دردشة سياسية - معتمر أمين - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 6:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دردشة سياسية

نشر فى : السبت 7 مايو 2022 - 8:45 م | آخر تحديث : السبت 7 مايو 2022 - 8:45 م
الأحزاب بالنسبة للسياسة، مثل الشركات بالنسبة للاقتصاد. فإذا كان الاقتصاد لا يستطيع العمل بدون شركات، فإن السياسة لا تستطيع العمل بدون أحزاب. وإذا كانت الدولة تريد أن تقيم للسياسة شأنا فعليها أن تفعل فى السياسة ما تفعله فى الاقتصاد. وعلى سبيل المثال، أنفقت الدولة نحو 8 تريليونات جنيه على مشروعات التطوير فى السبع سنوات منذ عام 2015، فكم بلغت نسبة الإنفاق على السياسة فى هذا التطوير؟ ولو عقدنا مقارنة مع أى دولة أخرى من المشرق إلى المغرب، فأين يقع إنفاق الدولة المصرية على المجال السياسى بالمقارنة بالدول الأخرى؟ ثم ننتقل إلى الفكرة التالية، السياسة تنمو عن طريق الانتخابات بمختلف أشكالها، مثل النقابية، والبلدية أو المحلية، والبرلمانية، والرئاسية، فهل لدينا ما يكفى من الانتخابات لكى ينشط الحوار السياسى ويفرز القادة المطلوبين لقيادة المستقبل؟ أظن آخر مرة جرت فيها انتخابات المحليات كانت عام 2008، فكيف تتطور المحليات بهذه الوتيرة؟ الشاهد، أن الناس تبتعد عن الشأن السياسى، بكل أشكاله، وتركت للدولة ومؤسساتها إدارة المنظومة.
ويعرف الجميع أن الدولة مرت بثورتى يناير 2011، ويونيو 2013، وخرج الناس منهما ولديهم عزوف من تناول الشأن السياسى. وذلك نتيجة لما عاشته البلد من تجربة أخرجت من المجتمع ما لم يكن متصورا أنه فيه. والناس حتى لا تريد استدعاء تلك الأيام لا بالتحليل ولا بالتنظير. فما عاشه المجتمع من عدم استقرار، والجرى وراء الأحلام التى تبينت أنها كوابيس، ثم تدنى ظروفه الاقتصادية، ووصول البلد لحالة انشقاق غير مسبوق، كلها أمور غنية عن التعريف. وهى سمة مصاحبة للثورات على أى حال. لكن قبل أن نترك هذه المسألة وراءنا نطرح سؤالا وحيدا. هل تغير جوهر القيادات والكوادر السياسية الآن عن القيادات والكوادر التى أدارت المجال السياسى قبل عام 2011؟ أو حتى خلال 2011 ــ 2013؟ هل زادت كفاءة الكوادر السياسية؟ هل أصبحت أقرب للناس وأفضل فى التعبير عنهم؟ هل يوجد قادة سياسيون يديرون المجال السياسى ويتداولون المواقع السياسية بطريقة مستقرة؟ فإذا كانت الكوادر السياسية المؤهلة غير كافية فكيف تتقدم السياسة؟
• • •
اختارت الدولة صناعة الكوادر السياسية عن طريق برامج التدريب الرئاسية، من أجل صنع جيل أكثر كفاءة واحترافية فى إدارة الشأن العام. وأنشأت أكاديمية للشباب قائمة على التدريب الحديث، والتأهيل العلمى الرصين. ووضعت قواعد لاختيار أفضل العناصر التى يجب أن تلتحق بالبرنامج التدريبى. وبالرغم من خروج دفعات، وتعيين بعضهم فى الوظائف العامة، ومنهم بعض شباب الأحزاب، فإن التجربة لازالت بحاجة لمزيد من الوقت لكى تؤتى ثمارها. ولذلك هى حل جزئى لمشكلة أوسع. بمعنى آخر، هيكلة وتشكيل وتنظيم العمل السياسى العام بحاجة إلى جهود ووتيرة أسرع وأوسع من الجهود القائمة حاليا. وبدون ذلك فإن عبء إدارة المجال السياسى سيستمر على عاتق بعض مؤسسات الدولة لوقت طويل. وذلك، لأن العمل السياسى لابد أن يستمر، فلا يمكن توقيف مصالح الناس لحين إعداد كوادر سياسية. ولذلك نقول إن إعادة الروح للعمل الحزبى والنقابى هى الطريق الأساسى، هذا بالإضافة للطريق الإضافى ألا وهو أكاديمية الشباب.
أما فى حالة استمرار الهوة بين العمل السياسى المنظم وبين إدارة الدولة، بمعنى إفراز كوادر سياسية جيدة لكنها غير كافية، مع استمرار عمل المؤسسات السياسية مثل البرلمان بدون أحزاب قوية، فإن هذا المشهد يجعل القيادة السياسية فى علاقة مباشرة مع جماهير غفيرة بدون وسيلة أو جسم سياسى ينظم هذه العلاقة. ولا تكفى هنا جهود المثقفين، والمفكرين، والسياسيين... إلخ، للقيام بأى دور تنظيرى أو حوارى من الذى يمكن التعويل عليه. بل أقصى ما يمكن عمله هو إدارة ما يبدو أنه حوار سياسى بين جهات لها اسم سياسى لكن لا تعمل فى السياسة أو بالكاد تعمل على هامش صنع السياسات مثل مراكز الأبحاث، ومراكز التدريب، والجامعات إن أمكن... إلخ. بينما الأحزاب التى شغلتها السياسة، غير مقنعة وغير معبرة. وحتى لو شاركت فى الحوار السياسى، فإنها فى الواقع غير قادرة بإمكانياتها الحالية أن تقدم إلا القليل. ولذلك نرى بعض الأحزاب تتوسع فى العمل الخيرى والتنموى لكى يصبح لها نصيب من الاهتمام العام.
• • •
نتفهم أن الدولة مرت بمرحلة ما بعد الثورة التى أطلق عليها مرحلة «تثبيت الدولة» والتى كانت تقتضى إعادة الانضباط للشأن العام بعد حالة الانفلات غير المسئولة التى سادت المشهد لسنوات منذ ثورة يناير 2011. والآن يبدو أننا على أعتاب مرحلة حوار سياسى، البعض يرجعه إلى أسباب معلنة وأخرى مستترة. أما المعلنة، فهى استيعاب آراء الناس بعد التعويم الثانى للجنية مما زاد من الضغوط الاقتصادية على المجتمع. فالمصريون يتحملون فواتير باهظة فى سبيل الإصلاح الاقتصادى، والذى لم تهل نتائجه بعد، باستثناء النقلة الهائلة فى الكهرباء، والطرق، والكبارى، من أعمال البنية التحتية. أما الأسباب المستترة، فالبعض يشير إلى ضرورة إقامة حوار سياسى كشرط للحصول على قروض إضافية من البنك الدولى، وصندوق النقد الدولى تفوق فى حجمها 10 مليارات دولار. ومن شروط تلك الجهات، بالإضافة إلى إلغاء الدعم، إقامة حوار مجتمعى قبل الحصول على قروض. وفى هذا السياق، من المهم أن يكون لدينا إدراك لما وراء الحوار لكى يؤتى نتائجه، ونفهم فحواه.
• • •
الخلاصة، مرحبا بالحوار السياسى مهما كان ضئيلا، وأهلا بالدردشة السياسية حتى لو كانت بعيدة عن السياسات العليا. المهم استمرار الحوار السياسى، لأن استمراره سيفتح قضايا هامة ويتطرق لموضوعات تشغل الرأى العام، ويوسع قاعدة المشاركة فى صنع القرار، حتى لو كانت مشاركة شكلية. ولا أعرف حجم ما تريد أن تنجزه الدولة من الحوار السياسى، المهم أن يكون هناك حوار سياسى لا يدور فقط على السوشيال ميديا وإنما يدور وجها لوجه عبر آلية تصنع جسورا بين منصات السياسة على هامشيتها، وبين صنع القرار. وقد يأتى يوم تعود فيه بعض من التقاليد السياسية التى توقفت منذ زمن، مثل اللقاء السنوى بين القيادة السياسية ورؤساء الأحزاب. أو قد يأتى يوم ويحدث فيه حوار حقيقى عن قوانين الانتخابات التى لا تفرز أفضل ما فينا، ولا تقوى الأحزاب.
معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات