الخطاب الدعوى إلى أين.. ثوابت الخطاب: 1ــ السلام - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 5:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخطاب الدعوى إلى أين.. ثوابت الخطاب: 1ــ السلام

نشر فى : الجمعة 5 يونيو 2015 - 9:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 5 يونيو 2015 - 9:15 ص

الخطاب الدينى نوع من «التسليح المعنوى» فهو عند من يرتضيه «عقيدة» يهون فى سبيلها أى شىء، والسلاح يشكل حماية لقوم كما يشكل تهديدا لآخرين وخطاب الدعوة الإسلامية خطاب واضح مفهوم من عناوينه الكبرى: فمرسل الخطاب هو الله، السلام التواب، العفو، الغفار، الحليم، اللطيف.

والشريعة المؤسسة للخطاب «شريعة الإسلام لله» وليس الاستسلام لسلطة بشرية تحتكر التحليل والتحريم .

ــ1ــ
والجهاد فريضة من وسائل المنهج الدينى تساعد المسلم على تحقيق تدينه ومعايشة المبادئ التى يؤمن بها، وقد حرف البعض مفهوم الجهاد إذ اختزلوه فى العنف وحمل السلاح وذلك تحريف لما أنزله الله، وما بينه الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقارئ القرآن يتأكد من اشتمال القرآن على ثلاثة مصطلحات هى الجهاد/ والحرب/ والقتال وهى مصطلحات متغايرة فالجهاد ليس كله قتالا ولا حربا.

وتتبع آيات القرآن يُبْين أن مفهوم الجهاد هو «بذل أقصى الجهود وعدم الاكتفاء ببعض الأنشطة» فالجهاد مواصلة لجهود العلم والإنتاج وإثبات التمايز وتحقيق الفوز فى التنافس الحضارى، كما يعنى الجهاد استثمار أدوات الاقتصاد فى الفوز فى الحرب الاقتصادية وأدوات الإعلام فى كسب الحرب الإعلامية، ووسائل الدبلوماسية فى مجالها وفى مجالات العلوم والفنون حدث ولا حرج عن قيمة تلك الوسائل سريعة التأثير فى النفوس.

ــ2ــ
والجهاد بجميع مستوياته لا يمثل عنفا ولا إكراها ولا تهجير أحد ولا حصار أحد، وما صحت أخباره فى زمن النبوة هو أحكام خاصة بالكعبة وجوارها الجغرافى، وحينما نقول ذلك فلا نجتهد ولا نختلق فالسيرة الصحيحة أكدت موادعة الرسول لـ«قينقاع والنضير وقريظة» وإقرارهم فى مساكنهم وحقولهم، ولولا الغدر وخيانة العهد المتوافق عليه منهم ما خرج اليهود من المدينة إلى يومنا هذا بل إن ظروف إخراج هؤلاء لم تعامل الجميع بذنب المذنب.

فالثابت من السيرة النبوية أن «قينقاع» أظهرت والغدر بعد انتصار المسلمين فى بدر فتم إخراجهم دون قتال، ولم يتأثر النضير ولا قريظة بأخطاء هؤلاء وبقوا فى مساكنهم ومزارعهم، وكذلك دبر بنو النضير قتل الرسول (صلى الله عليه وسلم) واعترفوا بذلك عفا رسول الله عن قتلهم وقبل الشفاعة فيهم فأخرجوا ولم ينل بنو قريظة أى محاسبة بسبب ذلك، ولولا ما فعلته قريظة بفتح ثغرة للأحزاب لاقتحام المدينة وتدمير المسلمين ما أصابهم شىء، وقد عترفوا بتدبير الشر للوطن بلا سبب وأوكلهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى أنفسهم إلا أنهم تناسوا سوابق الرحمة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع يهود «قينقاع والنضير» فطلبوا التحكيم ــ ولم يطلبوا الخروج ــ وأوكل لهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) اختيار الحكم فاختاروا الحكم فكان ما كان.. وهذه الأحداث الثلاثة تؤكد أن الأصل فى الإسلام هو التعايش السلمى وحُسن الجوار وهو السلم والأمن .

ــ3ــ
لكن الخطاب الدينى الآن يدور فى فلك الحرب والإكراه.. كما ينزلق إلى الأبشع وهو الاحتكام إلى السيف بين أخوة المعتقد أليس ذلك خطابا مغلوطا ينبغى تصويبه فورا قبل أن نلقى ربنا بتقصيرنا فى فهم دينه وتسببنا فى صرف شعوب وأمم العالم عن دين الله .

والقرآن الكريم يُعلى قدر السلام ويجعله فريضة عامة ودائمة فى آية محكمة لا تحتاج إلى تأويل فى قوله [يَاأَيُهَا الَذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِلْمِ كَافَة..] كما يقول فى شأن المخالفين فى العقيدة الذين لا يشنون حربا ضد المسلمين، وإذا تورط العدو فى حرب أو قتال وجب على المسلمين سرعة التصدى له وردعه فإذا اقتنع هؤلاء بضعفهم وعدم قدرتهم على استكمال الحرب فأعلنوا التراجع والجنوح للسلم فالشرع يوجب قبول تراجعهم مع اتخاذ جميع الاحتياطات فيقول تعالى [..فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَلَمَ فَما جَعَلَ اللَهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا..] كما يؤكد ضرورة القبول بالسلم إذا اختاره العدو الذى سبق بالعدوان [وَإِن جَنَحُواْ لِلسَلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَلْ عَلَى اللهِ..] وفيما بين المسلمين بعضهم ببعض يبين الرسول (صلى الله عليه وسلم) خطورة اللجوء للعنف وتحكيم السلاح فيقول (صلى الله عليه وسلم) (لَا تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَارا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) كما يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) (إذا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فى النَارِ) .
فهل تناسى المسلم تلك التحية التى اختصنا الله بها فجعل التحية فيما بين الناس وبعضهم هى (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فهل يرتاب أحد فى أن السلام مَعلم ثابت وأصيل من معالم الإسلام .

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات