معركة الأمتار الأخيرة - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 8:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معركة الأمتار الأخيرة

نشر فى : الجمعة 6 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 6 أبريل 2012 - 8:00 ص

التطورات السريعة التى تشهدها الساحة السياسية المصرية ليست مستغربة، فقد وصلنا إلى الأمتار الأخيرة من المرحلة الانتقالية، التى تصل لنهايتها بانتخاب رئيس للجمهورية، ووضع دستور دائم للبلاد، وبهما يفترض أن يتم تسليم السلطة بالكامل من العسكريين غير المنتخبين إلى المدنيين المنتخبين، وأن يتم تحديد شكل العلاقة بينهم.

 

والمعركة الحقيقية فى هذه الأمتار الأخيرة هى معركة السيادة، إذ المفترض أن يضمن انتقال السلطة تنظيم العلاقة بين المدنيين والعسكريين على نحو يبقى السيادة فى يد الشعب، بعد أن ظلت - عمليا - بعيدة عنه طوال العقود الماضية، فكان القرار السيادى يصنع فى أجهزة الدولة غير المنتخبة (الأمنية، والعسكرية، والاستخباراتية، وأذرعها الإعلامية والمالية والقضائية)، والتى أدت سنوات غياب السياسة إلى تحويل دورها من المهنى للسياسى، ومع اقتراب ساعة الحسم فإن رغبة هذه الجهات غير المنتخبة، التى يقودها المجلس العسكرى، فى استبقاء السيادة يتبدى أكثر من ذى قبل.

 

وفى المشهد طرفان رئيسان ومعهما أطراف أقل تنظيما، فأما الطرف الأول فهو المجلس العسكرى، الذى يمثل أجهزة الدولة غير المنتخبة، ويسعى لاستبقاء السيادة فى أيديها بعد تسليم الإدارة لرئيس منتخب، والوسائل الرئيسة لهذا المقصد هى المساهمة فى انتخاب رئيس يمكنه التفاوض معه وإبعاده عن قلب السيادة، ومنع صياغة مواد دستورية تضع مبادئ وآليات واضحة لتمكين المنتخبين من بسط السيادة على الجهات غير المنتخبة، والمجلس العسكرى هو بالتعريف محافظ سياسيا، لا يجنح للمواجهات المفتوحة والتغييرات الراديكالية، وإنما للتفاوض والحلول الوسط.

 

وجماعة الإخوان هى الطرف التنظيمى الثانى، وهى - كالمجلس العسكرى- جماعة محافظة سياسيا، تتجنب قدر استطاعتها الحلول الجذرية وتجنح للخطوات الإصلاحية وتقبل التفاوض والحلول الوسط، ووسيلتها الرئيسة - وربما الوحيدة - فى سبيل التمكن من السيادة هى الصعود الديمقراطى، وذلك من خلال النجاح فى الانتخابات، وإزالة العقبات الدستورية، والجماعة لا يمكنها القبول بمشاطرة السيادة مع الجهات غير المنتخبة، فتاريخها مع نظام عبدالناصر من جهة، والنتائج السياسية والاقتصادية الكارثية لتشارك المدنيين والعسكريين فى السيادة فى تركيا لمدة نصف قرن قبل صعود العدالة والتنمية من جهة أخرى، تشكل جزءا رئيسا من الوعى الاستراتيجى للجماعة، غير أن هذا الوعى متآكل لصالح الوعى الخدمى بسبب طبيعة أنشطة الجماعة خلال العقود الماضية، والأخير أكثر انشغالا بزيادة الفاعلية على حساب الرؤى النقدية والنظر فى الأمور الاستراتيجية والهيكلية، ولذلك فثمة خطر قائم من أن تقبل الجماعة التفاوض حول ملف السيادة، أو أن تؤجل هذه المعركة ــ تأسيا بالأتراك ــ ظنا بأن التمكن النسبى من السلطة وتحقيق نجاحات اقتصادية يمكن أن يساهم فى التمكن الكامل من السيادة.

 

وثمة معركة حقيقية دائرة الآن بين هذين الطرفين، تظهر فى ملفات أربعة، أولها ملف الحكومة التى يصر الإخوان على سحب الثقة منها بينما يرفض العسكر إقالتها، وثانيها ملف الرئاسة الذى شهد تغيرات كبيرة فى المواقف بإقدام الإخوان على ترشيح نائب المرشد المهندس خيرت الشاطر، وهو على الأرجح المسؤول عن إدارة ملف العلاقة مع العسكر ومع الغرب منذ خروجه من السجن قبل سنة، وثالثها البرلمان الذى أكد بيان صادر من الإخوان وجود تهديدات بحله، ورابعها الدستور، الذى تعجل الإخوان تشكيل جمعيته التأسيسية فكانت النتيجة انسحابات بالجملة منها.

 

وهذه المعارك جميعا ستحسمها انحيازات الأطراف الأقل تنظيما، والتى يحاول كلا الطرفين اكتسابها لصالحه، وسوء إدارة الإخوان لبعض ملفات هذا الصراع يصرف عنهم هذه الأطراف، فتقديم مرشح للرئاسة بعد أن كانت الجماعة قد ألزمت نفسها قبلا بالامتناع عن ذلك أثار قلق الأطراف السياسية المختلفة من رغبة الجماعة فى المغالبة وقيادة الوطن منفردة، وهو قلق تعمق بضبابية البرنامج السياسى وعدم وضوح الأولويات، والتعجيل بانتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور قبل إدارة حوار مجتمعى لتحديد المعايير التى ينبغى أن يقوم عليها الاختيار أثار لدى بعض القطاعات مخاوف من سعى الإخوان لكتابة دستور يعبر عن برنامجهم السياسى لا الإطار الجامع له ولبرامجهم، وأثار حفيظة غيرهم من غياب الكفاءة السياسية فى إدارة الملف، وهو أمر خطير إذا صدر من الفصيل السياسى الأكبر.

 

ولا شك أن ثمة ما دفع لهذه المواقف من الإخوان، فالتقدم بمرشح رئاسى تم تبريره برفض العسكر إقالة الحكومة والقلق من تزوير الانتخابات لصالح بعض المحسوبين على نظام مبارك، والتعجيل بانتخاب الجمعية التأسيسية قيل إن سببه الخوف من إصدار قرار بحل البرلمان، والرغبة فى ضمان وجود جمعية تأسيسية تعمل على وضع الدستور فى حال حدوث ذلك، وبقطع النظر عن مدى وجاهة تلك المبررات ــ وهى تستحق النظر فى مقال مستقل ــ فإنها تشير إلى أن التعامل مع تلك الملفات لم يكن جزءا من رؤية استراتيجية جامعة، وإنما انطلق من خانة رد الفعل على نحو أفقد الإخوان - لأسباب وجيهة - الكثير من الدعم الذى يحتاجونه فى معركة يحتاجها الوطن لاسترداد السيادة للشعب.

 

غير أن رد فعل بعض تلك القوى الأقل تنظيما كان أيضا مخيبا للآمال، فلجوؤهم للعسكر للتدخل فى أزمة الدستور، وإعلان بعض الأحزاب عن دعم مرشحين رئاسيين محسوبين على النظام السابق كرد على ترشح الشاطر يعقد الأمور ولا يحلها، ولا يعتذر عن ذلك بغياب البدائل، إذ كانت فى الحالتين متوفرة، فالانسحاب الجماعى من الجمعية التأسيسية يضع ضغوطا كافية ستفرض على أصحاب الأغلبية البرلمانية العودة لطاولة المفاوضات، والالتفاف حول أحد المرشحين المحسوبين على القوى الثورية (وإن كانت فرصهم أضعف) أشرف من اللجوء لمرشحى نظام قامت عليه الثورة.

 

إن المعركة الرئيسة فى تلك الأمتار القليلة الباقية من المرحلة الانتقالية هى معركة السيادة، والخصم الرئيس فيها العسكر، فلا ينبغى لأى وطنى أن يقبل بالتحالف معهم أو الاستقواء بهم على فصيل آخر، وليس معنى ذلك أن كل من ينازع العسكر على السيادة يريدها للشعب، فبعض القوى وكثير من الساسة وأغلب النخبة لا يؤمنون بسيادة الشعب، وإنما المقصود أن معركة السيادة لا يمكن أن تستفيد بحال من أى تحالف مع العسكر، وأن الانحياز لخصوم العسكر فى إحدى المعارك لا يعنى الانحياز غير المشروط لهم على طول الطريق، ولا يعنى غض الطرف عن أخطائهم فى المعارك الأخرى.

التعليقات