الأمر بالمعروف (2 ــ 2) - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأمر بالمعروف (2 ــ 2)

نشر فى : الجمعة 5 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 5 أبريل 2013 - 8:00 ص

أما الجانب التطوعى فى «الأمر بالمعروف» فأعظمه أثرا هو جهود الإعلام والتثقيف والتدريب من ناحية، ثم يأتى حق المواطن فى التعبير عن رأيه فى صورة بلاغ إلى المسؤل، إما إلى الجهة المنفذة للعمل أو للجهات الرقابية، وكل تلك الجهود غير الرسمية هى جهود «حسبة» والحسبة هى التطوع للقيام بعمل نافع للمجتمع دون أجر وأهم شروطها:

 

1ــ العلم بحقيقة العمل وما يجب أن يكون عليه.

 

2 ــ التأكد من التقصير أو المخالفة المتعمدة.

 

3ــ رفع الأمر إلى الجهات الرسمية والقضائية.  

 

4ــ ظهور شخصية «الشاكى» واستعداده للإدلاء بشهادته.

 

5ــ قيام المنظومة القانونية للبلاد بدورها الرقابى الصحيح.. وتقنين حق المواطن فى التنويه والتصحيح من خلال طرق رسمية يرضاها العرف العام.

 

6ــ توجيه النقد واللوم «للأعمال والأفعال» وليس لشخصية الفاعل.

 

 7ــ يحذر المواطن أن يؤدى دورين أو أكثر فلا يكن شاكيا وشاهدا أو قاضيا.

 

(2 )

 

ونظرا لاتساع مجال «الأمر بالمعروف» وشموله معظم أنشطة المجتمع وحركة الحياة فمن الاستحالة أن يطلع بهذه المهام فرد أو عائلة أو فئة، فلابد وأن يتخصص فى كل نشاط من أنشطة المجتمع مجموعة متخصصة فى نفس النشاط وتزداد لديها حاسة الرقابة والمراجعة وتتمتع بالقدرة على المبادرة للتوجيه والتحذير وذلك من خلال دورات تعليم وتدريب.. فالأمر بالمعروف «ولاية شرعية رسمية» تحقق رتبة الإحسان والاتقان فى المجتمع فهى وظيفة مجتمعية تضم (العين الرقيبة والرأى الناقد، والمبادرة الجيدة) فهى مجموعة وظائف المراقبة والمراجعة والتوجيه وتنتهى عند التحقيق والمساءلة، وذلك كله وظائف فنية وقضائية.

 

(3)

 

أما الجهود الطوعية فى «الأمر بالمعروف» فهى جهود محددة مشروطة بدرجة العلاقة بين المتطوع وبين الشخص المقصود بالنصيحة،  فإذا لم تكن علاقة موصولة يحرص طرفاها على استمرار الود، فلا يمكن لأحد الطرفين أن يقتحم الآخر. بل إن المسلم يعرف بفطرته أن الله قد استضافه فى المسجد ليسمع كلام الله وليتعرف على ما ينفعه ويصلحه فيتلقى وعظ الواعظ بنفس راضية، كذلك يذهب التلميذ إلى المدرس شويستجيب لتعليماته لثقته فى تخصصه ومسئوليته فضلا على أن المدرس جزء من منظومة تعليمية متكاملة، والمريض يذهب إلى الطبيب يبحث عما ينفعه ولذلك يتقبل الأمر ويتعهد بالتنفيذ ويصبر على الجراحة أو الدواء المر.

 

كذلك فالأمر بالمعروف مشروط بأهمية وأولوية ذلك المعروف، ومدى تأثيره على الفاعل وعلى غيره، فقد يقبل الإنسان الأمر بالمعروف من شخص يأمره بتغيير اتجاه سيره بسبب زحام الناس وتعطل الحركة لكن الإنسان لا يتقبل دون سبب مقبول وتفضيل طريق على غيره،  فهذا حق لصاحب الشأن، كذلك فلابد أن يكون الشخص الآمر بالمعروف قد بدأ بنفسه، والتزم بما يطالب به الناس حتى يصبح أسوة لغيره عملا لا قولا، فقد نعى القرآن على بنى إسرائيل: (أَتَأمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُم وَأَنتُم تَتلُونَ الكِتَابَ أَفَلَا تعقلون).

 

كذلك فإن الأمر بالمعروف يفرض على صاحبه توجيه الدعوة على أنها نصيحة عامة تنفع فاعلها، وليست أمرا تسلطيا من شخص على آخر،  فالنفس الإنسانية لا تقبل الأمر إلا من مسئول رسمى متخصص ثبتت كفاءته وواجبه القانونى، وربما يتقبل النصيحة أيضا من شخص يقدر على الإقناع بلطف لا غلظة منه.

 

(4)

 

فلا يتصور أحد أن مجتمعنا المصرى يسمح أو يتقبل مبادرة من كائن من كان يبتكرها هو أو ينقلها عن مجتمع أخر لكنها لم تحدث من رسول الله (ص) ولا ممن تولوا الأمر بعده بإحسان. فالمشهور أن عثمان بن عفان رضى الله عنه حينما استشعر انشغال الناس فى الأسواق فتأخروا عن الجمعة لم يبعث إليهم من يأمرهم بالحضور، ولم يبعث من يمنع البيع والشراء، بل قصارى ما فعل أنه بعث مؤذنا يؤذن فى السوق لتذكير الناس، وقد أقره الصحابة ولم يعترضوا عليه ولم يزايدوا عليه،  وبقى الآذان الثانى فى مساجد المسلمين حتى يومنا هذا رمزا جليا ومثالا واضحا لـ«الأمر بالمعروف» بطريقة الصحابة (رض) ولا يمكن لعاقل أن يزايد على جيل الصحابة (رض) أو يقبل المزايدة من أحد.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات