نيشان.. وطونى خليفة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 2:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نيشان.. وطونى خليفة

نشر فى : السبت 4 أغسطس 2012 - 9:55 ص | آخر تحديث : السبت 4 أغسطس 2012 - 9:55 ص

أنقذنا رمضان من مهاترات البرامج السياسية التى تفشت طوال العام الماضى، بوجوه المتحدثين التى تنتقل معك، بل تطاردك، بلا هوادة، من قناة لقناة.. وأنقذتنا المسلسلات من الوقوع فى براثن «التوك شو» المكررة، المقررة علينا، فى كل شهر فضيل، حيث اللقاءات الساخنة، المتفق عليها غالبا، مع نجوم السينما.. هذا ما بدا على الشاشة الصغيرة. لكن، بشىء من المتابعة والتركيز، ندرك أن البرامج، بما فى ذلك الأكثر نجاحا، لاتزال تدور فى فلك الفنانين والسياسيين، وإن جاء بعضها، متجاوزا المستويات المألوفة، سواء على مستوى الشكل، مثل «أنا والعسل»، أو على مستوى العمق، مثل «زمن الإخوان».. الفارق بين البرنامجين، يرجع، فى جوهره، إلى التباين الشديد بين مقدميه.

 

نيشان، المذيع اللبنانى، صاحب وجه وديع، متسق التقاطيع، يوحى بالثقة والطمأنينة، فابتسامته العذبة لا تفارقه، يبدو حانيا على ضيوفه، متفهما لمتاعبهم، يتناغم ولا يتصادم. يبدأ برنامجه واقفا، مرحبا بنجمة اللقاء، على نحو يوحى بدرجة ما من صداقة دافئة لها تاريخ، وينهيه بتقديم وعاء يمتلئ بالعسل، كدليل يؤكد أن الألفة بينه والضيفة، وبالتالى بين الجمهور والنجمة، زادت قوة، حتى لو سالت دموع شيرين، بسبب تلمسه، من بعيد، لجروح شخصية عندها.

 

أما طونى خليفة، النمر المخضرم، فانه يوحى بالخطر. ضيوفه يعلمون جيدا أنه، سينقض عليهم بين لحظة وأخرى، وبالتالى عليهم الانتباه جيدا، خاصة أن النمر لا يعلن بوضوح عن نواياه، ولا عن الزاوية التى سيتسلل منها. قد يبدو ناعما، لا يرتفع صوته، يدور حول ضيفه، نفسيا وماديا، يلاحقه بأسئلة، هى أقرب لحبال الصياد، إلى أن يوقع بضيفه الذى لا يتوقف عن المقاومة والمواجهة، لذا فإن برنامجه يتسم بدرجة عالية من «التوتر الدرامى».. برنامج نيشان يقوم على التناغم، بينما برنامج طونى ينهض على التصادم.

 

«أنا والعسل»، مثل معظم هذه النوعية من البرامج، يهتم بمتابعة أهم محطات نجماته، من الناحية الحياتية، والفنية. لكن، لا يكترث بإبداعهن، على المستوى المهنى، فمثلا، الحوار مع هند صبرى، يدور حول وليدتها الجميلة، عالية، وصداقتها الوطيدة مع زميلاتها، ليلى علوى وإلهام شاهين، والثورة، والرئيس الهارب، زين العابدين بن على.. لم يتطرق الحوار للأهم: كيف تمثل، وتتألق بصدق، وهى تؤدى ببراعة دور الخادمة القوية، المقموعة، فى «مواطن ومخبر وحرامى»، أو حين جسدت عناء وآمال  ومباهج الموظفة الصغيرة، ابنة الطبقة الوسطى، فى «بنات وسط البلد». وحتى عندما تطرق الحديث عن دورها كمريضة بنقص المناعة المكتسبة فى فيلم «أسماء»، تكلمت عن «الإيدز» أكثر من أسلوب أدائها، ومدى فهمها لمشاعر الشخصية التى تمثلها، وكيفية تعبيرها عن انفعالاتها.

 

اختار طونى خليفة لبرنامجه عنوانا مثيرا «زمن الإخوان» الذى يستكمله المتابع حسب أفكاره، فإما أن يضيف كلمة «المؤقت» فيغدو العنوان «زمن الإخوان المؤقت» أو العكس فيصبح العنوان «زمن الإخوان الدائم» ــ وما دايم إلا الله ــ وبطبيعة طونى، لا يتوهج إلا إذا كان ضيفه من النوع القوى، الصعب المراس، وبالتالى فإن لقاءاته مع ذوى الثقافة البسيطة، كسمية الألفى أو أصالة، لا تحظى بتلك الحرارة المتوقدة التى تتوافر مع آخرين، مثل الدكتور صفوت حجازى، المفوه، متعدد الحيل، المناور، الذى حاول مواجهة المذيع المدرب بابتسامة ثقة وتودد، مع تدعيم موقفه بخطاب دينى تارة، وخطاب وطنى تارة أخرى.. لكن الإعداد الجيد للحلقة أمد طونى بمعلومتين شائكتين. تتعلق أولاهما بادعاء حجازى عن وجود شقة فى حى العجوزة، يمارس فيها بعض شباب الثورة، أعمالا منافية للآداب.. ويحاول الضيف التملص من الموضوع بقوله «لقد اعتذرت عن هذه التصريحات، والموضوع بالنسبة لى، أغلق تماما».. لكن طونى، بهدوئه الشرس، يقترب من وجه ضيفه المتخوف، وتغرز نظرته فى عينيه، ويسأله «إذن فأين حق من أخطأت فى حقهم».. حينئذ، يلجأ حجازى إلى قناع الابتسامة، لكنها تأتى ميتة.. لاحقا، يورد البرنامج شذرة من خطاب الضيف «الديماجوجى»، الذى أعلن فيه «ستكون عاصمتنا ليست القاهرة.. وإنما القدس». وعبثا يحاول حجازى التملص من معنى التخلى عن القاهرة، كعاصمة لمصر، ذلك أن النمر يحاصره تماما، وبالتالى يتجهم وجه الضيف. تختفى الابتسامة ويغدو صوته رفيعا، ويبدو مفكك الأوصال.

 

تميز «أنا والعسل» بنفحة حداثة شكلية، تهتم بزخرفة الشاشة الصغيرة. الديكور شديد الفخامة، تتوزع عليه الإضاءة على نحو مبهم، وتنتقل الكاميرا من لقطة عامة إلى لقطة كبيرة لفنجان شاى، تركز أحيانا على شمعدان وتدور أحيانا أخرى حول نجفة معلقة فى السقف وتطل على المشهد من خلال نافذة، فضلا عن وضع عدة شاشات فى الخلفية، إحداها تظهر رجلا يضع قبعة على رأسه، وثانية تطالعنا فيها رسوم تحريك متعددة الأشكال، وثالثة لساعة ضخمة نسمع دقاتها، وثمة خدعة تظهر ضيفا من دون حضوره، يجرى حوارا مع الضيفة والمذيع.. وبعيدا  عن هذه الجماليات، اعتمد «زمن الإخوان» على الحضور البشرى، فالكاميرا تركز معظم الوقت على وجهى المذيع المدرب والضيف الذى لا يستطيع إخفاء انفعالاته، الأمر الذى يزيد من الطاقة الدرامية التى تجذب المتابع.. «أنا والعسل»، و«زمن الإخوان»، برنامجان من مدرستين مختلفتين، لا يجمعهما إلا أهميتهما، وجديتهما.

 

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات