أمريكا الحقيقية والمزيفة - سمير كرم - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 4:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا الحقيقية والمزيفة

نشر فى : الأربعاء 5 سبتمبر 2012 - 8:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 5 سبتمبر 2012 - 8:40 ص

بصراحة أتمنى أن تسفر انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة عن فوز المرشح الجمهورى رومنى.

 

ليس هذا ــ بالتأكيد ــ ميلا إلى اليمين الأمريكى وسياساته. إنما هو ميل إلى أمريكا الرسمية الحقيقية وأيضا نفور من أمريكا الرسمية الزائفة التى مثلها الرئيس الديمقراطى أوباما على مدى السنوات الأربع الماضية.

 

•••

 

اعتقد أن رومنى الجمهورى اليمينى سيظهر أمام القادة العرب بوجه أمريكا الحقيقى حينما تكون قضية إسرائيل هى المثارة. فهو لن يستطيع أن يظهر بالنسبة إلى إسرائيل وجها مخالفا لذلك الذى اظهره طوال حملته الانتخابية. وعلينا بداية أن ندرك أن مشكلة إسرائيل بالنسبة لأمريكا هى مشكلة عربية.. عربية فقط لا غير. فالصين أو روسيا لا يهمهما أى توجه أمريكى ناحية إسرائيل وكذلك ألمانيا وبريطانيا وهولندا، وبالمثل بلدان أفريقيا وآسيا وأيضا استراليا. لا تتحول إسرائيل إلى مشكلة لأمريكا إلا حينما تحاول إقناع العرب بأن ينسوا حقوقهم لديها وأن يتعاملوا معها باعتبارها «سوبر باور» المنطقة.

 

مع ذلك لابد من الاعتراف بحقيقة أننا لسنا نملك دورا مؤثرا فى الانتخابات الأمريكية. إسرائيل تملك هذا الدور المؤثر، بل تملك الدور الأكثر تأثيرا فى تحديد نتيجة انتخابات الرئاسة الامريكية. لهذا أقول إن الأفضل لنا أن يتولى رئاسة أمريكا رجل يسلم بهذه الحقيقة ويتعامل مع إسرائيل ومع العرب بالصراحة اللازمة التى تظهر وجه أمريكا الحقيقى بلا مواربة.. بلا خداع.

 

وإذا ما سلمنا بأن لأمريكا سياسة مع العالم تسير فى اتجاه يحدده الطرفان الأمريكى وغير الأمريكى فان سياسة أمريكا مع العرب تسير فى اتجاه تمليه إسرائيل ويمليه نفوذ اليهود الأمريكيين وبصفة خاصة الذين يعتنقون الصهيونية منهم. وليسوا جميعا من معتنقيها. وسيستمر هذا الوضع فيما بعد ما تسميه أمريكا «ثورات الربيع العربى». وسيستمر بشكل أبرز وأكثر إلحاحا إزاء مصر ما بعد ثورة 25 يناير 2011 مهما كان تصور نظام الاخوان المسلمين لمدى استعداد أمريكا لأن تتفاوض ــ بمعنى أن تساوم ــ مع النظام المصرى الجديد للوصول إلى وضع يريح إسرائيل ويريح مصر. وهو وضع مستحيل من أساسه.

 

•••

 

ستكون مسئولية النظام الإخوانى فى مصر فى التعامل مع أمريكا مسئولية ثقيلة بشكل خاص إذا ما نجح الجمهورى اليمينى رومنى فى نيل الرئاسة، أكثر مما كانت هذه المسئولية أثناء شهور التعامل مع الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلارى كلنتون. فالأمر الذى ستؤكده زيارة الرئيس محمد مرسى لنيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالى الاجتماع بالرئيس أوباما، هو أن الديمقراطى أوباما لن يمنح الرئيس الاخوانى مرسى فرصة كافية للاعتقاد بإمكان ممارسة أى ضغط على إسرائيل سواء فيما يتعلق بسيناء أو فلسطين أو العلاقات المصرية العربية أو بالتحديد دور مصر فى المنطقة العربية. ستكون انتخابات الرئاسة على بعد أسابيع من هذا الموعد للقاء مرسى بأوباما. ولهذا لن يسفر هذا الاجتماع مهما قيل بعده عن نتيجة للعلاقات الأمريكية المصرية أفضل على حساب ما تريد إسرائيل إملاءه على الطرفين الأمريكى والمصرى.

 

قد يظن الرئيس مرسى أن جذوره الفكرية اليمينية كإخوانى يمكن أن تفيده فى حالة نجاح الجمهورى اليمينى رومنى. وبالتالى قد يحاول تأكيد أدلة على أن مصر تستطيع أن تكون أكثر فائدة لأمريكا من إسرائيل فى المنطقة العربية. وعندئذ سيصطدم الرئيس مرسى بجدار التحالف الأمريكى ــ الإسرائيلى فى أصلب مقاطعة. ستظهر أمريكا اليمينية ذات التوجه الإسرائيلى الصهيونى على حقيقتها بالمقاييس والمعايير نفسها التى بدأ بها المرشح رومنى فى الأسابيع الأخيرة خاصة أثناء زيارته لإسرائيل. فهل سيكون هذا الوجه الأمريكى الحقيقى الصريح افضل لتحديد سياسة الرئيس مرسى تجاه كل من أمريكا وإسرائيل؟

 

نعم سيكون الرئيس مرسى مضطرا لأن يصارح الشعب بما سمعه من «الرئيس» رومنى. وسيكون على النظام الإخوانى المصرى أن يواجه اختبار قدرته على تحدى السياسة الأمريكية أو تحدى السياسة المصرية كما يريدها الرأى العام المصرى. وهذا أصعب اختبار أو اختيار يمكن أن يواجهه النظام المصرى: الاختيار بين قبول السياسة الأمريكية الحقيقية الصريحة فى إعطاء الأولوية لإسرائيل على كل ما عداها فى منطقة الشرق الأوسط، أو تحدى هذه السياسة ومقاومتها بتأييد ودعم أكيدين من جانب الرأى العام المصرى والعربى.

 

لقد سبق لمصر أن وضعت أملها فى فترة رئاسة ثانية لكل الرؤساء الأمريكيين الذين تعاملت معهم على مدى السنوات الستين الماضية. راودها فى تلك الظروف احتمال أن يتخلص الرئيس الأمريكى فى فترة رئاسته الثانية من تعهداته الانتخابية حينما لا يكون بإمكانه أن يخوض الانتخابات الرئاسية مرة أخرى. وفى كل المرات تبين للنظام المصرى أن مثل هذا الاحتمال غير وارد وأن الرئيس الأمريكى، وإن لم يكن يملك خوض الانتخابات لمرة ثالثة إلا أنه لا يستطيع أن يتخفف من أثقال الضغوط الصهيونية. فهو لابد أن يراعى مصالح حزبه مع مرشح جديد.

 

•••

 

استطاع الرئيس مرسى خلال الأسابيع الماضية من النشاط الخارجى أن يبرهن على أنه يملك من المرونة ما يمكنه أن يقنع أمريكا بألا ضرر من زيارة لإيران بمناسبة قمة عدم الانحياز لا تتجاوز الأربع ساعات. وبان لمصر دورا تريده أمريكا فى قمة عدم الانحياز.

 

ولكن هل سيتمكن الرئيس مرسى من استغلال هذه المرونة اليمينية الاخوانية طوال فترة السنوات الثلاث التى ستكون فيها رئاسة حركة عدم الانحياز لإيران؟ وهل ستترك له إسرائيل الفرصة؟

 

أمور كثيرة تتوقف على نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية. وسيكون السؤال هل يتقارب الرئيسان اليمينيان مرسى ورومنى أم يتباعدان؟  

 

 

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات