ما وراء المشهد - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 2:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما وراء المشهد

نشر فى : السبت 7 مايو 2011 - 8:46 ص | آخر تحديث : السبت 7 مايو 2011 - 8:46 ص

 لا أظن أن أحدا من المصريين سينسى المشهد الوثائقى للخيول والجمال وهى تقتخم ميدان التحرير، وبينما تندلع فوضى المباغتة فتشتت الجموع، يتصدى بعض الشباب، بعزيمة من حديد للغزاة، الشاهرين عصيهم وكرابيجهم، ينهالون بها على المعتصمين..

واحد من الثوار، يرتدى فانلة حمراء يندفع، بلا تردد، ملقيا بجسمه الضخم على الحصان الذى يقع على جانبه، وفوقه فارسه الخائب، منطرحا أرضا. وبينما أخذ الشاب الهمام، المفتول العضلات، يعدو وراء جمل حائر، التف عشرات المتظاهرين حول فارس الحصان المنهار، انهالوا عليه بالصفعات والشلاليت واللكمات وبرغم أن هذا الوغد تحول إلى حمل مذعور، بوجه متورم مخضب بالدم، فإن توبيخه تواصل مقرونا بشىء من «التلطيش».

ولا يحتاج المرء لجهد كى يدرك هذا العنف ضد المضروب ليس كرها فيه، ولكن غضبا على ما يجسده من غدر وخسة.. وما هى إلا لحظات ذابت بعدها أرتال الغزاة. جمال هائمة، خيول تلتقط أنفاسها بصعوبة، بغال مستسلمة، وثمة المنظر الزرى للغزاة الأشاوس وقد ارتسم الرعب على ملامحهم, بعضهم يبكى، والبعض الآخر يتوسل.

هذا الشريط يعتبر مشهدا وثائقيا بامتياز. لم يؤلفه كاتب سيناريو، ولم يخرجه متخصص، ومع هذا يرصد بصدق ودقة، واحدة من أحداث الذروة، إبان أيام الثورة..

تعرضه معظم قنوات التليفزيون، ويتوافر بسخاء على مواقع النت.. لكن المشكلة أنه أصبح المشهد المفضل، الأكثر إغراء، لصناع الأفلام التسجيلية، ينتقل بحذافيزه، من عمل لآخر، فتكاد تحس أنك لا تشاهد عددا من أفلام متباينة الرؤى والاهتمامات والأساليب، ولكن تتابع فيلما واحدا، متطابقا، برغم اختلاف العناوين والأسماء، وهو الإحساس الذى وصلنى حين تابعت عددا من أفلام «مهرجان كام للأفلام القصيرة» الطموح، وأخرى حققها هواة، يمتلكون مواهب لا شك فيها، فضلا عن روح وطنية مشبوبة. والأهم، ذلك التوقد الذهنى الذى بدا واضحا مع أول ملاحظة أبديتها. فورا، التقطوا الخيط وأخذ كل منهم يتحدث عن فيلمه القادم ــ طبعا، بعضهم أسهب فيما كان يريد أن يقدمه «لولا الإمكانيات» ــ ومن كلام الجميع، وأحلامهم القابلة للتحقيق، تبلورت مشروعات أفلام تسجيلية، تكشف وتتوغل فيما وراء الصورة، وامتدادات المشهد الوثائقى سالف الذكر. أحدهم اقترح البحث عن ذلك البطل المجهول، الذى أسقط الحصان وصاحبه، وعن طريق التداعى، قال آخر إنه سيقدم الفارس الوغد، المقهور، إياه، وسيتحاشى أى ازدراء أو كراهية تجاهه، ولكى سيتلمس ظروفه وأبعاده الإنسانية..

تمنى أحدهم أن يبين، عن طريق التحقيق السينمائى، كيفية انسحاب بقايا الجمال والجمالين من الميدان، وهل حملتهم عربات نصف نقل إلى نزلة السمان أم قطعوا المشوار سيرا على خفاف الجمال وحوافر البغال، ولا بأس من سؤالهم ــ إن إمكن ــ عن شعورهم عقب الهزيمة.

قال أحدهم إنه سمع الحالة النفسية السيئة للحصان الذى وقع أرضا، وفيلمه سيتحقق من الأمر. اندلع خلاف خصب حين عبر شاب عن رغبته فى البحث عمن ساهم فى فتح الثغرة التى تدفق منها الغزاة، فقد رأى زميل له «أن هذا ليس وقته».. إجمالا، بدا الحديث عما وراء المشهد الوثائقى، منعشا للآمال.. فلننتظر ونرى.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات