استمعت بكل تركيز لكلمات السادة نواب الشعب فى الجلسة المشتركة لمجلسى الشعب والشورى وقد أزعجنى جدا هذا القدر من فقر المعرفة بمهمة المجلس التشريعى وبمعنى الدستور.. فالسادة النواب قد أسرفوا فى وقتنا الثمين والضيق فى خطب لا هى بالصحيحة فى اللغة ولا هى بالصحيحة فى محتواها القانونى أو حتى السياسى.. وقد كان الأسوأ على الإطلاق هو حديث نواب الأغلبية الذين كرروا أسماء أحزابهم أكثر مما قرروا من مقترحات منتجة وكأنهم داخل البرلمان يمثلون أحزابهم دونا عن الشعب الذى انتخبهم تكليفا.. كما تغنوا بثورة يناير وتضحيات الثوار وتناسوا أن ميادين التحرير الآن ترفض وجود الإخوان بها وأن السلفيين فى معظمهم كانوا خارج ميادين التحرير حتى اكتسبت الثورة بدماء الشباب شرعيتها وقوتها.. وأصر نواب الأغلبية على التأكيد على أنهم صوت الشعب وممثلوه والمنتخبون من الشعب والعديد من هذه الأوصاف التى أرادوا بها القول بأنهم الحق وغيرهم الباطل وأن انتخابهم كان كما قال النائب (أن الشعب قد وضع كلا فى موضعه) وكأن الانتخاب هو انتصار وليس تكليفا بالعمل لصالح هذا الوطن وكأن الناس قد انتخبوا نوابا لتكريمهم عن ماضيهم النضالى أو تكريما لهم عن غيرهم.. كما حرص نواب الأغلبية على تأكيد معنى حق الانفراد بالقرار نيابة عن الشعب فى كل المجالات والموضوعات وكأنهم لا يعلمون أن نيابتهم عن الشعب هى فى حدود التشريع ومراقبة أعمال الحكومة وأما ما عدا ذلك فهو خارج عن نيابتهم وأن الناس أفرادا وجماعات يحتفظون بحق تمثيل أنفسهم دون وصاية من المجلسين بل إن التصريحات الجاهلة التى يطلقها البعض بأن الناس قد انتخبت ممثليهم وأن على الناس أن تسكت وتترك الممثلين يديرون شئوون البلاد هى تصريحات تفضح اجتماع الجهل بدور المجلس مع النوايا السياسية غير الحسنة.
●●●
أما الدستور فمن الواضح أنه سيكون ضحية لمستوى المناقشات. فمن حيث المبدأ نجد أعضاء البرلمان من الأغلبية يؤكدون أن الجمعية التأسيسية يتعين أن تعكس نسب العضوية المنتخبة فى مجلس الشعب أو فى المجلسين وهذا فى حد ذاته كارثة، لأن السادة النواب لا يعلمون أن كل القوانين لم تنص على ذلك كما أنهم قد لا يكونون فى أماكنهم فى الدورة المقبلة فيجد هذا الشعب أنه مضطر للعيش فى ظل دستور قررته أغلبية فى دورة انتهت والأدهى أن تأتى الأغلبية فى كل دورة فتطالب بتعديل الدستور باعتبارها صوت الشعب الذى لا يعترف بما قررته الأغلبية فى الدورة السابقة.. من قال إن الدستور حق للبرلمان ؟ من قال إن أعضاء البرلمان بمجلسيه يمثلون أغلبية تكفى لفرض تصور ما للدستور فى حين أن إجمالى من شاركوا فى انتخاب البرلمان بمجلسيه هم أكثر قليلا من 50% فى انتخابات مجلس الشعب وأقل من 20% فى انتخابات مجلس الشورى أى أن من لم ينتخبوكم كانوا حوالى 50% فى الشعب وأكثر من 80% فى الشورى أى أنكم تـمثلون أقلية ممن لهم حق التصويت فى مصر؟ يا سادة أنتم تحرقون ما تبقى من عناصر النظام المؤسسى فى مصر وتطالبون بما هو ليس حق لكم وتقترفون كل آثام الحزب الوطنى المنحل.. كما أن الدستور بطبيعته يهدف إلى تنظيم القواعد الأساسية لحياة شعب لفترة طويلة أى أن الهدف هو حياة الشعب ومصالح الوطن أما أنتم فتقاتلون للحصول على نسب تمثيل ليست لكم وإرساء شرعية لكم متناسين أنها لم تكن يوما لكم أو لسابقيكم لأنها لا تتصل بأعمال مجلسيكما دون أن تتعرضوا للمقترحات الموضوعية الواجب توافرها فى دستور مصر.. وأنصحكم بأن تطلبوا للشعب وليس لأنفسكم ولا لأحزابكم وأن تذكروا قول على بن أبى طالب (الحق لا يعرف بالرجال ولكن الرجال يعرفون بالحق) فمن يظن أنه يتميز بكونه عضوا فى حزب أو جماعة فهو واهم ولكن يأتى التميز بمعرفة الحق.. لذلك عليكم أن تتعلموا كثيرا مما كتبه السابقون من النواب والقانونيون والسياسيون وأن تنظروا للشعب لا لأحزابكم.