أن يتم توسيع طريق مصر الإسكندرية الصحراوى وإزالة المخالفات عليه فهو إجراء يستحق الشكر والتقدير والإشادة والترحيب، لكن المأساة للأسف هى أن طريقة التنفيذ تجعل هذا المطلب الشعبى والهدف النبيل يتحول إلى وسيلة لتعذيب مجموعة من المواطنين ساقهم حظهم العاثر للوقوع فى مصيدة البيروقراطية اللعينة التى لا يشغلها إلا تعطيل العمل أو تنفيذه بعشوائية ومن دون تفاهم.
المسئولون فى المحليات وفى غيرها تركوا الفساد والتعديات على هذا الطريق منذ عشرات السنين، بل كانوا هم المتواطئين فعلا فى هذا الفساد، ولولا ذلك ما تمكن أى شخص من ارتكاب أصغر مخالفة، وكلنا يتذكر كيف أن أحد محافظى الجيزة حصل على رشاوى مالية وجنسية فى هذا الملف تحديدا.
قبل أسابيع قليلة طلب رئيس الجمهورية من المسئولين عن هذا الطريق سرعة توسيعه وتطويره، وقال البعض إن الرئيس طلب أن يتم إنجاز ذلك قبل نهاية شهر يونيو الحالى.
المسئولون تلقوا هذا التكليف وقرروا تطبيقه فوراــ وهذا أمر جيدــ لكن للأسف من دون دراسة حقيقية تراعى الاستجابة لتكليفات الرئيس وفى نفس الوقت لا تضر أهالى المنطقة وتحول بعضهم إلى ما يشبه اللاجئين.
تخيلوا أن السكان الذين يعيشون فى هذه المنطقة الممتدة من أول الطريق الصحراوى عند نادى الرماية ولمسافة أربعة كيلو مترات ونصف عند نفق صحارى الهرم، يعيشون أسوأ أيامهم بسبب طريقة غاشمة، لا يشغلها حال المواطنين بل تحول بعضهم إلى كراهية الحكومة وبطريقة مجانية.
هؤلاء المواطنون لا يعارضون توسيع الطريق أو تطويره، بل كل ما طلبوه من المسئولين مجرد أن ينفذوا ذلك بطريقة لا تجعل المياه مثلا تنقطع عن المنطقة لمدة ١٨ ساعة يوميا، وكذلك الكهرباء وغالبية خدمات البنية التحتية.
القصص المأساوية فى هذا الصدد متنوعة، ومنها مثلا أن بعض الأسر الميسورة تركت المنطقة وعادت إلى شققها القديمة الضيقة أو ذهبت للعيش عند أقاربهم فى محافظات مختلفة أو عاشت أوقاتا وظروفا وإوضاعا تقول إنها غير مسبوقة.
من بين صور الفساد أنه من المنطقى أن تكون أسلاك الهاتف وخطوط المياه على عمق أكبر حتى لا تتأثر بأى تكسير للطريق، لكن المفاجأة أنها كانت تحت الأسفلت مباشرة، والنتيجة أن بعضها تعرض للتلف، وهذا الأمر يكشف لنا تحديدا دولة الفساد التى أدارها المسئولون السابقون بالإدارة المحلية على الطريق الصحراوى فى إطار إمبراطورية الفساد التى أدارها نظام حسنى مبارك بكفاءة منقطة النظير، ويدفع كل الشعب ثمنها الآن.
أهالى المنطقة ذهبوا للمسئولين ليقولوا لهم لماذا لا ننتظر أياما بسيطة حتى يتم مد خطوط الغاز قبل رصف الطريق وحتى لا نعود لتكسيره مرة أخرى، وتتكلف ميزانية الدولة ملايين الجنيهات، فى حين نشكو يوميا من عجز الموازنة، خصوصا أن مسئولى شركة الغاز يقولون إنهم جاهزون لمد الغاز خلال أسبوعين!!.
الأهالى قالوا أيضا للمسئولين: نريد أن نمد خطوط الصرف الصحى على حسابنا، لأنه لا يعقل عدم وجود شبكة صرف فى هذه المنطقة التى يقطنها مجموعة من ميسورى الحال وذوى المناصب، مما يؤثر على سلامة مياه الشرب.
لكن الرد الذى تلقوه عموما كان صادما: سوف نوسع الطريق ونرصفه بأسرع ما يمكن لأن الرئيس طلب منا ذلك، ولا يشغلنا أى شىء آخر.
أمثال هؤلاء المسئولين هم الأكثر خطرا على الرئيس، لأن أهالى المنطقة واثقين أن الرئيس لا يمكن أن يقبل بذلك.. والسؤال: هل من أمل فى حل المشكلة قبل أن تتفاقم؟!.