ترميم العقد الاجتماعى قبل الانهيار - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترميم العقد الاجتماعى قبل الانهيار

نشر فى : الجمعة 4 يوليه 2014 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 4 يوليه 2014 - 8:45 ص

العقد الاجتماعى فى أبسط تعريفاته هو إيجاد معادلة موضوعية بين الحاكم والمحكوم من خلال إطار من القواعد التى تحقق العدل والانصاف، وتتمثل روح هذا العقد كما يرى (جاك روسو) أن كل فرد ينزل نزولا كاملا غير مقيد ولا مشروط عن جميع حقوقه للمجتمع ككل فلا يحق لفرد أن يحتفظ بحق لا يمتلكه كافة الأفراد الآخرين وإلا خرق العقد ونقضه، ولا يعنى هذا الخضوع لشخص الحاكم بل يعنى الخضوع للإرادة الجماعية العليا العامة التى تتشكل من مجموع المواطنين ليشكلوا الدولة التى هم فيها شركاء فى السيادة والسلطة والثروة ويصبح الحاكم أجيرا عند الهيئة العامة للشعب وتكون مهمة السلطة هى الحفاظ على حقوق الناس وحمايتهم وليس السيطرة عليهم.

•••

فكرة إقامة الدولة واختيار رؤساء لها تهدف فى الأساس لتنظيم الحقوق ونبذ الجور والظلم وحماية الممتلكات والحريات وحسن توزيع الموارد والثروات، والحاكم لا يمارس سلطة الأب ولا يمارس وصايته على الشعب باسم الدين أو بادعاء أنه يفهم أكثر منهم أو أنهم لا يدرون أين مصالحهم، ولا يشرع لنفسه الاستبداد تحت مسمى أن الناس لا تستحق الحرية أو غير مؤهلة لها، فما جاء به الشعب حاكما إلا ليحمى هذه الحرية عبر القوانين التى وضعها نواب الشعب وممثلوه، فلا يوجد إنسان يبيع حريته مقابل الخضوع لسلطة مطلقة تفعل به ما يحلو لها.

أما قدسية القوانين فهى قداسة صنعها إجماع الناس عليها ورضاهم على أن تكون هذه القوانين هى المنظمة لحياتهم، فللقانون قدسيته ولا قدسية للقائمين على تنفيذه، وإذا خالف القائمون على تنفيذ القانون والحكم به مضمون القانون وروحه ونصه فلا طاعة لهم ولا شرعية بل يجب تنحيتهم ومساءلتهم بعد أن انتهكوا قدسية القانون ونقضوا العهد الذى عاهدوا عليه الناس الذين ارتضوا هذا العقد الاجتماعى.

ليس من حق الحاكم أن يضع قوانين لأن القوانين لا تسرى إلا إذا صدرت عن الإرادة العامة للشعب بل إن كل قانون لا يقره أو يصدق عليه الشعب بنفسه من خلال اختياره المباشر أو عبر نوابه فيعتبر بلا وجود بل عدم لم يكن، ولا يصح للحاكم أن يبرر وضعه للقوانين بسبب كونه تم اختياره من الشعب فالمهمة التى اختاره الشعب لها هى تطبيق القانون وليس وضعه.

•••

تتفكك الدولة وسلطتها المعنوية ثم المادية إذا كفر الناس بالعقد الاجتماعى ووجدوا أن السلطة والحكام قد استباحوا شروط العقد وأعطوا لأنفسهم ما ليس لهم، فتتكسر الرابطة القلبية للعقد الاجتماعى فى نفوس الناس ولا يبالون ولا يصدقون ما ترفعه السلطة من الشعار الصنم (الصالح العام) لتبرير خطاياها وإذا تراكم هذا الشعور لدى الناس فإنه يصبح جنين الثورة والخروج عن الحكام لاستعادة الدولة وبناء عقد اجتماعى جديد.

العقد الاجتماعى فى مصر يتفسخ يوما بعد يوم ليس بسبب انتهاكات الحقوق ومصادرة الحريات فقط بل لتدهور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء بسبب عدم العدالة فى توزيع الثروة بالتوازى مع سوء إدارة الموارد العامة وتفشى الفساد وانهيار الخدمات والمرافق الأساسية التى تتحمل مسئوليتها الدولة.

•••

الخطورة الحقيقية على العقد الاجتماعى تتمثل فى شريحتين هما شريحة الرفض السياسى وشريحة الرفض الاجتماعى، الأولى تمثلها الطبقة الوسطى وعلى رأسها شباب هذه الطبقة من طلاب وجامعيين وخريجين وهؤلاء هم الأكثر تأثرا بملفات حقوق الانسان والحريات وخطوات التحول الديموقراطى والثانية تمثلها الطبقات الأكثر فقرا وتهميشا من عمال وفلاحين وأصحاب حرف وينضم إليهم ملايين العاطلين المحبطين الذين قد لا تعنيهم قضايا السياسة ومعارك الديموقراطية لكنهم يرون أن الدولة تخلت عنهم وتفرغت لخدمة الأغنياء.

كلتا الشريحتين خاصة الأولى لا يمكن للتضييق والقمع أن يحتويها أو يخرسها وبينما تأخذ احتجاجات الشريحة الأولى أشكالا سلمية ومنظمة فإن الشريحة الثانية لا يمكن التنبؤ بنوعية احتجاجها وتوقيته والأشكال والنماذج التى سيسلكها هذا الاحتجاج، ويخطئ من يعتقد أن ثورة يناير اندلعت لأسباب سياسية فقط بل كان فى خلفيتها بعدا اجتماعيا واقتصاديا هائلا ولكن استطاع شباب الطبقة الوسطى دمجه فى مطالب الثورة واقناعه بالسلمية كطريق لتحقيق المطالب.

لذلك ليس أمام السلطة فى مصر ــ أى سلطة ــ سوى المضى فى طريق الديموقراطية والتنمية كجناحين متلازمين لإنقاذ العقد الاجتماعى من الانهيار والتحلل، دعاوى الحفاظ على الدولة من السقوط يجب أن تترك المظاهر الدعائية وتفارق مسارات التطبيل والتزييف الإعلامى التى تتبنى خطابات الكراهية وتدعم اتجاهات القمع والخيارات الأمنية التى لا تقيم دولة ولا تحفظها من السقوط.

•••

إذا كنا نحذر الناس من سيناريوهات سوريا والعراق وليبيا فيجب ألا نختزل الصورة فى المشهد النهائى بهذه الدول بل علينا استدعاء ما سبق هذه الصورة من عوامل وأسباب وتداعيات تمثلت فى انهيار العقد الاجتماعى بهذه الدول بسبب حكامها مما أفرز هذه المآسى التى لا نتمنى للوطن أن يقترب منها ولو للحظات.

الحفاظ على الدولة الوطنية يكون بترميم العقد الاجتماعى وتجديد ثقة الناس فيه، لا تنهار الدولة إلا إذا انهارت فى قلوب مواطنيها وعيونهم، فالإنسان هو عماد الدولة وإذا حاربت الدولة الإنسان فإنها تقتل نفسها بيديها وتمهد لسقوطها، حفظ الله مصر وألهم أهلها الصواب.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات