ليبيا.. ووهم (التدخل الإنسانى) - جيهان العلايلي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 7:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليبيا.. ووهم (التدخل الإنسانى)

نشر فى : الإثنين 3 أكتوبر 2011 - 9:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 3 أكتوبر 2011 - 9:30 ص

أعتقد أن هاجس سرقة الثورات العربية أو استخدامها لإعادة صياغة خريطة المنطقة بشكل يتوافق مع مصالح الغرب هو أمر مطروح بإلحاح عقب الثورة الليبية وسقوط نظام القذافى.هذا بالتأكيد ما لم ينتفض من أجله ثوار ليبيا وهو ما يجب أن ننتبه إليه جميعا فيما هو يخطط له فى هذه المرحلة المهمة من تاريخ ليبيا.

 

سمعنا من الرئيس الأمريكى باراك أوباما ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون فى خطابيهما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر، أن التدخل العسكرى فى ليبيا كان ضرورة والتزاما أخلاقيا متسقا مع ميثاق الأمم المتحدة من أجل حماية المدنيين. المفارقة هنا أنهما حين تحدثا عن القضية الفلسطينية اختفى طرح الحقوق والميثاق بل إنهما أوضحا أن التدخل لصالح فلسطين غير ضرورى بل وخط أحمر.

 

الرئيس الأمريكى حينما تحدث أمام الجمعية العامة عن ليبيا قال بنبرة تشى بزهو زائف: «هكذا يجب أن يعمل المجتمع الدولى ــ دول تقف معا للعمل من أجل السلام والأمن ومن أجل دعم الأفراد المطالبين بحقوقهم».

 

بنفس هذه الوقاحة السياسية تحدث رئيس وزراء بريطانيا الذى دفع بمقولة إن ليبيا والثورات العربية هى «فرصة عظيمة» ولكن إذا استطاع الغرب أن يغتنمها.

 

●●●

 

النموذج الإمبريالى الغربى لا يكف عن تكرار نفسه، معتبرا أن الشعوب العربية التى انتفضت لتحرر نفسها من الطغاة المنصاعين لأوامر الغرب، لا ترى ولا تتذكر ولا تتعلم.

 

يجرى الآن الترويج إلى اعتبار النموذج الليبى النموذج الأمثل الذى يجب الاحتذاء به فى «التدخل الإنسانى» وتطبيق مبدأ «مسئولية الحماية» «Responsibility To Protect» (R2P).

 

مسئولية الحماية (R2P) هى باختصار المنظومة التى تقنن التدخل العسكرى بتفويض من مجلس الأمن فى بلد ما لحماية المدنيين فيه إزاء إصرار المسئولين عن هذا البلد على قتل شعبهم ــ مبدأ (R2P) وإن كان قد أقر فى قمة الأرض (2005) إلا أن دولا كثيرة لا تزال مختلفة حوله وحول تحديد الظروف الواجبة لهذا التدخل.

 

المروجون للنموج الليبى فى التدخل الإنسانى يقولون إنه نجح لأن الغرب تفادى الأخطاء التى وقعت فى العراق، فدخل حلف الناتو بطلب من الليبيين أنفسهم وبسند من الشرعية الدولية «الأمم المتحدة» والشرعية الإقليمية «الجامعة العربية»، كما لم يدفع بقوات غازية كما حدث فى العراق بل كان يقود من الخلف.

 

أول هؤلاء المروجين لنموذج ليبيا فى التدخل الإنسانى هو الرئيس الأمريكى نفسه.

طرح دور حلف الناتو فى مقدمة المشهد الليبى مهما بالنسبة للدول الغربية الكبرى على اعتبار أن حروب المستقبل، كما يرى محللون كثيرون، من المرجح أن تدار عن طريق تحالفات قصيرة الأمد بين مجموعات من الدول ذات المصالح المشتركة عن طريق الأحلاف العسكرية المختلفة الفاعلة على الساحة الدولية.

 

وفى هذا الصدد نذكر تقريرا مهما صدر قبل أيام عن المعهد الملكى للقوات المتحدة (RUSI) بلندن.

 

هذا التقرير وصف التدخل العسكرى فى ليبيا «بالعملية غير المعهودة» مقارنة بما تم فى العراق وأفغانستان وكوسوفو. وقال إن التدخل نجح من خلال الجمع بين «الابتكار والتجديد وحسن الحظ»! أعتقد أن «حسن الحظ» يكمن فيما حدث من توافق بين المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى فى ليبيا «النفاذ المتميز إلى موارد ليبيا الهائلة من البترول والغاز» والدعوة التى جاءت من مجلس الأمن بضرورة استخدام كل الوسائل المطلوبة لإعلاء قيم ميثاق الأمم المتحدة المتمثلة فى حماية المدنيين الليبيين.

 

●●●

 

ولكن السؤال الأهم المطروح هو ما إذا كان حلف الناتو قد التزم بالتفويض الممنوح له فى القرار رقم (1973) الذى أجاز التدخل العسكرى أم تعداه؟ وإن كان قد تعداه فهل يصلح النموذج الليبى للتطبيق فى مناطق أخرى فى المستقبل؟

 

القراءة الأولية لأداء الحلف خلال الستة الأشهر الماضية فى ليبيا تشير إلا أن الحلف قد تجاوز التفويض الممنوح له.

 

فالقرار نص على «استخدام كل الوسائل الضرورية» لحماية المدنيين والمنشآت المدنية فى ليبيا. ولكن أداء حلف الناتو دل على أنه قد ساوى بين «حماية المدنيين» و«تغيير النظام»، أو أنه اعتبر أن الحماية لا تتحقق سوى بتغيير النظام. فى كلتا الحالتين فهذا يمثل خرقا للقرار رقم 1973. بل أن أربع دول فى مجلس الأمن قد تحفظت أثناء التصويت على القرار لإبداء اعتراضها على الصياغات الرمادية وكى لا تعطى أى شرعية لفرضية «تغيير النظام».

 

حلف الناتو قام أيضا بشكل واضح بخرق حظر تصدير السلاح الذى فرض على الطرفين «نظام القذافى والثوار» فى القرارين 1970، 1973. فالحلف منذ بداية المعارك أخذ صف الثوار وأمدهم بالذخيرة والعتاد العسكرى بل أرسل خبراء عسكريين إلى ليبيا فى مخالفة صريحة أيضا لنص القرار 1973. كذلك كان لقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة أدوارا معروفة للكافة فى مد الثوار بالذخيرة والعتاد العسكرى طوال الأشهر الماضية.

 

وأنا هنا لا أناقش إن كانت نتيجة تدخل حلف الناتو ناجحة أم لا، أو إن كان الثوار قد طالبوا بهذا التدخل أم لا، فقط إن كان الحلف قد تجاوز التفويض الممنوح له وانعكاسات ذلك على أى دور مستقبلى لحلف الناتو فى عمليات «التدخل الإنسانى».

 

وقد أبدت كل من روسيا والصين وجنوب أفريقيا الكثير من الاعتراض على تجاوزات الحلف وطالبوا بعقد مجلس الأمن لمناقشة تطورات الوضع الليبى فى أثناء المعارك ولكن دون جدوى. ومن أهم تلك التجاوزات لحلف الناتو ارتفاع عدد الضحايا المدنيين جراء ضربات طائرات الحلف واستهداف المنشآت المدنية.

 

يذكر أن المندوب الروسى لدى الأمم المتحدة قد انتقد أداء حلف الناتو وقال إن هدف «الحماية» قد تم تجاوزه باستهداف المنشآت المدنية. كما انتقدت بشكل علنى رئيسة منظمة اليونسكو ارينا بوكوفا حلف الناتو فى 30 يوليو عقب استهداف الحلف لمبنى التليفزيون الليبى والذى نتج عنه سقوط ضحايا من المدنيين وقالت بوكوفا «إن المنافذ الإعلامية لا يجب استهدافها فى العمليات العسكرية».

 

●●●

 

مرحلة جديدة فى تاريخ ليبيا تبدأ بتبوء المجلس الانتقالى مقعد ليبيا فى الأمم المتحدة وأيضا بصدور قرار مجلس الأمن رقم (2009) فى منتصف هذا الشهر. هذا القرار وضع الإطار السياسى لما يجب أن يحدث فى ليبيا الجديدة وهو فى نظرى لا يؤشر إلى بدايات جيدة إطلاقا.

 

فالقرار (2009) الذى صدر تحت الفصل السابع يجعل مجلس الأمن سيدا على ليبيا وشريكا لنظام الحكم فى كل القرارات السيادية الخاصة بالسياسة وبالموارد والأمن والاقتصاد.

 

فبالرغم من تحرير معظم التراب الليبى فقد أبقى القرار (2009) على فرض الحظر الجوى على الفضاء الليبى كله ولنفس الأسباب التى كانت قائمة إبان حكم القذافى (أى بحجة حماية المدنيين). وقال وزير خارجية بريطانيا وليم هيج إن دور حلف الناتو «سوف يستمر مادامت هناك ضرورة»! نقرأ من ذلك أن بقاء حلف الناتو مهيمنا على الفضاء الليبى هو أمر مستمر إلى أجل مفتوح وغير مرهون بإرادة الشعب الليبى. وقد نادى المجلس الانتقالى الليبى وكذلك كل من روسيا والصين وتركيا بضرورة رفع الحظر الجوى المفروض على سماء ليبيا.

 

فهل تصبح ليبيا موطئ قدم جديد للثلاثى أمريكا ــ بريطانيا ــ فرنسا على ضفاف جنوب البحر المتوسط؟ هل نشاهد عودة القواعد العسكرية والجواسيس وطائرات الـDrones التى تحصد بلا هوادة المدنيين كما نشاهد فى أفغانستان وباكستان والعراق والصومال؟ وقد تعمد من صاغوا القرار رقم 2009 أن يضعوا فيه العديد من الثغرات التى قد تسمح بعمل الحلف لأجل مفتوح.

 

أيضا لم يرفع مجلس الأمن الحظر المفروض على أموال وأصول ليبيا الاقتصادية فى الخارج إلا بقدر محدود وطبقا لما يسمح بإنعاش صناعة البترول والغاز والقطاع المصرفى وهى قطاعات بعينها للغرب مصالح كبيرة فيها.

 

نحن نتحدث عن نحو مائة وخمسين بليون دولار من الأرصدة الليبية المجمدة فى الخارج، حسبما ذكرت تقارير صحفية. وقد طالب رئيس الوزراء فى مجلس انتقالى السيد محمود جبريل بضرورة رفع الحظر على الأصول المالية الليبية بالخارج بأسرع وقت ممكن.

 

ولم يفت قرار مجلس الأمن (2009) أن يدعو صندوق النقد الدولى والبنك الدولى إلى مساعدة ليبيا على إعادة هيكلة الإدارة العامة للمؤسسات المالية والنقدية حتى تندمج ليبيا فى النظام الرأسمالى الحر والأسواق المفتوحة. ألم يقل رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون إن ليبيا والثورات العربية هى فرصة عظيمة.. ولكن إذا أحسن الغرب استغلالها!

 

●●●

 

لا يمكن إنهاء هذا المقال دون الإشارة إلى المفارقة الواضحة فى القرار (2009) حيث تم استبعاد الجامعة العربية من لعب أى دور فعال فى مرحلة بناء النظام السياسى الليبى الجديد. هذا التغييب المتعمد لدور الجامعة هو تطور يقارن بما كان مطلوبا منها قبل الحرب مباشرة من إعطاء شرعية إقليمية لدخول حلف الناتو إلى المسرح الليبى وبنص صريح فى قرار مجلس الأمن (1973).

 

لذا فالمطلوب من الجامعة العربية ألا تكتفى بدور «المسهل» لعملية إعادة فرض الوصاية على ليبيا. المطلوب أن تمد الجامعة العربية ــ وهى ذاتها فى مرحلة إعادة صياغة توجهاتها الفكرية ــ أن تمد الوصال إلى المجلس الانتقالى الليبى والفاعليات السياسية والمجتمع المدنى الجديد فى ليبيا لمساعدتهم على الانتقال من المرحلة الثورية إلى مرحلة الوفاق وبناء المؤسسات الديمقراطية.

جيهان العلايلي  صحفية مصرية
التعليقات