خدعوك فقالوا: الإسلام قادم لمصر - وائل قنديل - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 3:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خدعوك فقالوا: الإسلام قادم لمصر

نشر فى : السبت 3 نوفمبر 2012 - 8:10 ص | آخر تحديث : السبت 3 نوفمبر 2012 - 8:10 ص

لا أفهم كيف لخطيب يقف على منبره بعد ١٥ قرنا من استقرار ورسوخ الإسلام فى مصر، ليبشر الناس بأن الإسلام قادم إلى مصر.

 

ولا أعلم كيف يرى هؤلاء مصر بلا إسلام والغالبية الكاسحة من شعبها مسلمون، يحجون ويعتمرون بالملايين كل عام، ويبنون آلاف المساجد والزوايا كل سنة، ولديها الأزهر الشريف، الجامع والجامعة التى تمد قارات الدنيا الست بالخريجين؟

 

كيف لهؤلاء أن يصوروا للناس أن مصر لاتزال تنتظر الإسلام، بينما هناك عدة أمتار مربعة فى حى العباسية اسمها «مدينة البعوث» أعدت لدول العالم الإسلامى كله من تولوا حكم بلادهم بعد تعلمهم وتخرجهم فى مصر الأزهر، ومنهم الرؤساء والوزراء؟

 

إن المشهد يبدو مثيرا للدهشة حين يقف خطيب الجمعة فى أسيوط أمام رئيس جمهورية منتمى للإخوان المسلمين، فى دولة سيطر على برلمانها الأخير الإسلاميون ليقول إن الإسلام قادم لا محالة، وكأنه لا يعترف بأن كل هذه المظاهر الإسلامية لا تمثل حضور الإسلام ورسوخه واستقراره.. أو كأنه يعتبر أن مصر لم تعرف الإسلام بعد.

 

 على الناحية الأخرى، وكما نشر موقع اليوم السابع تجد الأنبا موسى أسقف الشباب بالكنيسة المصرية يعلن أن الإسلام حرر المسيحيين فى مصر من الاضطهاد، موضحا فى حديثه لبرنامج «مصر النهاردة» أن عمرو بن العاص حينما جاء إلى مصر أرجع البطريرك لكرسيه، وأعاد له كل كنائسه، بعد أن كان هناك بطريرك يونانى اضطهد المسيحيين رغم أنه مسيحى، قائلا: هذا هو الإسلام.

 

وهذه مفارقة مدهشة للغاية، حيث لايزال إمام المسجد ينتظر قدوم الإسلام لمصر، بينما رجل الدين المسيحى يقر برسوخه فى التربة المصرية منذ أيام عمرو بن العاص.

 

وهذا الاستغراق فى الحديث عن الهوية وعلاقة الدولة بالإسلام يشعرك وكأن مصر دولة وليدة، اكتشفت على الخارطة للتو، وفى حالة بحث عن ملامح حضارية وثقافية، فى انتظار فاتحين جدد يأتون إليها بالإسلام، وأحسب أن مثل هذا الحديث يهين الإسلام ويسىء إلى مصر فى الوقت ذاته، ذلك أنه يحمل اعترافا ضمنيا بأن مصر لم تهضم الإسلام بعد، رغم مرور ١٥ قرنا من الزمان على دخول أهلها فيه.. وهذا كلام يجافى الواقع والتاريخ والجغرافيا، وينفى عن مصر كونها منارة الإسلام الوسطى المعتدل، وقبلة الباحثين عن العلم والفقه الصحيح بأمور الدين من كل دول العالم.

 

وأحسب أن مطلقى هذه الصيحات الزاعقة يدركون جيدا أن هوية مصر ثابتة وضاربة بجذورها فى أعماق المجتمع، ولا تحتاج إلى إعادة اختراع مرة أخرى، لكنه ــ مجددا ــ الاستدعاء الفج لقضية الهوية للاستخدام فى صراع سياسى على وقع التجاذب حول الدستور والجمعية التأسيسية، بالطريقة ذاتها التى أديرت بها اللعبة السياسية إبان استفتاء مارس سيئ الذكر على تعديلات الدستور. وأزعم أن الجماهير استوعبت الدرس وخبرت اللعبة جيدا، ولن تساق مرة أخرى لألاعيب السياسة عن طريق العزف على وتر الدين والهوية.

 

وائل قنديل كاتب صحفي