أبواق تيار الضرورة - مصطفى النجار - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 11:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أبواق تيار الضرورة

نشر فى : الجمعة 3 أكتوبر 2014 - 8:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 3 أكتوبر 2014 - 11:55 ص

تقول دساتير العالم وكذلك الدستور المصرى أنه (لا عقوبة إلا بجريمة) و(لا عقوبة إلا بناء على قانون والمتهم برىء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية أمام قاضٍ مستقل وتتوفر فيها جميع ضمانات التقاضى والدفاع)، هذا ما استقرت عليه البشرية وتأصل فى ضميرها الإنسانى على مدى السنين لكن ظهر فى مصر تيار جديد وهو (تيار الضرورة)، الذى يطأ بقدميه كل الأعراف القانونية والدستورية والبديهية، وهو يرفع فى وجه الجميع قميص عثمان إفكا والذى أصبحت كلمة الضرورة هى المرادف له.

لأول مرة فى تاريخ الجامعات المصرية والجامعات العالمية يُخرج (تيار الضرورة) مهزلة غير مسبوقة عبر تعديل مخالف للدستور يمنح رئيس الجامعة حق عزل أعضاء هيئة التدريس مباشرة بلا قضاء، فى أشد أزمنة القمع والاستبداد لم تتجرأ أى سلطة على التفكير فى مثل هذا القرار المهين لأساتذة الجامعات، ولم يجرؤ أحد من الموالين للسلطة فى الاقتراب من كرامة الأستاذ الجامعى واستقلاله وهيبته لهذا الحد، كان أساتذة الجامعات خط أحمر تتجنب السلطة المساس به لكن مع اشتداد مرحلة الهستيريا والهوس المغلف بالوطنية أضحى أساتذة الجامعات هدفا تنال منه أبواق الظلام ودعاة الاستبداد.

•••

لم تكتفِ السلطة فى مصر بمهزلة إلغاء انتخابات رؤساء الجامعات وعمداء الكليات بعد أن كان أحد منجزات ثورة يناير إعطاء الأساتذة حقهم لاختيار من يديرون شئونهم ومن يقومون على إدارة العملية التعليمية بالجامعة. ولأن رد فعل أساتذة الجامعات كان ضعيفا وباهتا فى أغلب أحواله ــ إلا بعض اعتراضات قليلة ــ إذا بالصفعة التالية تعقب الصفعة الأولى لتحول أستاذ الجامعة إلى شخص خائف لا يستطيع أن ينطق كلمة واحدة يعبر بها عن رأيه فى محاضرته لطلابه، فقد تكون كلمته وآراؤه مخالفة لهوى السلطة ليتم عزله بقرار إدارى لينضم لطابور العاطلين والمتسكعين على المقاهى.

هل يعرف القارئ مدى الكارثة التى ستحيق بأساتذة الجامعات بعد هذا التعديل المشين؟ إن كل أستاذ جامعى سيتحدث عن الفساد فى كليته أو جامعته معرض للعزل، كل أستاذ سيرفض أن يكون عينا وعصفورة أمنية للتجسس على زملائه معرض للفصل، كل أستاذ سيتجرأ، ويقول رأيه فى أى شىء قد لا يوافق رغبات الحكام سيغدو مذنبا يتم فصله بلا محاكمة، كل أستاذ سيُغضب رئيس الجامعة وحاشيته ــ فى أى أمر تعليمى أو إدارى ــ سيناله الغضب وستلصق به تهمة الإرهاب وغيرها ليغادر منصة التدريس إلى الشارع، لا يحتاج قرار الفصل إلا لوشاية صغيرة أو توصية أمنية بناء على تقارير مفبركة تحول أستاذ الجامعة إلى إرهابى.

هل ندرك معنى تجاوز الأعراف الدستورية والقانونية المستقرة لنعاقب الناس بلا محاكمة؟ إننا كمن يقترح إلغاء القضاء بالكامل وترك المساءلة والعقوبة فى يد أشخاص لا رقيب عليهم ولا ضوابط تحكم أداءهم، إننا نهدم منظومة التقاضى ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا ينقض العقد الاجتماعى بين المواطن والدولة ويهدم فكرة العدالة برمتها.

•••

أبواق (تيار الضرورة) سيعلو صوتها ومزايدتها لتقول كلاما سمجا من عينة «هو إنت إرهابى عشان تخاف، هو إنت بتشكك ليه فى نية رؤساء الجامعات، رفضك للتعديل يعنى تأييدك للإرهاب» إلى آخره من الحجج التافهة والفارغة التى تهدف لتفزيع المجتمع وابتزاز أساتذة الجامعات للرضوخ لهذا العبث والتجاوز الشديد الإهانة والتحقير لكرامة الأستاذ واستقلاله. قال أحد أساتذة الجامعة معلقا على هذا التعديل: لقد صرنا نريد نفس الحق القانونى الذى يمنحه القانون لعامل النظافة فى مدرسة ابتدائية والذى لا يستطيع مدير المدرسة ولا وزير التعليم فصله من عمله إلا بعد محاكمة قانونية يصدر بها حكم قضائى نهائى، أما نحن أساتذة الجامعات فيكفى توقيع من رئيس الجامعة وعدد من الأساتذة الموالين له لرمينا فى الشارع.

أى مهانة تلك التى يريدون بها إذلال أساتذة الجامعات ونخبة المجتمع؟ وكيف يرتضى أساتذة الجامعات هذا الذل وسحق الإرادة؟ إن كل أستاذ جامعى يوافق على هذه المهزلة يجب أن يوضع اسمه فى قائمة سوداء سيخلدها التاريخ الجامعى كسجل مخزٍ ووصمة عار فى جبين الجامعات والتعليم المصرى.

قرار تعديل أحكام القانون 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات هو يوم أسود فى تاريخ التعليم فى مصر ستتذكره الأجيال القادمة ليس لأنه يحمل صبغة إرهاب سياسى وتكميم أفواه لأساتذة الجامعات فقط بل لأنه سيؤدى إلى مزيد من انهيار التعليم فى مصر عبر تحصين الفساد والفشل وإضفاء حقوق إلهية لرؤساء الجامعات الذين تعينهم السلطة، هذه مذبحة استقلال الجامعات الأخيرة التى لن ينهض بعدها تعليم فى مصر.

لم يركز (تيار الضرورة) على مشكلات التعليم والطلاب وسوء التجهيزات اللوجستية وضعف الميزانية واندثار البحث العلمى ورأى أن أساتذة الجامعات يحتاجون لعصا تأديب غليظة تجعل مواقفهم محسوبة بحسابات أكل العيش والتطبيل للسلطة لنيل الرضا.

فلينتظر أساتذة الجامعات نفس مصير طلابهم الذين تعرضوا للفصل النهائى من جامعاتهم بلا تحقيق قانونى ولا مساءلة باسم الضرورة والاشتباه ومصلحة الوطن، من يصمت على حقه لا ينتظر من أحد أن يأتيه به، نكسة جديدة للديمقراطية فى مصر وهدم للدولة والقانون تحت أوهام الضرورة.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات