صفقة الإخوان والمجلس الأعلى - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 3:17 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

صفقة الإخوان والمجلس الأعلى

نشر فى : الجمعة 6 يناير 2012 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 6 يناير 2012 - 8:50 ص

عماد الدين حسينما الذى دفع الإخوان إلى حرق على السلمى سياسيا ومعه وثيقته وكذلك الخروج فى مظاهرات مليونية حاشدة ضدها فى نوفمبر الماضى، ثم يعودون الآن ليدافعوا عن جوهر الوثيقة، ويقولون إنهم يقبلون بها، بل ويروجون لمنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة حصانة ضد المساءلة عن أى شىء خلال الشهور الماضية؟!

 

إنها السياسة ولا شىء غيرها، وفى السياسة تتراجع المبادئ أحيانا أمام المصالح العاجلة.

 

عندما رفض الإخوان وثيقة السلمى خصوصا المادتين التاسعة والعاشرة المتعلقتين بالعلاقة مع القوات المسلحة، لم يكونوا يرفضون المبدأ، لكنهم لم يريدوا أن يعطوا السلمى وبقية القوى السياسية هذا التنازل قبل الانتخابات، وأرادوا أن يدخلوا المعركة الانتخابية، وهم رافضون للوثيقة ــ المكروهة شعبيا ــ أما بعد فوزهم فإن أى تراجع سيحسب على أنه مرونة وهدية منهم للجيش وللمجتمع.

 

بعض البسطاء وكل النخبة غاضبون من الإخوان خصوصا بعد تصريحات د. محمود غزلان لـ«الشروق» قبل أسبوعين والتى قال فيها إن الإخوان يقبلون «بصيغة ما» للتفاهم مع المجلس الأعلى. لكن كثيرين أيضا لا يريدون أن يصدقوا أن الإخوان ــ وغيرهم ــ عندما يتعاملون مع التطورات الراهنة فإنهم «يلعبون سياسة»، ولا يتحدثون عن الشريعة أو غيرها. وهذا منطقى وطبيعى لكن مشكلة البعض أنهم يعتقدون أن أى إخوانى أو سلفى يقرأ كل كتب الفقه والشريعة قبل أن يتخذ موقفا سياسيا، فى حين أن غالبية ــ وربما كل ــ الساسيين فى العالم لا يقرأون إلا كتاب «الأمير» للإيطالى الأشهر ميكافيللى رائد البراجماتية.

 

حسنو النية والساذجون فقط هم الذين لا يصدقون أن الصفقات هى واحدة من قواعد السياسة فى أى مكان بالعالم، وبالتالى فإن حصول تفاهم أو حتى صفقة بين الإخوان والجيش أو بين الجيش أو أى قوة سياسية هو أمر يتم دائما شرط أن يكون عاكسا لموازين القوى فى المجتمع.

 

كلمة صفقة ــ ليست بذيئة ــ لكن من سوء استعمالها فى مصر خصوصا فى عهد مبارك صارت «سيئة السمعة»، ويحاول كل طرف نفى تورطه فى أى صفقة حتى لو كانت انتقال لاعب من فريق لآخر!

 

فى هذه السطور لا أنتقد أو أدافع عن الإخوان بعد تصريحات غزلان، لكن أحاول تنبيه بعض «حسنى النية» إن السياسة مسألة معقدة للغاية، كنا نتمنى أن تقوم على مبادئ الشرف والاستقامة والشفافية، لكنها للأسف ليس كذلك دائما.

 

تحدث غزلان عن الصفقة أو طريقة التفاهم مع الجيش ففقامت الدنيا ولم تقعد ــ وهذا شىء متوقع ــ ولذلك وجدنا المستشار القانونى لحزب الحرية والعدالة أحمد أبوبركة يحاول تخفيف إثر هذه التصريحات خصوصا فى النقطة المتعلقة بعدم محاكمة المسئولين عن قتل المتظاهرين فى محمد محمود وقصر العينى والاكتفاء بالدية الشرعية.

 

تراجعات وتوضيحات وتبريرات بقية قادة الإخوان لن تنفى وجود الصفقة التى ستتم فى كل الأحوال، وسيبقى الخلاف فقط حول البنود والتفاصيل.

 

إذا فهمنا ذلك وتفهمناه ينبغى على أنصار الإخوان أو حتى بقية التيار الدينى أن يبدأوا من الآن التعامل مع ذلك الواقع  السياسى باعتباره متغيرا يوميا يخضع للتكتيك والمناورة والقبول بالحلول الوسط، وكل ذلك يختلف بطبيعة الحال مع أمور العقيدة الثابتة.

 

السياسة متغيرة والدين ثابت، لذلك لا تندهشوا كثيرا عندما يخرج مسئول إخوانى ليقول إننا سنقبل هذا الأمر أو ذاك غير أنه قد يصدم كثيرين.

 

إحدى فوائد الديمقراطية أنها ستجعل كل القوى الموجودة تنزل من برج الشعارات الكبرى إلى واقع التفاصيل الصغيرة.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي