فى المسألة القبطية - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 11:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى المسألة القبطية

نشر فى : الأحد 7 أكتوبر 2012 - 8:50 ص | آخر تحديث : الأحد 7 أكتوبر 2012 - 8:50 ص

للأسف لا أعرف (على وجه الدقة) تفاصيل ما جرى قبل أيام مع المدرسة المسيحية «الصعيدية» أو مع «الطفلين» اللذين فجأة أصبحا موضوعا لتقارير صحفية أجنبية، بعد أن اتهما بازدراء الدين الإسلامى، وللأسف لا أعرف أيضا على وجه الدقة تفاصيل وحجم ما أشيع عن إرهاب لمسيحيى رفح ومحاولات من مجهولين/ أو معلومين لتهجيرهم قسريا.

 

أكرر.. لا أعرف التفاصيل، وهناك دائما أكثر من رواية، ولكنى أعرف أن أكثر من جريدة وشبكة تليفزيون أجنبية طلبت منى تعليقا علـى الموضوع، الذى كان قد احتل مكانه «الطبيعى» فى تقارير وكالات الأنباء. وأعرف أن البيانات الرسمية «المعلوماتية» غابت، فافتقدنا «جهيزة» التى تمنينا أن تقطع قول كل خطيب. وأعرف أن الأمر اقتضى فى بعض حالاته أن يتدخل الرئيس شخصيا؛ فيطلب أو يأمر أو يذهب داعما، فى دولة كنا نأمل ألا تكون هكذا مركزية أو «أبوية» تنتظر إشارة القصر؛ لتحرك أجهزتها، أو لتكلف خاطرها، فتعلم مواطنيها/ لا رعاياها بتفاصيل ما جرى هنا أو هناك. حتى لا تترك الفرصة لتصورات تنمو على «فتات أخبار» فى زمن هو «إخبارى» بامتياز. وأعرف بعد كل ذلك، وربما قبله أن تلك الحوادث لم تكن الأولى رغم اختلاف التفاصيل ولن تكون للأسف الأخيرة، فى ملف يزاداد احتقانا يوما بعد يوم.

 

فى الملف أوراق كثيرة.. وللأسف «أصابع» كثيرة. ولكن يبقى على هامشه وربما فى صلبه عدد من الملاحظات والحقائق، أشرنا إلى بعضها، وأشار غيرى قبل ثمانية أعوام كاملة، يوم انفجرت فى وجوهنا قصة السيدة وفاء قسطنطين (٢٠٠٤) ويبدو أننا رغم مرور كل تلك السنوات بحاجة إلى التذكير بها:

 

١ ــ أن هذه الحوادث أكرر سواء عظم الاهتمام الاعلامى بها، أو تضاءل. لن تكون أبدا الأخيرة. طالما بقى وراء الأكمة ما وراءها؛ من حقائق «على الأرض»، ومصالح للبعض.. وحسابات للآخرين.

 

٢ ــ أن التلقين الذى هو داء التعليم، والتسلط الذى هو داء التربية. مرضان استشريا فى حياتنا الثقافية والسياسية والفكرية؛ من البيت إلى المدرسة إلى «الجماعات السياسية». وهما رافدان لابد منهما لنمو ثقافة التعصب وحماقة الجهل. والدواء على بساطته، يبدو وكأنه صعب المنال: الحرية الكاملة والديمقراطية الحقيقية.

 

٣ ــ أن ما بدا من إفراط مفاجئ فى التلويح بسيف تهمة «ازدراء الأديان»، قد يلحق المصطلح ذاته؛ لغة ومدلولا بشىء من الاستهانة لا يصح، وبعض من الخفة لا يليق. فالمصطلحات، ككثير من الأشياء والبشر إذا ما وضعت فى غير مكانها، قد تخسر مكانتها أوتفقد هيبتها.

 

٤ ــ أن ما يبدو من اختلاط فى الرؤية بين «عودة للأمن» مطلوبة وواجبة، وبين «عودة للأمن» فى غير محلها وبغير اشتراطاتها الديمقراطية، قد تطال الملف الذى ظل لعقود بحوزة أجهزة كثيرا ما أساءت استخدامه. وأن عودة مثل تلك، ستأخذنا مرة أخرى إلى نفق يفتقد ككل نفق رؤية لا يكتمل وضوحها كمثل اكتمالها فى ضوء النهار.

 

٥ ــ أن مصر «الواحدة» التى عُرف شعبها بحب آل البيت، والتى تبرع رئيسها المسلم (عبدالناصر) يوما لبناء كاتدرائيتها، لم تعرف قبل أن تعصف بها «رياح السموم» فى سبعينيات القرن الماضى، مسمى «الفتنة الطائفية» أو تهمة «ازدراء الأديان»، كما لم يكن قد وصل إلى مسامع «مؤمنيها» أو إلى منابر مساجدها مصطلحات مثل «الصفويين» أو «الروافض». وأن مصر «الواحدة» تلك هى التى علينا أن نحرص عليها الآن، فى زمن يعاد فيه هندسة المنطقة؛ تحالفات، وعداوات.. وجغرافيا سياسية.

 

٦ ــ أن دولة مبارك (ثلاثة عقود كاملة) كانت قد مضت شوطا طويلا فى ما كانت قد بدأته دولة السبعينيات، من تعميق شرخ أوجده، بقصر نظر سياسى فى حينه نظامٌ لم يتورع عن استخدام الدين فى تصفية خصومه؛ ضربا بهراوته أحيانا، أو بالتلويح بفزاعته أحيانا أخرى. كما، وفى غياب «مشروع وطنى جامع لم يكترث إلى أن «التهميش» والإقصاء المنهجى. سواء كان للأقباط (كما يحكى رؤوف عباس فى كتابه) أو للإخوان المسلمين كما نعرف جميعا، سيفضى بنا جميعا إلى ما وصلنا اليه. والحال هكذا يصبح على الدولة أو «الجمهورية الجديدة» كما يحلو للبعض أن يسميها، وعلى «جماعتها الحاكمة» المسئولية الأولى فى أن تجلو عن قلب الوطن ما ران عليه من صدأ الفرقة وعفن الاستقطاب.

 

٧ ــ أن للمناخ «المحتقن» فى واقع الأمر تاريخا طويلا من الأزمات التى تركت ندوبا هنا وجروحا هناك. كما كان الاحتكامُ بشأنها دوما إلى غير القانون «المجرد»، كفيلًا بإثارة شكوك بقيت فى النفوس، بعد أن تصور القائمون على الأمر أنهم «بالمواءمات» أو بدفن الجمار الملتهبة تحت الرماد البارد، قد نجحوا فى «احتواء الأزمة». وأن الزمن كفيل بدفن التفاصيل. والأمر، يعرف المتصفحون للإنترنت والمترددون على غرف المحادثة Chat Rooms، أنه لم يكن أبدا هكذا.

 

●●●

يبقى أن الذين يستحضرون خطابا «فى غير زمنه»، وبغير اشتراطاته، إن فى الفضائيات أو فى مناقشات التأسيسية، يبتعد عن مفهوم بات معاصرا للمواطنة، عليهم أن يراجعوا ما يأتى به خطابهم من مفاسد نعلم، وهم أعلم منا بأن «درءها مقدم على جلب المصالح».

 

كما أن الذين يذهبون، برد الفعل إلى أقصى الناحية الأخرى، ملوحين بفزاعة «الخطاب الديني» متصورين أن «تهميش الدين» يمكن أن يكون حلا لما نراه من استقطاب طائفى، عليهم أن يدركوا أن رأيهم ربما لا يكون صحيحا بالضرورة. فالحكمة لم تكن أبدا فى انكار اختلافات هى موجودة فى الواقع، وانما فى ترويج ثقافة احترام الآخر؛ الذى هو «مختلفٌ» بحكم كونه «آخر». ولا غضاضة أبدا فى ذلك. اذ ليس المطلوب طبعا أن «يؤمن» المسلمُ بأن المسيحى على حق فيما يؤمن به، كما أنه من غير المطلوب طبعا أن «يشهد» المسيحى بأن محمدا رسول الله. فلكل دين عقيدته التى هى بالضرورة تختلف عن الأخرى فيما تراه «كفرا» وما تحسبه من «مقتضيات «الإيمان». وعليه، يصبح من باب التزيد، أن يتحسس البعض لعلنا نذكر من مقال «فقهى» كتبه محمد عمارة فى مجلة الأزهر، أو أن يعترض الآخرون على ما يقوله القس فى مدارس الأحد. أو أن تندلع المظاهرات يومها احتجاجا على ما قاله الأنبا بيشوى.. «لكم دينكم ولى دين» أظنه القول الفصل الكفيل ادراكنا الحقيقى له بنزع فتيل أزمات كثيرة،. إذ لاجديد، بالتأكيد، فيما كتبه محمد عمارة أو فيما قاله الأنبا بيشوى، فالكلام موجود ومعروف منذ أربعة عشر قرنا. ما هو الجديد إذن؟ لعله المناخ. أو بالأحرى لعلها تبعات السياسة.

 

 

 

 

 

 

 

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات