(خزانة الألم.. المزيفة) - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 12:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(خزانة الألم.. المزيفة)

نشر فى : الأربعاء 7 أبريل 2010 - 10:23 ص | آخر تحديث : الأربعاء 7 أبريل 2010 - 10:24 ص

 تعمدت المخرجة كاترين بيجلو أن تضع آلة التصوير فى مستوى منخفض، وبالتالى يبدو جنودها أطول قامة مما هم عليه فى الواقع. وقصدت باقتراب الكاميرا من وجوه ممثليها أن يصبح حضورهم أكثر عمقا، وجاء اختيار أبطالها من وحدة نزع الألغام وإبطال مفعولها بمثابة الخروج الآمن من ورطة التعرض المباشر للحرب فى العراق، فليست مصادفة أن يطالعنا فى المشهد الافتتاحى حركة عشوائية لجمهور مضطرب فى قلب بغداد.

نساء وأطفال ورجال، يهرعون فى كل اتجاه، مع صوت عبر مكبر صوت، يطلب من الجميع مغادرة المكان فورا، لأن عبوات قاتلة ستنفجر، ثم يظهر أفراد وحدة نزع الألغام، يبرز من بينهم «جيمس»، بأداء «جيرمى رينر»، بوجهه الصافى الرقيق، المتمتع بقلب لا يعرف الخوف أو الكراهية، يرتدى ملابس ثقيلة، مضادة للنيران، وعلى طول الفيلم، نتابعه، وهو يتصبب عرقا، معرضا نفسه لخطر الموت، مواصلا تفكيك لغم تلو الآخر، واقفا إلى جانب الحياة ضد الموت، وإلى جانب العراقيين أنفسهم، الذين تتهددهم الألغام. الأمريكى هنا، فى مهمة إنسانية!

العراق، فى «خزانة الألم»، مجرد خشبة مسرح محايدة، من دون عنوان أو تاريخ، يدور فوقها دراما تتغنى بشجاعة وبطولة وغناء جنود أمريكا.. وفى المقابل، ترى العراقيين أقرب للكومبارس، بلا معالم إنسانية، تنظر لهم الكاميرا من بعيد، وبقدر كبير من الشك.

فعندما يركز أحد الجنود، من خلال منظاره، على رجل عراقى يتحرك، فإن هذا الرجل يبدو مريبا، وجهه ينطق بالخبث، وثمة رجل شرطة عراقى، يطلب منه الأمريكى أن يقترب معه من سيارة مشكوك فى أمرها، يتراجع العراقى الرعديد ويرفض، ولا يعترف الفيلم بأى مقاومة وطنية، فعنده، مجرد قتلة غلاظ القلوب، تبلغ شرورهم حد تفخيخ جثة صبى بوضع متفجرات فى أحشائه.

وفى مشهد آخر تقترب عربة أجرة من موقع الوحدة، سائقها لا يمتثل إلى أمر التوقف، وفى لقطة سريعة يظهر الجانب المشوه من وجه الرجل المتبلد، وبالقرب من النهاية يتقدم شاب من الوحدة، مستسلما، يركع على قدميه متوسلا كى ينزعوا القنابل الملفوفة حول جسمه، المربوطة بإحكام، ويحاول «جيمس»، بإنسانيته وشجاعته، أن يفعل.. ولكن الوقت يأزف، فيضطر للابتعاد، ويتحول العراقى إلى أشلاء مع انفجار القنابل، متلقيا مصيره الفاجع، العادل، حسب معايير الفيلم.. هكذا، العراق مجرد ساحة، «فيها الكثير من ألغام تحتاج لمن ينتزعها» كما يقول «جيمس»، وبعض الأشرار يليق بالأمريكيين التخلص منهم.

رصعت كاترين بيجلو فيلمها بلقطات ومشاهد ذات جمال شكلى، نتابع قطة مكسورة الرجل، قرص الشمس البرتقالى وهو يغرب فى أفق صحراء، طائرة ورقية فى الفضاء، الجزء الفارغ من رصاصة تسقط، بالتصوير البطىء على الأرض، دوامة رمال تنطلق فى مسار مستقيم، ولكن.. من قال إن هذه الحلبات من الممكن أن تخفى عملا مزيفا، ينظر للأمور بعين واحدة، عليلة ومتجنية؟

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات