الجامعات الأمريكية تبطل السردية الإسرائيلية - معتمر أمين - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 5:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجامعات الأمريكية تبطل السردية الإسرائيلية

نشر فى : الثلاثاء 7 مايو 2024 - 6:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 7 مايو 2024 - 6:45 م

أعادت انتفاضة طلاب جامعة كولومبيا أهمية الحرب فى فلسطين، بعدما تشتت انتباه العالم بسبب تبادل الهجمات الاستعراضية بين إسرائيل وإيران. كما أدت القرارات السيئة التى اتخذتها إدارة جامعة كولومبيا ضد الطلاب إلى انتشار المظاهرات فى العشرات من كبرى الجامعات الأمريكية، ثم انتقلت الاحتجاجات إلى جامعات أخرى فى بعض الدول الأوروبية، فيما أطلق عليه البعض طوفان الجامعات على غرار طوفان الأقصى. وأسفرت هذه المظاهرات الطلابية عن زيادة القلق لدى الإدارة الأمريكية، والحكومة الإسرائيلية، إضافة إلى العديد من الشركات الكبرى دولية النشاط الداعمة لإسرائيل، لأن طوفان الجامعات ينتقد الرواية الإسرائيلية عن حقيقة ما يجرى، كما يكشف عن صحوة فى الضمير الطلابى الذين يمثلون صوت المستقبل.
نلاحظ فى مظاهرات الجامعات الأمريكية، أنها ضد سلوك دولة أجنبية ليست فى حالة عداء مع الولايات المتحدة، بل هى أقرب حلفائها، كما أنها لصالح دولة أخرى ليست قريبة من الولايات المتحدة وإنما لا تكترث بها على أى نحو. ومن ثم، تتسبب المظاهرات فى وضع الإدارة الأمريكية فى حرج بالغ، فهى أكبر مصدر للسلاح إلى إسرائيل، وتعتبر مناصرها الوحيد ضد قرارات الإدانة فى مجلس الأمن الدولى، كما تفعل المستحيل لتنشر السردية الإسرائيلية عن طبيعة الحرب الدائرة فى فلسطين، مهما تنافت تلك السردية مع الواقع. فالولايات المتحدة تريد ألا يصدق الناس أعينهم ويصدقون ما تقوله إسرائيل.
لا تنفرد الإدارة الأمريكية بهذا السلوك، بل يتبعها كل وسائل الإعلام الأمريكية باختلاف انتمائها الحزبى، ويسرى الأمر نفسه على سبل التواصل الاجتماعى التى تقيد ما ينشر لفضح جرائم إسرائيل، وتروج لأى رواية إسرائيلية. ولكن بالرغم من كل هذه الجهود الجبارة المنصاعة لإرادة الحماية لكل ما يتعلق بإسرائيل، جاءت مظاهرات الجامعات الأمريكية لتقول، أن السردية الإسرائيلية غير مقنعة، وتنافى الحقيقة، وأن سياسة واشنطن مزدوجة المعايير، وأن الطلاب يريدون تغيير سياسات بلادهم لكى تكون أكثر إنصافا، حتى لو كانت تلك السياسات ضد أهم حليف للولايات المتحدة على الإطلاق، وتصب فى صالح المقاومة الفلسطينية.
ارتفاع صوت الاحتجاج على هذا النحو فى الجامعات الأمريكية له ما بعده. ولنتذكر أن الاحتجاجات الطلابية التى خرجت من جامعة كولومبيا فى ستينيات القرن الماضى ضد الحرب الأمريكية على فيتنام، ساهمت فى نزع شرعية الحرب، كما أفرزت قادة المستقبل للولايات المتحدة، مثل الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، ووزير الخارجية الأسبق، جون كيرى.
• • •
لنستعرض ما تطالب به مظاهرات الجامعات الأمريكية الآن وعلى رأسها جامعة كولومبيا، لنفهم ما هو السر فى شعور حكومة نتنياهو بالقلق الشديد. فلقد وضع الطلاب ثلاثة مطالب رئيسية وهى؛ أولا قطع العلاقات الأكاديمية مع الجامعات الإسرائيلية، وذلك يقلص استفادتها من برامج التعليم المطورة، وينتقص من مكانتها العلمية، وينال من سمعتها الأكاديمية. وبالرغم من استبعاد تحقيق هذا المطلب، لكن مجرد طرحه هو اتهام يطعن فى الموقف الأخلاقى للجامعات الإسرائيلية.
المطلب الثانى هو منع الاستثمار فى الشركات الإسرائيلية الناشئة، مما يوقف تدفق الأموال، ويضيق دائرة الشراكة التى يستفاد منها رواد الأعمال، والمشروعات الصغيرة، لاسيما التكنولوجية الحديثة. وقد يكون هذا المطلب أسهل نوعا ما فى تحقيقه، لاسيما لو اقتصر تنفيذه على من تلوثت أيديهم بدماء الأبرياء الفلسطينيين.
المطلب الثالث، هو رفض المنح من الجهات الداعمة لإسرائيل، وعلل الطلاب المطلب الأخير بأن المنح الموجهة من تلك الشركات دولية النشاط والقريبة من إسرائيل، تلزم الجامعات باتباع مناهج دراسية منحازة للرواية الإسرائيلية. ويبدو أن هذا المطلب قابل للتحقيق، بأكثر من غيره. فمثلا، أعلنت جامعة بورتلاند الأمريكية توقفها عن تلقى المنح من شركة «بوينج»، كما أعلنت جامعة براون، الوصول إلى توافق مع الطلاب على إنهاء الاعتصام بعدما وعدت بقطع العلاقات مع الشركات الإسرائيلية المانحة والتى ارتبطت بالإبادة الجماعية فى غزة. الشاهد، أن مطالب الطلاب تسير عكس كل ما تتمناه الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية.
• • •
لنتوقف هنا قليلا ونستحضر مشروع مر على عالمنا العربى سنة 2005 تحت مسمى «الشرق الأوسط الجديد»، حينها طالبت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن بتغيير مناهج التعليم لاسيما الدينية فى كثير من البلاد العربية لأنها تفرز أجيالا «تكره» الغرب، مما ساعد على إفراز كوادر قامت بأعمال إرهابية روعت العالم الغربى، كان أشهرها أحداث 11 سبتمبر. ثم تمر السنوات، ويخرج من الجامعات الأمريكية نفسها من يعيد التهمة الأصلية إلى أصحابها الفعليين الذين يمارسون الكراهية لكل ما هو ليس منهم أو مثلهم، فأنت إن لم تكن معهم أو منصاعا لإرادتهم فأنت من «الأغيار»، أو كما يحاول نتنياهو تشبيه المقاومة الفلسطينية بأنهم «العماليق»، ممن أوصت التوراة بإبادتهم هم وقراهم بلا أى هوادة. وبالتالى، تنقد مظاهرات الجامعات الأمريكية السردية الإسرائيلية، بعكس كل ما هو متوقع، وبعكس توجه التيار الرئيسى الغالب على المؤسسات الأمريكية، السياسية، والأمنية، والإعلامية، وكل هذا يشير إلى صحوة فى الضمير الإنسانى، الذى استطاع النفاذ من خلال تلك السرديات، واقتنع بأن ما يجرى على أرض الواقع ليس دفاعا عن النفس كما تدعى إسرائيل، ولا حتى عقابا جماعيا كما تصور البعض فى بداية حرب 7 أكتوبر، وإنما جريمة إبادة جماعية ممنهجة، ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلى، الذى بدوره يتبنى سردية كاذبة بأنه «أكثر جيش أخلاقى فى العالم»، فإذا بصورته الحقيقية تظهر أمام العالم كله.
لعل صمود الشعب الفلسطينى فى أرضه، وتصديه للتهجير القسرى، وإصراره على العودة إلى بيته، يبدد السردية الإسرائيلية الكاذبة التى تقول بأن الشعب الفلسطينى باع أرضه، وهجر دياره، وتركها غنيمة لليهود. والحقيقة، أن ما تم بيعه أو منحه لليهود فى فلسطين منذ سيطرة محمد على باشا على الشام، وحتى الإعلان عن قيام الدولة عام 1948 لم يتعد 6% من مساحة فلسطين. وقبل الحكم على هذه النسبة، إلى حضراتكم بيانها، حيث نصف هذه النسبة، أى 3% من مساحة فلسطين، كانت مملوكة لأثرياء من العرب، مثل عائلة سرسق اللبنانية، وقاموا ببيعها على مدار عقود إلى وسطاء عن الوكالة اليهودية، أو إلى جميعة الاستعمار اليهودى الفلسطينية. أما باقى الأرض، فتم بيع 2% من أثرياء الفلسطينيين، و1% فقط من الفلاحين، الذين أُجبر أغلبهم للتنازل عن أرضه مقابل ديونه لبنوك التسليف الزراعية، التى كانت أغلبها بنوكا يهودية فى فترة الاحتلال والانتداب البريطانى على فلسطين 1917-1948. ثم منح قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة 57% من الأرض لدولة إسرائيل، بالرغم من أن نسبة تعداد اليهود كانت 30% من تعداد فلسطين عشية إعلان القرار. ثم استولت إسرائيل عنوة فى حرب النكبة أو حرب «الاستملاك»، على 60% من الأراضى الممنوحة للجانب الفلسطينى فى قرار التقسيم لترتفع نسبته إلى حوالى 80% من مساحة فلسطين. وتفعل إسرائيل المستحيل لكى تمحو هذه الأمور من الذاكرة، وتطرح سرديات بديلة تزيف بها التاريخ. ولذلك يزعجها الحراك فى الجامعات الأمريكية، لأنه يستدعى أسئلة عما حدث، وإجابتها تسقط السرديات الإسرائيلية واحدة تلو الأخرى.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات