه فرصة لمراجعة الفكرة نفسها! وإذا كان تطبيق التجربة اليابانية بداخل مدرسة تجريبية يواجه تحديات بسبب البنية التحتية للمدرسة، وبسبب وجود نظامين للتعليم داخل نفس الجدران، فهذا أمر يمكن علاجه! بدليل أن وزارة التربية والتعليم على لسان وزيرها تقول إن الدراسة فى مدارس مصر ستختلف بدءا من العام القادم، وما سيتلقاه التلاميذ فى رياض الأطفال والصف الأول الابتدائى سيكون مختلفا تماما عن كل ما سبق. سيحدث هذا داخل نفس المدارس! بمعنى سيكون لدينا نظامان داخل المدرسة الواحدة! لماذا من الصعب تطبيق نفس الشيء فى المدارس التجريبى؟ الملاحظ أيضا أن مصر جاء ترتيبها فى إتاحة التعليم فى تقرير التنافسية الأخير فى المرتبة رقم 33 من 134 دولة، بينما جاء ترتيبنا من حيث إدارة المدارس والتعليم فى المرتبة رقم 124! ويمكن ترجمة هذه الأرقام إلى مفهوم أن مصر تتبع سياسة إتاحة التعليم بحذافيرها، بدون حسن إدارة لهذه الإتاحة. فلا هى إتاحة الجودة، ولا الإدارة غيرت من سياساتها لتصل إلى الجودة. لاحظ أن التجربة اليابانية لم تأت عن دراسة واختيار جهات متخصصة، وإنما جاءت بناء على رغبة السيد الرئيس لدى زيارته لليابان بعدما رأى نوعية متقدمة من التعليم. لكن هل تصلح لمصر؟ وهل نجحنا فى نقلها؟ أظن أن تأجيل الدراسة فى المدارس اليابانية خير إجابة. وإلى أن يكون لدينا مجموعة وزارية فى مجلس الوزراء للتنمية البشرية، مماثلة للمجموعة الاقتصادية، سيبقى التعليم جزيرة منعزلة وحقلا للتجارب.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات