ماذا يحدث فى تركيا؟ أردوغان وأوغلو - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا يحدث فى تركيا؟ أردوغان وأوغلو

نشر فى : الأحد 7 سبتمبر 2014 - 7:25 ص | آخر تحديث : الأحد 7 سبتمبر 2014 - 10:17 ص

خلال الشهر الماضى، حدثت تغيرات مهمة فى الساحة الداخلية التركية، فرجب طيب أردوغان رئيس الوزراء القوى الذى حكم البلاد لما يقرب من ١٢ عاما تم انتخابه إلى مقعد الرئاسة ليكون الرئيس الثانى عشر فى تاريخ الجمهورية والأول الذى يتم انتخابه بالاقتراع الشعبى المباشر، بعد أن كان منصب الرئيس فى تركيا يتم اختياره بشكل غير مباشر من خلال البرلمان. أردوغان الذى مارس السياسة لمدة ٤٠ عاما وحقق شعبية كبيرة داخليا ودوليا قرر أن يترك مقعد رئاسة الوزراء بعد نجاحه مع حزبه «التنمية والعدالة» لثلاث دورات متتالية ليتحول إلى منصب الرئيس الأقل أهمية من الناحية الدستورية، فلماذا؟ وما هو مستقبل تركيا بعد هذا التغيير وخصوصا مع اختيار الحزب المتمتع بالأغلبية البرلمانية لوزير خارجيته داود أوغلو ليكون رئيس الوزراء الجديد؟ وكيف ستسير العلاقة بين الاثنين؟

•••

يعتقد كثيرون أن أردوغان الذى حقق طفرة رهيبة فى الاقتصاد التركى رافعا الناتج القومى الإجمالى من ٢٠٠ بليون دولار إلى ٨٠٠ بليون دولار سنويا والذى شهدت فى عهده الخدمات التعليمية والصحية والبنية التحتية نهضة كبرى، فضلا عن أسطورته الشعبية داخليا وخارجيا والتى بدأ فى تأسيسها منذ أن وصل إلى منصب عمدة إسطنبول فى ١٩٩٤ لا يمكنه أن يتخلى هكذا بسهولة عن مقاعد السلطة واتخاذ القرار، ويرى عدد من المحللين أن هذا التغيير هو مجرد خطوة تمهيدية لتغير شكل النظام السياسى فى تركيا ليتحول من النظام البرلمانى إلى الرئاسى بحيث يعضد فيه أردوغان مقعد السلطة ويستمد شرعيته المباشرة من الشعب مخففا من أحمال ضغط البرلمان ولعبة الأحزاب من على كاهله، ومحاولا استغلال شعبيته فى الحصول على الدعم المباشر من الشعب.

هنا علينا إذًا أن نناقش ثلاثة أسئلة محددة، الأول: هل حقا يتمتع أردوغان بهذه الشعبية الجارفة؟ والثانى: هل يعنى هذا تغيير الدستور ومتى يتم ذلك؟ والثالث: عن كيفية سير العلاقة بينه وبين وزير خارجيته السابق ورئيس الوزراء الحالى داود أوغلو؟

فيما يتعلق بالسؤال الأول، فقضية شعبيته جدلية، فبكل تأكيد يتمتع أردوغان بشعبية ما لم يتمتع بها أى قائد سياسى فى تركيا منذ وفاة مؤسس الدولة مصطفى كمال أتاتورك، لكن إلى أى مدى يمكن أن نعتبر هذه الشعبية طاغية وكافية له من أجل إحداث كل هذه التغييرات؟ فى مقابلاتى مع باحثين أتراك وجدت انقساما حول هذه النقطة، فهناك من بالغ فى الحديث عن شعبية الرجل الطاغية، وهناك من قلل من شعبيته استنادا إلى فترة حكمه الثالثة كرئيس للوزراء والتى شهدت أحداثا جدلية وخاصة تلك المتعلقة بأسلوب مواجهته لمظاهرات ميدان تقسيم وقيامه بحجب خدمات بعض مواقع التواصل الاجتماعى، فضلا عن الأسلوب الحاد الذى بدا واضحا عليه فى خطبه خلال العام الأخير. ورغم أن هذا الجدل حول الشعبية بين الباحثين والأكاديميين يظهر استقطابا واضحا هنا فى المجتمع التركى بين العلمانيين والإسلاميين إلا أن تسطيح القضية وحصرها فى أن الانقسام حول شعبية أردوغان هو مجرد انقسام أيديولوجى غير دقيق، وبشكل عام يمكن القول إن أردوغان قد حصل على ما يزيد قليلا على نصف أصوات الناخبين الأخيرة فيما اقتسم منافساه النصف الآخر، وهو ما يعنى أن أردوغان بالفعل يتمتع بتأييد نصف الشعب، بينما ينقسم النصف الآخر حول تأييد البديل المناسب له، ومن ناحية أخرى فلا يمكن القول أن مؤيدى أردوغان هم فقط من الإسلاميين، ففى لقاءاتى هنا لاحظت أن بعض العلمانيين من الطبقات الوسطى التى شهدت طفرة اقتصادية فى أعوام حكمه تؤيده أو على الأقل لا تعارضه ورغم أن البعض منهم أبدى تخوفه على نمط حياته الشخصية المتغربة إلا أنهم جميعا أكدوا أن الرجل لم يمس نمط حياتهم ولا حرياتهم حتى الآن!

فاذا ما أخذنا فى الاعتبار أن أردوغان أمامه عشر سنوات لينهى حياته السياسية كحد أقصى (٥ سنوات فى الرئاسة قابلة للمد مرة واحدة حال إعادة انتخابه)، فيمكن القول إن قدرة أردوغان فى الحفاظ على هذه الشعبية تتوقف على حجم إنجازاته الاقتصادية والأمنية وقبل كل ذلك على قدرته على تمرير الدستور الجديد المزمع كتابته بعد انتخابات البرلمان القادمة فى ٢٠١٥، وفشله فى أى من هذه الملفات قد يحطم الشعبية الكبرى التى بناها وهو تحد كبير له وللحزب.

أما عن الدستور، فقد أكد كل من قابلته هنا أن الحزب الحاكم قرر بالفعل تغيير الدستور وكتابة آخر جديد أو على أقل تقدير تعديله جذريا، فالدستور الذى تم اعتماده عقب انقلاب ١٩٨٠ لا يلبى طموحات الحزب وقياداته، وتؤكد Nagehan Alci وهى صحفية مرموقة ومقربة من الحزب أن تغيير الدستور هو الركيزة الثانية لشعار «تركيا الجديدة» الذى اعتمده أردوغان كمحور لسياساته خلال الفترة المقبلة، وفيه يطمح الحزب فى الحصول على أغلبية مريحة فى الانتخابات البرلمانية العام القادم لتعديل الدستور مباشرة أو للحصول على أغلبية بسيطة وعرض الدستور الجديد للاستفتاء الشعبى، ولا تشك ناجيهان أبدا فى أن النظام الرئاسى يعد ركيزة هذا الدستور الجديد وأن الخوف فى عدم تأمين مقاعد كافية لتغير الدستور فى البرلمان القادم قد يتم التغلب عليه من خلال التحالف مع حزب الشعب الديموقراطى وقد أبدى الأخير إشارات إيجابية فى هذا الشأن.

•••

لكن يأتى السؤال الثالث حول طبيعة العلاقة بين أردوغان وأوغلو، فالأول زعيم شعبى سيقضى عاما على الأقل فى منصب أقل أهمية من المنصب الذى يحتله أوغلو الآن والذى اختاره الأول لحقيبة الخارجية فى ٢٠٠٩، فكيف ستسقيم العلاقة على هذا النحو؟

يكاد يجمع كل الأكاديميين والصحفيين الذين التقيتهم هنا فى إسطنبول وأنقرة أن أردوغان لن يقبل بدور الرجل الثانى أو الرجل الهامشى أبدا وسيظل من وراء الستار هو قائد أوركسترا كل من الحزب ورئاسة الوزراء، لكن يأتى السؤال هل سيقبل داود أوغلو ذلك؟ هنا حدث انقسام بين من التقيتهم، بينما ذهب البعض إلى التأكيد على أن أوغلو لن يكون أكثر من لقمة سائغة لأردوغان وخصوصا وهو المعروف بحرصه على رضا أردوغان منذ تولى حقيبة الخارجية فى ٢٠٠٩، لدرجة أن الصحفى Servat Yantam الذى أمضى السنوات الخمس الأخيرة يغطى ويتابع ملف الخارجية يذكر أنه فور تولى أوغلو حقيبة الخارجية فى ٢٠٠٩ فقد ذهب لإعطاء خطبة فى إحدى مدن الجنوب وبعد مرور وقت من الخطبة ولم يكن قد ذكر اسم أردوغان، فإن أحد مساعديه بعث إليه بقصاصة تذكره بالأمر، فما لبث أوغلو إلا أن انبرى فى مديح أردوغان وهى علامة على أن أوغلو سيقبل دور الرجل الثانى لصالح أردوغان رغم كونه رئيسا للوزراء!

ويدلل البعض على ذلك أيضا بأن أوغلو لم يستغرق سوى ٢٤ ساعة ليشكل الحكومة الجديدة وبها ثلاث تغييرات فقط وتعيين اثنين من أقرب الأشخاص لأردوغان فى منصب نائب رئيس الوزراء هو دليل جديد على أن أردوغان هو صاحب التشكيل الحقيقى للحكومة وأن أوغلو قام فقط بإعطاء ختم الموافقة! بينما يرى البعض ومنهم نائب رئيس الحزب السابق محمد فرات أنه ورغم طاعة أوغلو لأردوغان فإنه يظل صاحب شخصية مميزة وعنيدة وأن النجاحات النسبية التى حققها فى السياسة الخارجية قد تجعله يتمرد على أردوغان لدرجة قد تجعل الخلاف يدب بين الاثنين سريعا.

•••

الأرجح حسب قراءاتى ومتابعتى عن كثب أن أردوغان سيظل الرجل القوى حتى من وراء الستار وأن فرصة الخلاف بين الاثنين ستكون قليلة حتى موعد الانتخابات المقبلة بعد ٩ أشهر من الآن، وحينها ستحدد نجاحات أوغلو أو إخفاقاته فى مكافحة البطالة وحل المعضلات الأمنية وتحسين السياسة الخارجية والحصول على أغلبية برلمانية تعزز تعديل الدستور أو تغيره كلية فرص الصراع أو التعاون بين كلا الرجلين، وربما تضع نهاية سريعة لأوغلو نفسه.

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.