الملك يرحل - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 6:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الملك يرحل

نشر فى : الإثنين 7 فبراير 2011 - 11:51 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 فبراير 2011 - 11:51 ص

 اللا معقول يصبح واقعا، فالمسرحية التى كتبها الكاتب الفرنسى، الرومانى الأصل يوجين يونسكو «1913 ــ 1994»، بعنوان «الملك يموت» أو «الملك يرحل» أو «الملك يخرج»، تندرج فى باب مسرح العبث الذى كان من رواده، هو وصامويل بيكت وفرناندو آرابال.. هذا المسرح يجمع بين السخرية والتهكم والكاريكاتور. أحداثه تبدو عشوائية، تقع فى أجواء غريبة، وشخصياته منفلتة الأفكار والانفعالات والتصرفات. لكن، خلف هذا الخيال الجامح، يكمن منطق ما، روية يتبينها القارئ أو المشاهد، بشىء من التفكير.

كتب يونسكو «الملك يموت» عام 1962، وهى أقرب للكوميديا السوداء، وبرغم مرور ما يقرب من نصف قرن على عرضها فى العديد من عواصم الدنيا، فإنها تبدو كما لو أنها كتبت حالا، بعد أن تأمل مؤلفها مصائر طغاة العالم: ماركوس الفلبينى، وبينوشيه شيلى، وشاه إيران، وزين العابدين تونس، وآخرين.. فمن ظنوا، فى لحظات الاختبار القاسية، أن نهايتهم هى نهاية لأوطانهم، وأن أحدا، بعدهم، لن يستطيع تقديم ما يوازى ما قدموه من عطايا ومآثر.

المسرحية مكتوبة فى فصل واحد، وفى مكان واحد: قاعة عرش مهدمة، توصى بانهيار نظام الملك «بيرانجيه»، وبعد ظهوره المهيب، شكليا، ندرك أنه هو شخصيا قد تآكلت قدراته الذهنية، أو لم يعد قادرا على استيعاب ما يجرى، وبالتالى يعيش فى الأوهام، وتتشابك خيوط المسرحية وتتقاطع حوارات الشخصيات المحيطة بالملك، وبرغم طوفان الكلمات، غير المترابطة، التى تنطلق من الأفواه، فإن ثمة شذرات من الجمل والعبارات، متناثرة بين السطور، تجسد على نحو إيحائى، حالة المملكة ووضع الملك، فإذا تتبعت كلمات طبيب القصر المتفرقة، ستجد أنها من هذا القبيل: قبل عشرات السنين، كانت إمبراطوريتكم مزدهرة. وخلال ثلاثة أيام خسرتم الحروب التى كنتم قد كسبتموها، وعدتم فخسرتموها مرة أخرى.. إنك لم تعد سيد نفسك، وأنت تلمس ذلك يا مولاى فكن بصيرا.. هيا، قليلا من الشجاعة. وعلى ذات المنوالى، تقول «مارجريت» لمليكها المفكك الأوصال: كيف حال مملكتك: إنك لم تعد تستطيع حكمها وأنت نفسك تلاحظ ذلك، ولا تريد أن تصارح نفسك به. لم تعد تستطيع أن تمنع الدمار والخراب.

أما «بيرانجية»، المغرور المنهك، المصر على البقاء برغم الوهن الذى دب فى سلطته فيقول: لم أهنأ بالنوم، مع هذه الأرض التى تطقطق، وهذه الصفارات التى تدوى، حقا إنها ضوضاء مزعجة. على أى حال سيكون من الواجب أن أصلح الأمور. سنحاول تنظيم ذلك.. لقد فسد كل شىء لأننى لم أحشد كل إرادتى. مجرد إهمال. كل شىء سيعود إلى سيرته الأولى مجددا.. وسترون ما أستطيع عمله.

مثل كل الملوك الخائبين لم يستطع «بيرانجيه» أن يفعل شيئا، فقد فات الوقت، لذا تنتهى المسرحية كما ينتهى، واقعيا، مشوار غيره من الطغاة: اختفاء النوافذ والأبواب والجدران.. ثم يغرق الملك ويغيب فى نوع من الضباب الرمادى.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات