الحاكم والدين - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحاكم والدين

نشر فى : السبت 6 يونيو 2015 - 9:25 ص | آخر تحديث : السبت 6 يونيو 2015 - 9:25 ص

منذ أشهر راح الرئيس يدعو إلى تجديد الخطاب الدينى، ومِن فِيه التقط رجالُ الدينِ والثقافة الدعوة فصنعوا ندواتٍ هنا ومؤتمراتٍ هناك، وأخرجوا سيلا مِن أخبار وحوارات ومقالات لايزال يتدفق إلى الآن، بحيث غدا الأمر أحدث صيحة تلوكُها الألسنةُ، وتتبارى فى تناولها وسائلُ الإعلام.

لم يقطع أحد على امتداد الشهور بما هو مَقصود مِن تلك الدعوة على وجه التحديد. هناك مَن فهم مسألة تجديد الخطاب الدينى على أنها تتعلق بالمضمون؛ بتنقية ما يصلُح مما يُعيب، ومِن ثم تغليب فريقٍ على آخر وتفسيرٍ على آخر وفِقهٍ على آخر، وعلى هذا بدا الأمرُ فى نظر البعض بمثابة هجومٍ استلزم اتخاذَ مَواقف دفاعيةٍ صارمة. على الجانب المقابل فهم البعض الآخر المَسألة على أنها أمرٌ مُتعلق بالشكل والإطار لا بالمحتوى، ومِن ثم كانت الدعوة مِن تلك الزاوية أقل عدوانا، وأقل تجرؤا على ما يُشار إليه بثوابت الدين وما هو معلوم منه بالضرورة، وعلى كل حال ظهرت الثوابت والمعلومات بالضرورة كتعبيرات غائمة الملامح بدورها، فالثابت لدى رجل مِن رجال الدين يصير مُتحولا عند آخر، وقد حار بين الفهمين المُهتمون، وصرف الكثيرون انتباههم عن الأمر برمته.

فى هذا السياق، سار شيخان مُعَممان إلى معركة ثار غبارها على صفحات الجرائد، مُتصارعين على حيازة حق التجديد ورفع لوائه تطبيقا لشعارات ودعوات الرئيس، وانشغل الناس مرة أخرى؛ لا بقضية الشكل والمضمون بل بدوافع ومؤشرات اختصام الشيخين كل منهما الآخر، وبمحاولات التوفيق بينهما وبالمصالحة التى تأرجحت فى فضاء تنافسهما.

***

ندرك أن التراث الدينى مُتعدد القراءات، والقرآن فى قول على بن أبى طالب ذاته لهو «حمال أوجُه». ثمة مُتسعٌ لمتناقضات وأفكار ورؤى مُتباينة، والراغب فى الإتيان بنصٍ يؤيد مَبدأ ما لن يعجز عن العثور عليه، بينما الساعى إلى الإتيان بما يعاكسه سوف ينجح أيضا. يحتدم الجدلُ فى العادةِ بين فرقٍ مُتناحرة؛ كلٌ يستشهد بأسانيده، تختلفُ التفسيرات والتأويلات، ويحتكم من يحتكم إلى أسباب النزول، ويتحدث آخرون عن الناسخ والمنسوخ، ويبقى النقاشُ حول كثير مِن الأمور معلقا، لا يقبل قطعا ولا حسما ولا تأكيدا.

***

قامت المحكمة الإدارية العليا فى شهر أبريل الماضى بتجريم الإضراب، مُستخدِمَة فى حيثياتها أحكام الشريعة الإسلامية لتبنى عليها ما قضت به. استندت المحكمة إلى خطابٍ دينى لم يُؤخَذ به مِن قبل، مُتجاهلة أن الدستور كَفلَ ولايزال يكفُل حق الإضراب كشكلٍ مِن أشكالِ الاحتجاج السِلمى، وهو ما يطرح تساؤلات لا مَفر منها حَول أهداف غير مُعلنة، تكمُن وراء الدفع بفكرة التجديد إلى الساحة، أهداف لا تبدو قاصرة على الرغبة فى مقاومة مَنبع مُحتمل للعنف، أو السعى نحو الوقاية مِن شر إرهاب الآخرين باسم الدين، بل تتعدى هذا وذاك إلى مآرب تتعلق بتوجهات النظام، ففى ضوء ما يجرى على أرض الواقع مِن قمع وتضييق، وفى ضوء أحكام متجاوزة للمنطق، يصعب عزو الرغبة المُلحة فى تجديد الخطاب الدينى إلى إيمان أصيل مِن النظام الحاكم بالحاجة إلى تنوير العقول، ونبذ القيود المُعطلة لحركة الفكر والإبداع، وإشاعة قِيَم العدالة والحرية. تشير الحالُ ــ كما هى العادةــ إلى سعى النظام نحو استخدام الدين بما يتفق ومصالحه.

فى الإطار ذاته –إطار المزج بين السياسة والحكم والدين ــ يمكننا أن نتذكر أنه منذ ما يزيد على السنتين بقليل طرحت الحكومة مشروع قانون الصكوك الإسلامية، وقد هُوجِم المشروع بضراوة باعتباره أحد مظاهر الدولة الدينية المرفوضة، وبعد سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين عاد القانون إلى الظهور مِن جديد، وقيل إنه ذو فائدة عظيمة، ومنذ أسابيع فقط طالعتنا الصُحف بأنباءٍ حول اعتزام الحكومة طرح صكوك إسلامية مَدروسة، مَصحوبة بكامل الترحيب.

***

عقب الحراك الثورى عام 2011 بدا أن شعبية المؤسسات الدينية الرسمية اهتزت وتراجعت بالتوازى مع إظهار تأييدها الصريح للسلطة، وربما خسرت فى ذاك الحين قسما من المواطنين كان لايزال يُعلى مِن قدرها ويستمع إلى خطابها ويصدقه. مثل السقوط السريع لحكم جماعة الإخوان الهزة الثانية لسيطرة المتحدثين باسم الدين. تراجع الناس خطوات ونبذوا أولئك وهؤلاء، وكان لابد أن تستعيد السلطة تلك الأداة الهامة للسيطرة وأن تعيد ضمها إلى قائمة أدواتها وتجتذب الناس إليها، وربما مِن رحم هذا السياق وُلِدَت فكرة التجديد. يصبح ما فات هو الدين غير الصحيح، والقادم فى الطريق هو وحده «الدين الصحيح».

***

حين يتدخل النظام الحاكم مُتكلما عن تجديد الخطاب الدينى، مُتنصلا من دعايته السابقة التى ارتكزت على رفض الزج بالدين فى السياسة، فإنه يسجننا فى الدائرة المغلقة نفسها؛ دائرة استخدام السلطة للدين، وخلط الفعل السياسى بالفعل الدينى، وإسباغ القداسة على ما لا يستدعيها ولا يستوجبها. يصعب أن يتوقعَ المرءُ خيرا مِن وراء تلك الرغبة المحمومة فى طرح الخطاب الدينى على رأس أولويات السلطة، خاصة حين يبدو الخطاب الجديد فى بعض المواقف مُكيفا بما يخدم سياسات قمع لا تستهدف إلا حماية النظام.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات