نهاية التفوق الذكوري - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 5:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نهاية التفوق الذكوري

نشر فى : الثلاثاء 7 أبريل 2015 - 9:30 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 7 أبريل 2015 - 9:30 ص

كتبت ميلفن كونر، أستاذة الأنثروبولوجيا وعلم الأحياء السلوكى فى جامعة إيمورى، مقالا على موقع كرونيكل للتعليم العالى، تناولت من خلاله مدى تفوق المرأة على الرجل على المستوى الجينى وكذلك العملى، مرجحة صعود المرأة بشكل مضاعف خلال الأعوام القادمة بعد إتاحة حق مساواتها مع الرجل. وتوضح كونر فى بداية المقال أن المرأة ليست مساوية للرجل فقط، بل ومتفوقة عليه فى العديد من النواحى، وفى معظم المجالات التى ستؤثر فى المستقبل. ولا يتعلق الأمر بمجرد الثقافة أو التربية؛ وإنما هى مسألة الكروموسومات والجينات والهرمونات والدوائر العصبية. كما لا يتعلق أساسا بالكيفية التى تشكل التجارب بها النساء، ولكن بسبب الاختلافات الجوهرية فى الجسم والدماغ.

فهل تمثل هذه الاختلافات جميع سبل اختلاف النساء عن الرجال؟ لا. هل جميع الرجال متشابهون وجميع النساء يختلفن عنهم بنفس الطريقة؟ أيضا لا. ولكن أيا من تلك الاعتبارات، ترى كونر أن ذلك لا يقوض حجتها بشكل جاد أو يدحض الاستنتاج الرئيسى المتمثل فى أن المرأة متفوقة فى معظم المجالات المهمة الآن.

وتبين كونر أنها لا تعنى ما كان يقصده الرجال «المتغطرسون» الذين قالوا من قبل ــ إن المرأة نبيلة، ومعطاءة، ومخلوقا روحيا. فهى تعنى العكس من ذلك نوعا ما. حيث إن المرأة براجماتية أساسا فضلا عن كونها تقوم بالرعاية، ومتعاونة وكذلك قادرة على المنافسة، وماهرة فى إبعاد ذاتها عن الأمر، وإدارة الأفراد من دون وضعهم فى موقف دفاعى، فهى بانية وليست مدمرة. وتضيف كونر أن المرأة يمكن أن تتحمل شئون عالم معقد بطرق أكثر تركيزا وكفاءة، وبناءة وإيجابية، من الرجل لأن المرأة لا تتصرف كثيرا وفقا للدوافع والمزاجية التى تؤدى، أحيانا بشكل غير مباشر، إلى الجنس والعنف. حيث تعتبر المرأة أكثر ترددا فى الانخراط فى كليهما. وإذا انخرطت النساء فى الحروب، سيكون ذلك لضرورة ـ وليس اختيارا ـ تأسست على اعتبارات عقلانية، وليس على صراع بين ذوات يتصاعد خارج نطاق السيطرة.

•••

وتوضح كونر أن طرحها ليس بفكرة جديدة. ففى 1869. قالت اليزابيث كادى ستانتون فى خطاب عن اتفاقية حق المرأة فى الاقتراع ألقته فى واشنطن «ونفس الحجج المقدمة فى هذا البلد لتمديد الاقتراع... إلى المواطنين الأصليين من الرجال البيض، الذين لا يتمتعون بأملاك ولا تعليم، وإلى الأجانب... والحجج التى يستخدمها الحزب الجمهورى العظيم لتوفير فرصة الاقتراع من أجل مليون رجل أسود فى الجنوب، علينا أن نطرحها الآن عند الحديث عن النساء، والفرق بين الرجل والمرأة. ولأن الرجل والمرأة يكملان بعضهما البعض، فنحن نحتاج أفكار المرأة فى الشئون القومية لإقامة حكومة آمنة ومستقرة.

بعد قرن ونصف القرن من الأبحاث، صارت حجة ستانتون عن الفارق أقوى من أى وقت مضى، ترتكز على نظرية تطور الدماغ، وعلم نفس الطفل، والأنثروبولوجيا. ويمكننا أن نخطو بها خطوة أخرى إلى الأمام.

وبالإضافة إلى تفوق المرأة فى القدرة على تقدير الأحكام، والثقة، والموثوقية، والإنصاف، والعمل وحسن التعامل مع الآخرين، والتحرر النسبى من الدوافع الجنسية المشتتة، وانخفاض مستويات التحيز والتعصب، والعنف، فإنها تعيش فترة أطول، ومعدل وفيات النساء أقل فى جميع الأعمار، كما أنها أكثر قدرة على مقاومة معظم الأمراض، وأقل عرضة للمعاناة من اضطرابات الدماغ التى تؤدى إلى السلوك المضطرب وحتى المدمر. وبطبيعة الحال، ينتج النساء من أجسادهن حياة جديدة من أجسامهن، لا يساهم فيها الرجال إلا بأقل مساهمة بيولوجية – وهى المساهمة التى سرعان ما يمكن القيام بها من دونهم.

وبرغم ذلك تعتقد كونر أن الغالبية العظمى من النساء، وكثير من الرجال أيضا، يريدون عالما يتم فيه تقاسم الفرص والمسئوليات والمزايا على قدم المساواة بين الجنسين. ليس لأنهما متشابهان جدا ــ على الرغم من أنهما كذلك فى نواح كثيرة ــ ولكن لأنهما مختلفان.

وعلى العكس من جميع الأفكار السائدة، تعتبر النساء أكثر منطقية وأقل عاطفية من الرجال. ولاشك أن النساء تبكى بسهولة أكبر، ويرجع ذلك، أيضا، جزئيا لسبب بيولوجى. لكن الحياة على هذا الكوكب لا تهددها دموع المرأة؛ ولا يسبب هذا السائل الملحى، الفقر، واستنزاف الخزانة العامة، أو تدمير السمعة، أو فرض علاقات حميمة قسريا، وذبح الأطفال وتعذيب العزل، أو تحويل المدن إلى ركام. فلا شك أن هذه الكوارث من صنع الرجال حرفيا. فهى ناتجة عن عواطف الرجال، التى تلهيهم على نحو مستمر. وينبغى أن أعترف ان معظم الرجال لا يرتكبون أعمال العنف أو الاغتصاب أو المجون أو يشعلون الحروب. وهذا صحيح بطبيعة الحال، لكن الأقلية التى ترتكب تلك الأشياء من بين الرجال ــ وهى أكبر عدة مرات من مثيلتها بين النساء – تركت بصمة قوية على التاريخ البشرى.

ولكن قد يقال إن الرجال أنجزوا أشياء عظيمة! نعم، ولكن بالنظر إلى أن الرجال عطلوا مسارات المرأة نحو تحقيق انجازات عظيمة فى جميع المجالات لآلاف السنين، فإن المقارنة لا تعتبر عادلة. لذلك دعونا نعقد تسوية: معظم الرجال ليسوا مدمرين، وليس كل النساء متعاونات، وراعيات. ولدى المرأة وسائلها الخاصة فى خلق الصراع وقمع الآخرين. ولكن فى العلوم نشكك فى التعميمات، كما أن الفروق بين الجنسين فى المخ والسلوك، ليست فقط ممكنة بل لها ما يبررها تماما من الأدلة.

وتعتبر الأشكال المتطرفة من الهيمنة الذكورية حالة شاذة فى تاريخنا، مؤقتة رغم كونها طويلة الأمد. ونحن نشهد فى العلاقة بين الجنسين تعافيا للمساواة وليس اختراعا لها.

وترجح كونر أن هيمنة الذكور فى سبيلها للانتهاء. حيث صارت هامات النساء ترتفع فى شتى مجالات الحياة، حتى فى أكثر المجتمعات المتحيزة ضد المرأة. وفى أفقر البلدان، أتاح منح المرأة حق التصويت، والخدمات الصحية، والقروض الصغيرة، وبرامج الادخار، للنساء السيطرة على مقدراتهن. ولعل أفضل وسيلة لإنفاق المساعدات المالية، تعليم النساء والفتيات. فقد صار تمكين المرأة الخطوة التالية فى تطور البشرية.

وتشير كونر إلى أن الرجال يبررون عنفهم دائما بحجة أن المرأة فى حاجة إلى الحماية. وطرح كتاب هانا روزين «نهاية الرجال» (2012) فكرة أن إحلال النساء محل الرجال فى جيل الشباب عملية تتم على قدم وساق. وينظر علماء الأنثروبولوجيا نظرة بعيدة إلى الأمر. فعندما ألقت اليزابيث كادى ستانتون كلمتها فى عام 1869 حول الاختلافات بين الجنسين، كانت حربا مدمرة قد حررت لتوها العبيد، ولكن النضال اللاعنفى من أجل حقوق المرأة كان فى بدايته. وبعد نصف قرن سوف تتمكن النساء من التصويت فى الانتخابات، ومن حق التصرف فى الممتلكات، واستخدام وسائل منع الحمل، والالتحاق بالمهن.

ومع مرور نصف قرن جديد، خلقت الموجة الثانية النسوية. لتكتسب حقوقها فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وباستكمال نصف قرن ثالث، يبدو تقدم المرأة الآن ثابتا ولا رجعة فيه. حيث تواجدت المرأة فى العديد من المناصب القيادية على مستوى العمل الخاص أول العام. هذا علاوة على زيادة نسبة الإناث على المستوى التعليمى العالى وكذلك فى مجال القضاء.

•••

وفى الفترة الماضية من القرن الحادى والعشرين، خاصة منذ عام 2008، وكانت خسائر الرجال فى الوظائف ونسبتهم الإجمالية من البطالة أعلى بكثير من المرأة. وتستشهد كونر بما يحدث فى الولايات المتحدة، فمنذ بداية الانتعاش الاقتصادى إلى يوليو 2013، استعادت الأمريكيات 95 فى المائة من وظائفهن فى حين استعاد الرجال 65٪ فقط. وفى الفترة الزمنية نفسها، انخفضت البطالة بين النساء من 7.6 إلى 6.5 فى المائة، والرجال من 9.9 إلى 7.0 فى المائة.

ويتزايد عدد النساء اللاتى يدرن بأنفسهن استثماراتهن. وكما أوضحت مجلة فوربس عام 2012 «تعتبر الاستثمارات، الحركة النسائية الجديدة». كما تأتى تنبؤات بتمكين المرأة أيضا بالديمقراطية. وذلك فى إشارة إلى ما جاء فى مجلة التنمية العالمية 2013 حيث نشرت دراسة مفادها أن تحول بعد النظم فى أواخر القرن العشرين من الاستبداد إلى الديمقراطية قد رد للمرأة الكثير من حقوقها مما مكنها سياسيا واقتصاديا.

وبرغم ذلك ترى كونر أن اهتمام الديمقراطيات غير كاف، حيث حلل مؤلفو الدراسة بيانات جاءت من 97 بلدا فى الفترة من 1980 إلى 2005، حتى يمكنهم بحث جميع الأبعاد ذات الصلة وكيف تغيرت مع مرور الوقت. ووجدوا أولا، أن عدد الديمقراطيات زاد أكثر من الضعف، من 37 إلى 80 فى ذلك الربع من القرن. وتميزت البلدان التى انتقلت إلى الديمقراطية بمعدل مستويات تحصيل علمى أعلى للمرأة، وزيادة عدد النساء فى قوة العمل، وانخفاض الخصوبة.

وفى الختام ترى كونر أنه كلما اكتسبت النساء نفوذا أكبر، كلما سار كل شىء على قدم المساواة، وسوف يصبح العالم أكثر ديمقراطية، وأكثر تعاطفا اجتماعيا، وأكثر مساواة، وأقل تمييزا، وأقل إباحية.

التعليقات