أكتوبر .. فسيفساء الصور الأربعة - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 11:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أكتوبر .. فسيفساء الصور الأربعة

نشر فى : الأحد 6 أكتوبر 2013 - 9:55 ص | آخر تحديث : الأحد 6 أكتوبر 2013 - 10:25 ص

«من المواطن: محمد حمدي عبد الرازق بركات

يصل ويسلم ليد الفريق السيسى:

أكتب اليك بمناسبة حرب اكتوبر فأنا أحد جنود المؤهلات العليا الذين تشرفوا بالخدمة في القوات المسلحة، حين تم تجنيدهم فى يناير١٩٦٨ ولم يخرجوا إلا بعدالنصر فى ابريل ١٩٧٤ وليس لدى مايثبت انني واحدٌ ممن شاركوا فى هذا اليوم المجيد. لذلك، وأنا في نهاية حياتي لا اطلب منكم غير خطاب بتوقيعكم يقول انى كنت ضمن الفوج ٧٧ دفاع جوى/ الفرقه ١٦ / الجيش الثانى. حتى يحتفظ به احفادى ويفخروا به ويتوارثونه .. والسلام ختام

ملازم أول احتياط: محمد حمدى عبدالرازق بركات

«السنطة، غربية، ش الجيش»

***

هذه رسالة وصلتني قبل أيام من «الحاج حمدي» الذي أعرفه وأقدره وأحترمه .. واحدٌ من جيل كامل «من المدنين» قضي سبعة أعوام كاملة من ١٩٦٧ الى ١٩٧٣، وربما أكثر ضمن صفوف القوات المسلحة «يستنزف» العدو في سنوات الانكسار والمجد الصعبة تلك ببطولات ربما لم يسمع عنها جيلٌ لاحق كان هناك للأسف من قصد تغييبه عن «الوطن»؛ مشاعر وأحاسيس وانتماء. كما كان هناك، للأسف أيضًا من سرق انتماءه ليذهب به بعيدا الى الشرق؛ صحارى وبادية وجبال وعرة تزرع الهيروين وتقتاته فكرا وثقافة وأسلوب حياة.

***

أربعون عاما على السادس من أكتوبر. ربما لا يدرك قيمة اليوم مثلُ جيل كان « قدَرُه» أن يعيش الأمل .. فالانكسار .. فالانتصار؛ جموحا .. فمرارة .. فكرامة. جيلٌ رأى في ٢٥ يناير استكمالا ضروريا لما وضعته ٢٣ يوليو من أهداف كانت قد عصفت بها مؤامرات الخارج، ثم متكسبو الداخل من طبقة «الأوليجاركي» التي ابتليت بها كل ثورات القرن العشرين.

كان «حمدي بركات» قد خرج من جامعته (١٩٦٨) الى الجبهة، مجندًا لا يعرف متى تنتهي فترة تجنيده. وكان عبد المنعم رياض، إبن محافظته (سبرباي / غربية) يُستشهد على الجبهة، وهو رئيس للأركان. وكان ابراهيم الرفاعي، قائد العمليات الخاصة في حرب أكتوبر، ينشئ «منظمة سيناء العربية» لتعمل مع بدو سيناء خلف خطوط العدو (ولعلها قصة تستحق الآن أن تروى).

أيامها، كان المصريون وقد أفاقوا لتوِّهِم من هول الصدمة وانهيار الحلم، يشاهدون جانبا من قصة «أبنائهم» المنسحبين من سيناء في رائعة علي عبد الخالق «أغنية على الممر». ويرددون وراء «المجموعة» ــ حين كانت المجاميع تغني ــ كلمات الأبنودي الصادقة:

«أبكى .. أنزف .. أموت

وتعيشى يا ضحكة مصر

وتعيش يا نيل يا طيب

وتعيش يا نسيم العصر

وتعيش ياقمر المغرب

وتعيش ياشجر التوت»

يومها، كان أهل مدن القناة قد هجروا بيوتهم ضيوفا على مدن الدلتا المختلفة. وكان اللون الأزرق يغطي زجاج الشبابيك. والأضواء الشحيحة تُطفأ حين تُدوي صافرات الإنذار. ليلتف الناس حول أجهزة المذياع المتواضعة يستمعون الى الراحل، ابن النوبة محمد حمام يغني «لبيوت السويس»، والى الصعيدي عبد الرحمن الأبنودي يحكي عن هؤلاء الذين ظلوا هناك؛ «وجوها على الشط». ويتعرفون للمرة الأولى الى الكابتن غزالي «بسمسميته» وفرقته الفطرية البسيطة «ولاد الأرض» يغني «وعضم ولادنا نلمه نلمه .. ونعمل منه مدافع» في صورة لا تختلف في صدقها وتلقائيتها «المصرية» عن ما رأيناه وسمعناه من «فناني التحرير» في أيام الميدان الثمانية عشر‪ة.

يذكر تاريخنا كيف جابت أم كلثوم الأرض أيامها لتدعم بصوتها (الذي كفره الشيخ كشك) الوطن، «والمجهود الحربي». وكيف كانت «المصريات الحقيقيات»، بل وشقيقاتهن من الأقطار العربية يتبرعن بحليهن الذهبية «للمجهود الحربي» وإعادة بناء الجيش «لإزالة آثار العدوان».

هكذا كان «عالمنا العربي» الذي نعرفه، وكانت مصر التي نعرفها، والتي يعتقد بعض «العائشين في صندوقهم المغلق» أن بإمكانه أن يهيل التراب عليها، أو على تاريخها»المتضافر»، أو على ثقافتها «المركبة المتراكمة»، أو على وحدتها، أو على ذكرى عزيزة على قلب «أبنائها».

هكذا كانت مصر التي نعرفها؛ رغم الهزيمة «يدًا واحدة» تخط طريقها الى النصر... وتصل حبلا واحدا من يوليو ٥٢، الى يونيو ٦٧، الى أكتوبر ٧٣ .. وقد كان.

وهكذا مصر التي نعرفها. يُظهر شعبُها أفضلَ ماعنده؛ «معدنه الأصيل» عندما يشعر بأن هناك ما يوحده (أو من يوحده). هكذا جرى في الأيام الثمانية عشرة التي أسقطت مبارك، وهكذا شهدنا في صبيحة الثاني عشر من فبراير ٢٠١١ حين نزل شبابه الى الميادين ينظفونها، وهكذا جرى في التاسع من يونيو ١٩٦٧ حين اندفع الى الشوارع رافضًا الهزيمة، (في مشهد جسدته المبدعة محسنة توفيق في «عصفور» يوسف شاهين) وهكذا يذكر جيلنا ــ ما كان في سنوات الصمود الصعبة (١٩٦٧-١٩٧٠) داعما بوحدة «جبهته الداخلية» تضحيات وبطولات جيشه المقاتل على جبهة عرضها الوطن كله في «حرب الاستنزاف» القاسية والمفتوحة. ثم في سنوات الانتظار القلق (١٩٧٠-١٩٧٣) وصولا الى لحظة «رفع العلم»، والذي للمفارقة، يعترض البعض حاليًا على مشروع قانون «موحِد» يوجب احترامه.

‫***

وبعد ..

فهذا هو السادس من أكتوبر .. ولليوم في روزنامة التاريخ أربع صور:

الأولى ١٩٧٣: جندي مصري يُثَبِّت العلمَ أعلى تلة على الضفة الأخرى للقنال، التي كانت مياهها، قد امتزجت (ثمنا للعبور المستحيل) بدماء «مصرية» لا فرق فيها بين مسلم ومسيحي، أو بين غني وفقير، أو بين قادم من مدن الدلتا أو من نجوع أقصى الصعيد.

والثانية ١٩٨١: رصاصات لإحدى جماعات «الإسلام السياسي» تقصف منصة العرض العسكري، فتقضي على السادات (القائد الأعلى) وبعض ممن معه.

والثالثة ٢٠١٢: سيارة مكشوفة تجوب استاد القاهرة تحمل رئيسا للدولة جاء من أكبر جماعات «الاسلام السياسي»، في احتفال «حاشد»، كانت «الجماعة» فيه هي الحاضرة. فيما غاب الآخرون.

• والرابعة ٢٠١٣: «الجماعة» ذاتها اختارت اليوم «ذاته»، لتتنادى، لا الى احتفال بل الى تظاهرة بدت «بشعاراتها، وهتافاتها» وكأنها تفسد على المصريين شعورهم بيوم أعاد لهم عزتهم وكرامتهم.

أربع صور.. ليوم واحد (السادس من أكتوبر) في سنوات مختلفة. والحاصل أن التاريخ لا يجمع «الصور» ليضعها في ألبوم الذكريات. بل ليرسم من ظلالها وألوانها وتفاصيلها، «الفسيفساء» الحقيقية للمشهد .. التي لا بد من تجميعها .. لنفهم.

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات